14‏/09‏/2019

خيَّاط الإمبراطورة / قصيدة

خيَّاط الإمبراطورة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........

     يَنتظرُ خَيَّاطُ الإِمبراطورةِ مَوْتي/ كَي يَأخذَ قَميصي تِذْكاراً لِحُروبِ القَبائلِ/ سَيأكلُ الهلَعُ خُدودَ الإِمَاءِ / قَبْلَ فَضِّ أغشيةِ البَكارةِ / سِحْرٌ غَامضٌ يَسْحَبُني إلى الموْتِ / وأرْسُمُ مِشْنقتي عَلى طَوابعِ البَريدِ / سِجْني في دَاخلي/ وَالذِّكرياتُ تَخلعُ أظافري/ وأنا أحترقُ بِقِصَصِ الْحُبِّ الفَاشلةِ/ أحترقُ في مَمالكِ الفَجْرِ الكَاذبِ وَحيداً / وَأرى صُوَرَ الأمواتِ عَلى قَطَراتِ المطَرِ / والأعْيِرةُ النَّاريةُ مُلْتَصِقَةٌ بالمزهرياتِ/ ولا أحَدَ يَعْرِفُ قِيمتي إلا الموْتُ/ للفَراشاتِ أحزانُ عُيوني / وجَسَدي للدُّودِ / فماذا بَقِيَ مِنَ الرُّومانسيةِ ؟ / أغشيةُ البَكارةِ في حُفَرِ المجاري/ وَجُثَثُ النِّساءِ في مُسْتَوْدَعَاتِ المِيناءِ/
     أيها المنبوذُ السَّماويُّ / سَتَمُوتُ عَلى رَصيفِ المرفأ وَحيداً / أكفانُكَ هِيَ مَناديلُ الوَدَاعِ لِلْفَتَيَاتِ الْمُحَنَّطاتِ في النَّظاراتِ السَّوْداءِ / وَلَن تَجِدَ امرأةً تَبكي عَلَيْكَ / أبكي في لَيالي الشِّتاءِ وَحيداً / والعَناكبُ تُزَيِّنُ جُدرانَ رِئتي / وَالطحالبُ تُزَيِّنُ حِيطانَ غُرْفتي/ فيا أيتها الغريبةُ في جُروحِ الغروبِ / إِنَّ دَمْعَكِ يُلَمِّعُ خَنْجري/ وأنا المطرودُ مِن لَحْمي/ المنفيُّ مِن أحلامِ الطفولةِ / وُلِدْتُ في شِتاءِ الدَّمِ/ لَكِنِّي سَأموتُ في لَيْلةٍ خَريفيةٍ بَاردةٍ / مَاتت الأسرارُ العَاطفيةُ في قُلوبِ النِّساءِ / وَمَاتت النِّساءُ / هَكذا تَرْحَلُ قِصَصُ الْحُبِّ مِن المطاعمِ إلى الأضرحةِ / وَلا فَرْقَ بَيْنَ العِشْقِ وحُروبِ القَبائلِ / أشِعَّةُ القَمَرِ تُفَتِّتُ عِظامَ الموتى/ وأنا الْجُثْمانُ العَاري/ وَمَا تَغَطَّيْتُ بِقَميصِ عُثمان / كُلما مَشَيْتُ قُتِلْتُ / وَخَشَبةُ الْمَسْرَحِ هِيَ أخشابُ التَّوابيتِ /
     أنا والدُّودُ نتقاتلُ عَلى جُثتي / ماتَ الأطفالُ / وانكسَرَتْ قُصورُهُم الرَّمليةُ كما تنكسرُ مناديلُ الوَدَاعِ في زَوابعِ الذاكرةِ / قَطَعَ الرَّعْدُ ضَفائرَ النِّساءِ عِندَ شَاهدِ قَبري / وتستندُ الجثثُ الضَّوْئيةُ إِلى أشجارِ الصَّنَوبرِ / ونمشي تَحْتَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ في شِتاءِ الذُّعْرِ / كُنَّا فَلاسفةَ في تَحليلِ ضَحِكاتِ الزَّوْجاتِ الخائناتِ / والرِّجالُ الذينَ دَافَعوا عَن شَرفِ العَنْكبوتِ / رَحَلوا