03‏/08‏/2019

الصدأ يأكل صندوق البريد / قصيدة

الصدأ يأكل صندوق البريد / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............

     الْجَسَدُ يَا بَارُودَ الْحَدِيقَةِ تُفَّاحَةٌ لِلْقُضْبَانِ / كَأَنَّنِي الشُّهَدَاءُ / يُسَجِّلُونَ رَائِحَةَ الأَدْغَالِ وَأَحْجَارَ الْفَرَاشَةِ/ فِي دَفْتَرِ مُلاحَظَاتِ النِّسْرِينِ / غُرْفَةُ التَّحْقِيقِ / الْوَجْهُ خَمِيرَةٌ / اشْرَبْنِي أَيُّهَا الدَّمُ الرِّيفِيُّ / وَامْشِ عَلَى شَفَرَاتِ النَّسِيمِ/ لا ذَبْحَتِي الصَّدْرِيَّةُ خَلِيجُ الْخَنَازِيرِ / وَلا جَوْرَبِي حَضَارَةُ الْمُومِسَاتِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةُ /

     وَحَضَنْتُ أَجْسَادَ أَئِمَّةِ قُرَيْشٍ الثَّائِرِينَ / وَلَمْ أَجِدْ جَبِينَ أَبِي كَيْ أَمُوتَ فِيهِ / ادْخُلْ يَا أَذَانَ الْفَجْرِ إِلَى خَلايَا نُخَاعِي الشَّوْكِيِّ / رُفَاتِي / إِنَّكَ الشَّاهِدُ عَلَى مَوْتِ فُهُودِ عُيُونِي / فَلا تَخْدَعْنِي مِثْلَمَا خَدَعُونِي/ تَمَارَا تُوَافِقُ عَلَى خُطُوبَتِنَا/ بَيْنَمَا كُنْتُ أُسَاقُ إِلَى خَشَبَةِ الإِعْدَامِ/ الذِّكْرَيَاتُ آخِرُ أَسْلِحَةِ الْعَصَافِيرِ / يَنْبُعُ أُكْسُجِينُ دَمِي مِنْ جَبَلِ أُحُد / وَيَصُبُّ فِي عِظَامِ الأَطْلَسِيِّ /

