21‏/08‏/2019

مسدسي المطلي بالأشجار وأحزان الراهبة العمياء / قصيدة

مسدسي المطلي بالأشجار وأحزان الراهبة العمياء / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

     أَسْقَطْتُ عَاصِمَةَ الْحَطَبِ/ فَصِرْتُ عَاصِمَةَ الْعُشْبِ / أَيْنَمَا تَجِدْنِي أَحْفِرْ ظِلِّي / وَأَصْعَدْ مِنِ انْتِحَارَاتِي قَذَائِفَ / لأَنَّنِي أُشْرِفُ عَلَى رِسَالَةِ الدُّكْتُورَاةِ لِلصُّرَاخِ / سَأَصْعَقُكُمْ لأَنِّي أُحِبُّكُمْ / فَلا تُصَدِّقُوا مَا يَقُولُهُ الثَّلْجُ الأَخْضَرُ عَنِّي / تَدُقُّ الليلَ أَبْوَابِي / وَلُغَتِي وَسَّعْتُهَا بِدَمِي / هِيَ امْتِدَادُ رُمُوشِي الْعَنِيفَةِ / شُكْرَاً لَكِ يَا كَاتْرِينُ / لأَنَّكِ قَصَفْتِ قَلْبِي بِالْمَنْجَنِيقِ وَرَحَلْتِ / وَجْهُكِ صَارَ صَلِيبَاً يَحْفِرُ فِي خَوْخَةِ الصَّقِيعِ مَنَافِي الْكُومِيديَا / كُلَّمَا طَوَّقَتْنِي بِعِشْقِهَا غَزَالَةٌ / رَحَلْتُ إِلَى تَسْبِيحِ الزَّنَابِقِ آخِرَ الليلِ / مَحْكَمَةُ الثَّلْجِ فِي بُرُودَةِ أَعْصَابِ الْلَيْلَكِ لَهَبٌ /
     سَأَلْتُ الزِّنْزَانَةَ : (( لِمَاذَا تَجْلِسِينَ عَلَى خَاصِرَةِ الْبَحْرِ الْمُتَعَرِّجَةِ ؟ )) / يَرْتَاحُ الثُّوَّارُ عَلَى مُدَرَّجَاتِ الْبَنْكِرْيَاسِ / كَأَنَّنِي السُّيُوفُ الَّتِي تَبْكِي كُلَّمَا ابْتَعَدَتْ عَنْ أَصَابِعِ المطرِ / ارْتِجَاجٌ خَفِيفٌ فِي دِماغِ الشَّجَرِ / دُمُوعُ الأنهارِ فِي السَّحَرِ شَرْعِيَّةُ ثَوْرَتِي / صَافَحْتُ أَرْمَلَتِي فِي حَفْلَةِ زِفَافِ سَيْفِي / الَّذِي أَعْدَمَ غِمْدَهُ بِالْكُرْسِيِّ الْكَهْرَبَائِيِّ /
     أَيُّهَا الذَّاهِبُونَ إِلَى فَتْحِ أَزْمِنَةِ الْكَوَاكِبِ / خُذُوا خَلايَا دِمَاغِي مَعَكُمْ / لأَتَنَفَّسَ أَشْكَالَ الرِّمَاحِ زَعْتَرَاً / فِي رِئَتِي الْيُمْنَى حَوَافِرُ خُيُولِكُمْ / وَفَوْقَ شَعْرِي مَسَافَةُ طَيْفِكُمُ الْحَدِيدِيِّ / مُذْ عَانَقَنَا وَجْهُ النَّبِيِّ أَلْغَيْنَا الْهَزِيمَةَ مِنْ مُعْجَمِ الرِّيحِ / مِثْلَمَا يُلْغِي الْمُصَوِّرُ الْكَامِيرَا الْمَكْسُورَةَ مِنْ حِسَابَاتِ الْمَعْرَكَةِ / نَحْنُ الْوَاقِفِينَ فِي طُرُقَاتِ جَمَاجِمِ الغاباتِ / نُزَيِّنُهَا بِأَقْوَاسِ النَّصْرِ / وَنَحْرُسُهَا مِنَ الْفِرِنْجَةِ الْقَادِمِينَ فَحْمَاً صَاعِدَاً عَلَى أَشْلاءِ الزُّنُوجِ/ فِي الْمَنَاجِمِ الْغَارِقَةِ كَخُدُودِ الرَّاهِبَاتِ الْعَجَائِزِ/ الْغُزَاةُ يَقِيسُونَ حُجُومَ نِعَالِهِمْ بِحُجُومِ صُدُورِ نِسَائِهِمْ / ظِلالِي سَجَاجِيدُ / فَلْتَمْشُوا يَا أَنْبِيَاءَ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهَا / عُيُونُنَا دَالِيَةٌ تُظَلِّلُ ابْتِسَامَاتِكُمْ / أَيُّهَا الْمُهَاجِرُونَ إِلَى اللهِ / شَرَرٌ يُولَدُ مِنَ احْتِكَاكِ عِظَامِي / غَطَّيْتُهُ بِأَدْغَالِ جَنَاحِ يَمَامَةٍ/ حَطَّتْ عَلَى كَتِفِ قَارِئِ الْقُرْآنِ/ الْمَجْدُ لَكَ أَيُّهَا الإِلَهُ الَّذِي لا تَمُوتُ/ أَنَا قَتِيلُ الْمَحَارِيبِ/ لأَنَّنِي أَعْلَنْتُ وَلائِي لَكَ / عُرُوقِي تُرْمَى فِي شِعَابِ التُّفَّاحِ / لأَنَّنِي لا أَعْتَنِقُ أَسْفَارَ إِبَادَةِ الْحُلْمِ الْمُقَدَّسَةِ / بَيْنَ جُفُونِي وَرُمُوشِي تَرْكُضُ غَابَتَانِ وَسُيُوفُ الْبُرْتُقَالِ / ذَابَتْ خَلايَايَ فِي أَصْوَاتِ التَّكْبِيرِ صَبَاحَ الْعِيدِ/ وَمَسَاءَ وَأْدِ الْجُرُوحِ الْمَعْدَنِيَّةِ/ لا تَتَنَازَلْ عَنْ حُبِّ الإِلَهِ / حَتَّى لَوْ أُخِذَتْ جُمْجُمَتِي مِدْخَنَةً لِقَصْرٍ فِي الرِّيفِ الإِنْجلِيزِيِّ /
     ادْفِنِّي فِي أَقْرَبِ غَيْمَةٍ حَمْرَاءَ / أَعْطِ أَرْمَلَتَكَ نَصِيبَهَا مِنَ الثَّوْرَةِ / وَانْتَشِرْ فِي وُضُوءِ اليَمامِ سَنَابِلَ / لا يَحْلِقُ شَعْرَهَا السَّيِّدُ الأَبْيَضُ / كُنْ نَخْلَةَ الْمَعْنَى فِي ظِلِّ مِئْذَنَةٍ / تَزُفُّ الرِّيحَ إِلَى خَنْجَرِي / ولا تَسْأَلْ : (( كَيْفَ أَلْغَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ الأُمَّ تِيرِيزَا ؟ )) / قُرْآنُنَا مَجْدُ هَؤُلاءِ الْمُقَاتِلِينَ / شَرْعِيَّةُ وُجُودِ أَرْوَاحِنَا خَارِجَ مُذَكَّرَاتِ يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيِّ / يَنْتِفُ الظَّلامُ الرُّخَامِيُّ تِلالَ الوَداعِ / وَيَجُزُّ عُشْبَ المقابرِ مَناجِمُ الْمَاسِ الْمُحَاصَرَةُ بِالأَغْرَابِ / شَواطِئُ الغُروبِ تَرْكُضُ في دَوْرتي الدَّمويةِ / قَيْلُولةُ العَناكبِ على جُدرانِ شَراييني / وَأوحالُ القُرى المنسِيَّةِ تَشْرَبُ حَليبَ البَعوضةِ / تَشابهتْ زَخْرَفةُ الأضرحةِ / سَنابِلُ المقبرةِ بَاردةٌ / لَكِنَّ سُعالَ الأمواتِ دَافِئٌ / وَالحشَراتُ تُبَدِّلُ أقْنِعَتَهَا / احْمِلْنِي لَهَبَاً فِي جَفْنَيْكَ / أَوْ دَعْنِي لأَسْرَابِ الطُّيُورِ تَهُزُّنِي / أَوْ تَحْمِلُنِي