إلى أعماقِ الغَسقِ / نَسِيَت السَّائحاتُ الشُّوكولاتةَ عِندَ المومياواتِ / وَنوافذُ الخريفِ تُنَقِّبُ عَن الماضي الرُّومانسيِّ للرَّاهِباتِ / تتساقطُ شَظايا قَلبي كأجنحةِ الحمَامِ الزَّاجلِ / بِلادٌ لَم تَعُدْ لَنا / هِيَ حَفْلةُ العناكبِ على فَساتينِ الملِكاتِ / تغتسلُ جَواري القَصْرِ بِالْمَنِيِّ الملَكِيِّ / ويتقاتلُ البَقُّ على عَرْشِ الرِّمالِ / والانقلاباتُ العَسكريةُ تتكاثرُ مِثْلَ قُمْصانِ النَّوْمِ / وضَوْءُ القَمرِ يَجرحُ خُدودَ الصَّبايا في آخِرِ الليلِ / وأغشيةُ البَكارةِ مُلْقاةٌ في أزِقَّةِ الطاعون / وأفخاذُ النِّساءِ الدُّمى كأفخاذِ الدَّجاجاتِ / التي تَذهبُ إلى الصَّعْقِ الكَهْربائيِّ ضَاحكاتٍ / فَكُنْ أيها المساءُ مَوْتاً / لِيَصيرَ جِلْدي فِرَاشَ الموْتِ/
     كُلما رَأيتُ مَلَكَ الموْتِ / انطفأت الرُّومانسيةُ في ذِكْرياتي / سَوْفَ تتزوَّجُ الراهباتُ في حُقولِ الزَّرنيخِ / ستنكسرُ أجراسُ الكنيسةِ في ذُهولِ الشَّعيرِ / والْمُشَرَّدُونَ يَتَزَوَّجُونَ إشاراتِ المرورِ / رُبَّما يَكُفُّ الملوكُ عَن بَيْعِ بَناتِهِم للإقطاعِيِّين / وقَد ترفضُ أشجارُ المقبرةِ اللجوءَ السِّياسيَّ / والأيتامُ يَنامونَ في رِئتي / فَكَيْفَ أتنفَّسُ أخشابَ التَّوابيت ؟ / وَطَني أجْمَلُ مَقْبرةٍ كريستاليةٍ في أوردةِ البَجَعِ / يَسيلُ المِكياجُ على خُدودِ البُحَيْراتِ / فاسْتَعِدِّي لِصَدْمةِ الذِّكرياتِ أيتها الحضارةُ / انطفأَ العالَمُ/ وحَجَرُ الرَّحى يَتوهَّجُ / ولَن تَلْمَعَ أظافرُ النِّساءِ في طَريقِ المقبرةِ الرِّيفيةِ / أذهبُ ولا أَعُودُ / وكلُّ القَتلى يَمشونَ بَيْنَ أصابعي / أنا الأجسادُ القَتيلةُ والذِّكرياتُ المكسورةُ / جُثماني شَرارةُ البَرْقِ / وأحزاني مَانعةُ صَواعِق / أيَّامي كَطُوفانِ نُوحٍ / لكني لم أجِدْ سَفينةً أرْكَبُها / جَرحتُ أحلامَ الطفولةِ في أعراسِ البُكاءِ / وَرَمْلُ البَحْرِ يَغتصبُ الرَّاهباتِ في سَراديبِ الدَّيْرِ البَعيدِ /
     حَتَّى الإِمبراطورةُ بَاعَتْ بَناتِها لِرِجالِ الأعمالِ / وَدَاعاً يَا مَساءَ الطهارةِ / يا أرشيفَ الثلجِ الدافئِ / سَتُصبحُ صَائدةُ القُلوبِ فَريسةً / خُذ النِّيرانَ مِن صُدورِ النِّساءِ / سَتَشْرَبُ الأحزانُ نَخْبَ انتصارِ حُكومةِ الرَّميمِ على الرُّفاتِ الطازَجِ / خُذوا شُموعَ عِيدِ الفَراشاتِ / واترُكوا لِي ضَوْءاً في آخِرِ النَّفقِ / وَلا نَفَقٌ أمَامي ولا ضَوْءٌ / قَلبي مُشَقَّقٌ كَرُخامِ الأضرحةِ / وَتابوتي مُلَوَّنٌ كَالسِّيراميكِ الأجنبيِّ / وَأحزانُ الرِّجالِ تَلمعُ في مَمَرَّاتِ الخريفِ /  