     حَامِلاً نِعَالَ الأَنْبِيَاءِ عَلَى رَأْسِي / أَيْنَ رِعشَتِي الَّتِي تَلُفُّ نَيَازِكَ الأَنْهَارِ ؟ / تَشْهَدُ الْبُحُورُ فِي مَحْكَمَةِ الصَّرَاصِيرِ / وَيَرْجِعَ الْمَاسُ كَرْبُونَاً فِي صَخْرَاتِ الْمَغِيبِ / وَتُؤَلِّفُ بَغَايَا رُوما إِنجِيلاً دَمَوِيَّاً جَدِيدَاً / وَجْهِي الْمُؤَقَّتُ عَلَى لائِحَةِ الْمَقْتُولِينَ / جِسْمِي الْمُمَلَّحُ عَلَى شَوْكِ الضَّحِكِ / فُكَّ شِيفرَةَ سُكُوتِي / سَاوِمْ ظِلالِي فِي أَوْجِ الرَّغْبَةِ / لأَنِّي أَصْرُخُ فِي خَلايَا طَيَرَانِ الْوَادِي بِاتِّجَاهِ صَدْرِي الغِرْبَالِ / فَأَشُمُّ صُرَاخَ أُمَّهَاتٍ غَرِيبَاتٍ / وَرَكَضْتُ نَحْوَكِ يَا رِئَتِي / أَسْأَلُ عَنْ أُمِّي / وَبَكَتْ خَالَةُ الْفَرَاشَةِ الْمُتَعَفِّنَةِ عَلَى الأَرَاجِيحِ / فَرَأَيْتُ جُثْمَانَ حَدِيقَتِنَا فِي عُيُونِ الرِّيحِ / وَقَرَأْتُ اسْمِي عَلَى شَوَاهِدِ الْقُبُورِ/ وَامْتَلأَ بَيْتُنَا بِالنِّسَاءِ الْبَاكِيَاتِ اللوَاتِي تَرَكْنَ الطَّعَامَ عَلَى النَّارِ/ وَالأَطْفَالَ الصَّاخِبِينَ / وَالأَقْفَاصَ الرَّخِيصَةَ لِلنُّسُورِ / وَانْكَسَرَتْ قُلُوبٌ وَقُيُودٌ / وَأَبَارِيقُ فَخَّارٍ فِي زَوَايَا مَرَضِي الْقَدِيمِ / وَغُرْفَتِي الْمَهْجُورَةِ / وَلَمَحْتُ فِي ذِهْنِ الليَالِي الْقَتِيلاتِ سَدُومَ / تَسْرِقُ ثِيَابَ الْقَتْلَى / وَتَبِيعُهَا لِلْعَارِ / سَيَزُورُ الْعَقِيقُ لَوْنَ الْبِنْزِينِ الْمَرِيضِ / فِي مَنَامِ سَيَّارَاتِ نَقْلِ الْمَوْتَى الْجَدِيدَةِ / وَبَنَاتُ حَيِّنَا الْمَيِّتَاتُ وَرَاءَ سَتَائِرِ الْخَيَالِ / حَاوَلْتُ إِنْقَاذَ رُمْحِي الْمَنْصُوبِ فِي جُرْحِي / لَكِنَّ الْبَرْقَ أَقْرَبُ إِلَى حُلْمِي مِنَ الصَّحْرَاءِ / وَبَكَيْتُ نِيَابَةً عَن المِلْحِ فِي دُمُوعِي / حَتَّى قَرِفَ الْبُكَاءُ مِنِّي / كُلَّ ثَانِيَةٍ أَنْتَحِرُ وَأَنْتَحِرُ / إِنَّ الرَّصَاصَةَ الَّتِي رَسَمَتْ ضِحْكَتَهَا فِي قَلْبِي هِيَ وَمْضَةٌ / أَوْ قِطْعَةُ ثَلْجٍ فِي كَأْسِ عَصِيرٍ / عَلَى قَبْرِ ذُبَابَةٍ / مَشَى الْجُنُودُ فِي جِنَازَتِهَا / تَصِيرُ القُبورُ أرقاماً خَارِجَ ذَاكرةِ عُلماءِ الرِّياضيات /
     إِنَّ لِلصَّخْرِ دِمَاءً نِسَائِيَّةً تَتَنَفَّسُ فِي حُفَرِ الْمَجَارِي / فِي كَفِّ الْمَاءِ الْيُمْنَى اسْتِعْرَاضٌ عَسْكَرِيٌّ لِلْوَحْلِ / وَفِي الْيُسْرَى شَعْرُ تِينَةٍ أَسِيرَةٍ/ وَالْغُرَبَاءُ دَفَنُوا مَمْلَكَتِي فِي رِمَالِ الْوَهْمِ / عَانَقْتُ مَوْتِي عِنْدَ مَوْتِي قُرْبَ مَوْتِي / فِي سُفُوحِ الْمَطَرِ الْمُعَلَّبَةِ / أَتَعَرَّى أَمَامَ مِغْسَلَةِ الْحُزْنِ / كَمَا يَتَعَرَّى لَوْنُ الْفِطْرِ السَّامِّ فِي قُشَعرِيرَةِ الْحِبْرِ / جُرْحُكَ الْكريستَالِيُّ دَمِي الْمُلَوَّثُ / زِنْزَانَةٌ تَحِيضُ / وَفَرِحَ الزَّبَرْجَدُ لأَنَّ النَّبَاتَاتِ مَشَتْ فِي جِنَازَتِهِ / الذِّكْرَى شَظِيَّاتٌ أَمْ أَضْرِحَةُ الْقَلْبِ عَصَافِيرُ ؟ / حُقُولُ الرِّعشَةِ فَجَّرَتْنِي أَوْدِيَةً / فَلَمْلَمْتُ أَشْلائِي فِي كِيسٍ حَجَرِيٍّ / عَلَّقْنَا نِسَاءَنَا بَرَاوِيزَ ذُبَابٍ عَلَى لَوْحَاتِ أَرْقَامِ السَّيَّارَاتِ فِي الْجَمَارِكِ / وَلَمْ نَكْتَشِفِ الْمَرْأَةَ الضَّوْءَ /