إِلَى بَقَايَايَ الْمُقَاتِلَةِ / أَسْمَعُ الأَشْجَارَ تُرَدِّدُ الشَّهَادَتَيْنِ فِي خَلايَا جِلْدي / مَجْدُنا يَمْحُو / تَنَفَّسْتُ وُجُوهَ الأَدْغَالِ لا أَقْنِعَتَهَا / بَايَعْتُ مَوْتِي عَلَى الْحَيَاةِ فِي جَبِينِ رُمْحِ الصَّنَوْبَرِ / اتَّخَذْتُ السِّنْدِيَانَةَ فِي حَدِيقَةِ الْمَجَرَّاتِ عَشِيقَةً / وَاتَّخَذَتْنِي أَسِيرَ حَرْبٍ / أَزُورُ أشلائي المتَعَفِّنةَ في عِيدِ الأنقاضِ / لأَنِّي مِسكينٌ تَنْشُرُ جَاراتي الغسيلَ على أعصابي / فَكُنْ غَامِضاً كَصَوْتِ المطرِ / سَمِعْتُ النَّهْرَ يَقُولُ لِضُيُوفِهِ فِي عِيدِ مِيلادِهِ الأَرْبَعِينَ : (( لا خَيْرَ فِي بُحَيْرَةٍ أَضَاعَتْ مُسَدَّسَهَا )) / وَيَذْهَبُ الضَّبَابُ إِلَى وَظِيفَتِهِ الْجَدِيدَةِ بِمَلابِسِهِ الْعَسْكَرِيَّةِ / أَسْتَثْمِرُ نِفْطَ جُمْجُمَتِي فِي بُورصَةِ تَارِيخِ النَّوَارِسِ/ قَدْ يَصِيرُ عَرَقِي وَقُودَاً لِسَيَّارَاتِ الأُجْرَةِ / لَكِنَّ أَعْشَابَ حُمْرَةِ الْغُرُوبِ تِلْمِيذَاتُ الصَّرْخَةِ /
     أيُّها البَنفسجُ العَائِشُ في حَضارةِ المسدَّساتِ / عِشْتَ لِتُوَدِّعَ أغْشِيةَ البَكَارةِ في شَوارعِ السُّلِّ/ بُنْدُقِيَّتي مَطْلِيَّةٌ بِمِلْحِ دُمُوعي/وَالسَّبايا عَلى الشَّاطئِ يَنْتَظِرْنَ الطوفانَ/ ارْفَعْ نَعْشَكَ قَمَراً / لَن تأتيَ الجيوشُ البَدَوِيَّةُ لِتُحَرِّرَ جِلْدَكَ مِنَ الرِّمالِ / البَدَوِيَّاتُ يُسَاعِدْنَ الغُزاةَ في التَّنقيبِ عَن النِّفْطِ / لَيْسَ لَنا زَمانٌ يا أُمِّي كَي نُولَدَ فِيه / لَيْسَ لَنا مَكانٌ يا أبي كَي نَموتَ فِيه / أَكَلَ البَقُّ خَشَبَ نُعوشِنا / وَالغُروبُ نَسِيَ أن يَغْسِلَ أكْفانَ الموتى / سَتَتْعَبِينَ يَا أَرْمَلَتِي فِي تَسْدِيدِ دُيُونِي / ومَلامِحُنا تَحْتَفِظُ بِحَقِّهَا فِي شَطْبِ أَجْفانِ الزَّبدِ مِن خَارِطَةِ البَحْرِ /
     ماتَ الخريفُ الغامضُ في حادثِ سَيْرٍ غامضٍ / يا فَراشاتِ الطاعونِ في ليالي الوَخْزِ / ماتت الغابةُ / وماتَ مَلِكُ الغابةِ / والأشجارُ تَقودُ انقلاباً عسكرياً / أقمارٌ تَصعدُ مِنَ الملاريا / وضَوْءُ القَمَرِ الجارحُ هُوَ جَوَازُ سَفَرٍ دُبْلوماسِيٌّ للعُشَّاقِ / عَلَّمَتْني أُمِّي الصِّدْقَ / لكني الفَجْرُ الكاذِبُ / فاهْرُبْ يا رَمْلَ البَحْرِ مِن الزَّوْجاتِ الخائناتِ / كَي يُرَتِّبَ الطوفانُ الصَّدماتِ العاطفيةَ / على حَجَرِ النَّرْدِ .