     مِثْلَما تَدخلُ حِيطانُ غُرفتي في البَيَاتِ الشَّتويِّ / تَدخلُ أصابعي في الاكتئابِ الخريفيِّ / أُقَبِّلُ يَدَ الشَّفقِ/ لأني مَمنوعٌ مِن دُخولِ مَقبرةِ عَائلتي/ سَامِحيني يا صَحراءَ الأظافرِ النُّحاسيةِ/ اقتليني يا آبارَ الشَّفقِ الزُّمرديةَ/ كُنتُ أشربُ الذِّكرياتِ معَ جُثتي / وكانَ المساءُ يَشربُ دَمي معَ عَصيرِ الليمونِ/ أُرشدُ ضُبَّاطَ المخابَرَاتِ إلى مَوْقِعِ جُثتي في حُفرِ المجاري / وَذَلِكَ بِرميلُ النِّفطِ لَعْنةً قَديمةً اغتَصَبَتْ طُفولةَ الصَّحْراءِ / تحترقُ رَائحةُ الكاوتشوكِ في الهياكلِ العَظميةِ / ولَن يَكونَ الْمَلِكُ شَريفاً إلا إذا كانَ لِصَّاً / أنا والثلجُ ننامُ على قِرْميدِ الأكواخِ المهجورةِ / وسُعالي يَنامُ على المرايا المكسورةِ / تَغرقُ الضَّفادعُ في الانتخاباتِ الْمُزَوَّرةِ/ وأظافري المضيئةُ في ليالي المجزرةِ هِيَ ذَاكرةٌ للبَجَعِ المنفيِّ /
     في لَيْلةٍ خَريفيةٍ بَاردةٍ / سَنعترفُ أمامَ مرايا الرَّمادِ ومَزهرياتِ الخريفِ / أنَّا بِعْنا المرأةَ للذي دَفَعَ أكثرَ / كَيْفَ أهْرُبُ مِنكَ يا حُزني ؟ / صُراخُ الدِّماءِ يَقرعُ بَوَّاباتِ الليلِ / والأرَقُ وَصِيَّةُ العُشَّاقِ قَبْلَ انتحارِ اليَاقوتِ / خُذوا بُندقيةَ الصَّيْدِ مِن يَدِ النَّهْرِ / سَوْفَ تَموتُ البُحيرةُ بِسَرطانِ الثَّدْيِ / لا امرأةٌ تنامُ قُرْبَ جُثتي لِتَمْسَحَ دُموعي التي تَحْفِرُ الوِسادةَ / ولا غَيْمةٌ تُرضِعُني بَعْدَ وَفاةِ أُمِّي / حقَّاً / إِنَّ الضَّياعَ هُوَ الشيءُ الوَحيدُ الذي لا يَضيعُ /
     كانت السَّبايا يَنْشُرْنَ الغسيلَ على حَبْلِ مِشْنقتي / وكانت الفَتَياتُ الْمُغْتَصَبَاتُ يَنْشُرْنَ الغسيلَ على حِبَالي الصَّوْتيةِ / أرمي أحزاني في بِئرِ قَرْيتي / وأصعدُ مِن لَمعانِ عُيونِ القَتلى / وسَوْفَ أُدْفَنُ في القريةِ التي وُلِدْتُ فِيها / في رِئتي جَمَلٌ مَشلولٌ / أنتحرُ تدريجياً مِثْلَ كُحْلِ الزَّوْجاتِ الخائناتِ/ سَأُقْتَلُ بالبُندقيةِ التي أحببتُها/ فَهَل سَتظلُّ المرأةُ مِمْسحةً ؟ / هَل ستظلُّ كَوْمةً مِن اللحمِ الطازَجِ ؟ /
     في ظِلالِ الموتى يَنْبُتُ الخوْخُ وَضَوْءُ الأمطارِ / عِشْتُ تائهاً مِثْلَ الملِكاتِ السَّبايا / وعَاشَت الرِّمالُ غريبةً مِثْلَ المكانسِ الكَهْربائيةِ / انكسَرَتْ عُروشُ الصَّدى مِثْلَ كنائسِ القُرونِ الوُسْطَى / أنا العُرْسُ بَعْدَ مَقتلِ العريسِ / أنا العَريسُ بَعْدَ انتحارِ العُروسِ / أنا العُرْسُ والعَريسُ والعَروسُ / لكنَّ الْمَدْعُوِّينَ لم يَحْضُرُوا / وفِيزياءُ احتضاري فلسفةُ اغتيالي عِيدُ مِيلادي في إسْطبلاتِ الملوكِ /