     الْمُومِسُ الْخَجُولةُ / بَجَعَةٌ تَرْتَدِي وَاقِيَاً ضِدَّ الرَّصَاصِ / وَالْبَرْقُ يَقْطِفُ وَرَقَ التُّوتِ بِيَدَيْهِ الْجَرِيحَتَيْنِ / لَمْ تَتَذَكَّر المرَاهِقَاتُ وُجُوهَ الْمُلُوكِ / الَّذِينَ يُبَدِّلُونَ عَشِيقَاتِهِمْ كَالْجَوَارِبِ الْمُرِيحَةِ / نُغَيِّرُ أَقْنِعَتَنَا لِنَصِيرَ قُمَاشَاً رَخِيصَاً لأَعْلامٍ مُتَعَفِّنَةٍ / يُلَوِّحُ بِهَا مُقَامِرُو الْوَحْدَةِ الْوَطَنِيَّةِ / وَتَنْتَشِرُ التَّوَابِيتُ الْبَطِيئَةُ فِي الأَغَانِي السَّرِيعَةِ / مَلاقِطُ الْغَسِيلِ عَلَى نَزيفٍ / تَمَسُّهُ إِيطَالِيَّةٌ / تَنْتَحِرُ فِي ضَحِكَاتِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ / قَدْ أُرَبِّي أَحْفَادَ الْخَشَبِ بَعْدَ احْتِرَاقِهِ / فِي قُلُوبِ الثَّلْجِ الأَزْرَقِ / وَلَمْ يَكُنْ تَفْكِيرُ الْبَابُونَجِ فِي أَشْكَالِ ذَبْحِهِ/ سِوَى إِصَابَةِ الصَّقِيعِ بِالشَّلَلِ النِّصْفِيِّ عَلَى قِرْمِيدِ الْمَنَافِي وَكَرَاسِي الْمَجَرَّاتِ / وَالْبُرْتُقَالُ الأَخْضَرُ سَيَرْمِي قِصَصَ حُبِّنَا الْفَاشِلَةَ / فِي أَفْوَاهِ الْغَسَقِ أَوْ أَسْنَانِ الإِعْصَارِ / وَتَمْضِي حَوَاجِبُنَا / تَحْمِلُ الْبَنَادِقَ فِي طَرِيقِ الْمُذَنَّبَاتِ /  
     كُلَّ لَيْلَةٍ تَغْسِلُ حَيْفَا جَارَةُ الأُكْسُجِينِ فِي رِئَتِي/ خُصَلاتِ شَعْرِهَا فِي دِمَائِي الْيَابِسَةِ/ سَيُزَوِّرُ الأَغْرَابُ التِّلالَ الرَّاكِضةَ إلى لَيْمونِ المجرَّةِ / وَرْدَةُ الْجِبَالِ الْوَحِيدَةُ / وصَدَاقَاتُ النَّخِيلِ / بُرتقالةٌ عَلَى طَاوِلَةِ الأَحْلامِ الْعَابِرَةِ / كَأَنَّنِي ظَهِيرَةٌ مَا فِي يَوْمٍ مَاطِرٍ / وَالْمَزَارِيبُ تَتَشَظَّى فِي سَاعَةِ يَدِ الْحَصَى / وَالْغُصُونُ مَا زَالَتْ تَحْلُمُ بِالْمُحَارِبِينَ الْقُدَامَى / جِذْعُ الليْلَكِ يُقَاتِلُ غُبَارَ الأُمْسِيَاتِ / رَفِيقَتِي الذِّكْرَى الَّتِي تَجْمَعُ صَدَفَ الْحَنِينِ / عَلَى سَوَاحِلِ الْغَضَبِ الْبَنَفْسَجِيِّ / إِنَّكِ الشُّرْطِيَّةُ الْوَاقِفَةُ عَلَى نَافِذَةِ قَلْبِي / فَمَتَى سَتَسْمَحِينَ لِلْبَحَّارَةِ أَنْ يَزُورُونِي ؟ / وِلادَةٌ قَيْصَرِيَّةٌ لِكَلامٍ يَمُوتُ / أَطْفَالٌ يَنْهَضُونَ مِنْ أَنَابِيبِ الصَّرْفِ الصِّحيِّ فِي مَزَارِعِ الثَّوْرَةِ /
     تَعَالَ إِلَيَّ أَيُّهَا النِّسْيَانُ الزُّمُرُّدِيُّ / لأَنسَى أَكْوَامَ الْوَسْوَاسِ الْقَهْرِيِّ فِي خَلايَايَ / وَمِكْيَاجَ الْقَاضِيَةِ الْعَارِيَةِ فِي مَحَاكِمِنَا الْعَسْكَرِيَّةِ / وَبَلُّوطَ الْمَقَابِرِ الصَّاعِدَ مِنْ رِقَابِ الأَسْرَى / وَذُهُولَ الْكِلابِ البُوليسيَّةِ فِي دَوْلَتِنَا الْبُولِيسِيَّةِ / لُصُوصُ بِلادِي أَثَاثُ الْقُبُورِ الْمُرُّ / إِنَّهُ الطُّوفَانُ / كُلَّمَا أَمْسَكْتُ صَوْتَ الْمَاءِ / تَفَجَّرَ الصَّدَى الْمُتْعَبُ / شُكْرَاً لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يُضَيِّعُونَ وَقْتَهُمْ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالأَحْذِيَةِ / مِكْيَاجُ التَّوَتُّرِ / كَأَنَّهُ الرَّقْصَةُ الْقَاتِلَةُ عَلَى حَافَّةِ مِغْنَاطِيسِ الْحُلْمِ / كُوخٌ يَقْضِي وَقْتَ فَرَاغِهِ فِي زِيَارَةِ الْخَفَافِيشِ/ عَلَى مُدَرَّجَاتِ الْغِيَابِ/ بَكَارَةُ الدَّمْعَةِ / الْخَرِيرُ الْعَاصِفُ .