     الْمَوْتُ أفضلُ حُرَّاسي الشَّخصيين / اسْرِقُوني يا إِخْوتي / إِنَّ وَطَنَ اللصوصِ لا يُقَدِّسُ إلا اللصوصَ / سَوْفَ يَصِلُ الموتى إلى المقبرةِ مُتَأخِّرينَ / ويَصِلُ العُشَّاقُ إلى عَصيرِ البُرتقالِ مُتأخِّرين / وصارَ مَوْعِدُ دَفْني استراحةً لسائقي الشَّاحناتِ / على طَريقِ قَلبي الصَّحراويِّ / فاشْكُرْ لاعبي التِّنسِ الذينَ يُحْضِرُونَ عَشيقاتِهِم للتَّشجيعِ / في مَلاعبِ التَّطْهيرِ العِرْقِيِّ /
     أدخلُ في غَابةِ العِشْقِ الضَّوئيةِ / وأسألُ أغصانَ الرَّعْدِ / مِن أيْنَ ستأتي الطعنةُ المسمومةُ ؟ / لَسْتُ صُورةً في بِرْواز / تُعلِّقُهُ البُروقُ على حَائطِ زِنزانتي / سَتَموتُ الكاهنةُ في هَاويةِ المرْمَرِ / ويَنمو التفاحُ في أكياسِ الجثثِ / يَا وَطَنَ الْمُرْتَزِقَةِ فَلْتَمُتْ / ذِكرياتُ أصنامِكَ انتهتْ / وسَامِحيني يا مَشانقَ الكَهْرمان/ لم أحْضُرْ حَفْلَ تتويجِ الإمبراطورةِ / لأني كُنتُ أُنقِّبُ عَن دِمائي في حَنجرةِ الضَّبابِ/ نمشي على التَّوابيتِ/ وأرضُ الموتى يُغَطِّيها المِكياجُ / خُدودُ النِّساءِ مَرفأُ البَعُوضِ / والبَقُّ يَمُصُّ حَلَماتِ النِّساءِ/فيا أيتها الرَّاهبةُ الرَّماديةُ/ سَوْفَ يَكْسِرُ سَرَطانُ الثَّدْيِ الصليبَ على صَدْرِكِ/
     سَتَغرقُ في لَيْلةِ الدُّخلةِ حَضَاراتُ الإعدامِ / فَمَا فَائدةُ الذهابِ إلى الكَنيسةِ يَوْمَ الأحَدِ / وكلُّ الراهباتِ الْمُغتَصَبَاتِ صَلَبَهُنَّ المطرُ يَوْمَ السَّبْتِ ؟ / مُلوكُ الأرضِ صَاروا تَحْتَ الأرضِ / وحَارسُ المقبرةِ هُوَ الهِنديُّ الأحمرُ الوَحيدُ / الذي نَسِيَ الرَّجلُ الأبيضُ أن يَقْتُلَهُ / كُلما مَشَيْتُ في المكانِ الذي اغتالوني فِيه/ بَكَت الأشجارُ التي سَتَصيرُ أخشاباً للنُّعوشِ/تَدخلُ طُفولةُ المساءِ في لَيْلةِ الدُّخلةِ/ وأنا أخرُجُ مِن جِلْدِ المساءِ / امرأةٌ تُزَفُّ إلى قَاتِلِها / وعُشَّاقُها يَرْقُصُونَ في الإسطبلاتِ على ضَوْءِ الشُّموعِ/ غُربةُ القَلْبِ في زِنزانةِ الجسَدِ/ وُلِدْتُ في غُربةِ الرُّوحِ / وَمِتُّ في غُربةِ القَلْبِ / ولا شَيْءَ يتذكَّرُ وَجهي سِوى الزَّوابعِ / فاذْكُرْني يا مَساءَ الموتِ / نركضُ على الجثثِ / ولَن تَعْرِفَ الرِّياحُ شُعورَ الْحُسَيْنِ / حِينَ عَلِمَ أنَّ أهْلَ الكُوفةِ خَانوه /
     لَيْلةُ الدُّخلةِ هِيَ الحرْبُ التي أهْرُبُ مِنها / والجيوشُ تَرفعُ الرَّايةَ البَيضاءَ / وتَخرجُ مِن رِئةِ النَّهارِ / والقِطَطُ تَخرجُ مِن حَناجرِ الجنودِ القَتلى / دِماءُ الكِلابِ البُوليسيةِ على زُجاجِ السَّياراتِ العَسكريةِ / وأجراسُ المطرِ يُعلِّقُها الخريفُ في سَقْفِ زِنزانتي / وَطَنٌ لِكُلِّ البغايا / نزيفٌ لِكُلِّ الحواجزِ الأمنيةِ / الرَّقيقُ الأبيضُ في السُّوقِ السَّوْداءِ / وجُلودُ الإِمَاءِ ترتعشُ في قُصورِ الخليفةِ / والذاكرةُ هِيَ الوَهْمُ الْمُعَلَّبُ / فيا أيها الوَطَنُ التَّائهُ بَيْنَ الدِّيمقراطيةِ البَدويةِ وَصَفَّاراتِ الإنذار / سأموتُ في أحلامِ الطفولةِ / فَقُلْ : ماتَ عَدُوُّ الملوكِ / ولم يَهْزِمْني إلا الشَّفقُ / النِّفطُ يُمَزِّقُ غِشاءَ البَكارةِ للصَّحراءِ اليَتيمةِ / فيا كُلَّ السُّفنِ الرَّاسيةِ في جُثماني / يا كُلَّ البَحَّارةِ الذينَ حَمَلوا مَناديلَ زَوْجاتِهِم تِذْكاراً قَبْلَ الغرقِ / اقْتُلوا ضَوْءَ عُيونِ الفَراشةِ ثُمَّ احْتَفِلُوا بِعِيدِ مِيلادِها / ما زِلْتُ أنتظرُ قِطارَ الموتى/ لكنَّ حَفَّاري القُبورِ مَشغولونَ بِمُغازَلةِ السَّائحاتِ / وأنهضُ مِن صُراخِ الليلِ / وأهتِفُ في أفلاكِ الفَراغِ / لَن يُصبحَ عِنَبُ الجزائرِ نبيذاً فَرَنسِيَّاً / لا تترُكُوا يا إِخوةَ الدَّمِ أميراتِ مُوناكو يَتناوَلْنَ دَمي معَ الكافيارِ/ أنا أرشيفُ الضَّحايا في مَحاكمِ التَّفتيشِ / ولا حَاكِمٌ ولا مَحكومٌ /
     تَكتبُ السَّبايا التقاريرَ السِّريةَ / وضَفائرُ الفَتَياتِ أرشيفٌ للانقلاباتِ العَسكريةِ / بنى الغروبُ بُورصةَ الحريمِ في رِعشةِ الأسْفَلْتِ/ والكِلابُ البُوليسيةُ تستثمرُ في مَحاكمِ التَّفتيشِ / وتأكلُ جُثثَ الكرادلةِ / يَلْمَعُ قَوْسُ قُزَحَ في غُرفةِ الإعدامِ بالكُرْسِيِّ الكَهْربائيِّ / التَّوابيتُ مِن نُحاسٍ / وحَبَّاتُ المطرِ تمشي على سُورِ المقبرةِ / وَجَسَدُ الرِّياحِ هُوَ شَوْقُ الجنودِ إلى زَوْجاتِهِم / فلا تُشْفِقْ عَلَيَّ أيها المطرُ / سَوْفَ أُقْتَلُ في لَيْلةٍ ماطرةٍ / وتظلُّ الجثثُ تَحْتَ المطرِ / والجرادُ يَأكلُ أغشيةَ البَكارةِ في الطرقاتِ الْمَنْسِيَّةِ / ويَلعبُ الأطفالُ بِنُهودِ أُمَّهاتِهِم المقطوعةِ /
     ابْنُ تاجرِ المخدِّراتِ يَتزوَّجُ ابنةَ تاجرِ الرَّقيقِ الأبيضِ في عُرْسِ تاجرِ الأسلحةِ / فَشُكْراً لَكَ    يا وَطَنَ الملوكِ العبيدِ / تتحوَّلُ النِّساءُ إلى صَفَقاتٍ خاسرةٍ بِكُلِّ رُومانسيةٍ / لم نعرِفْ لَحْنَ الوَدَاعِ / لَكِنَّنا نرقصُ في حَفْلةِ الإعدامِ / تصيرُ دِمائي أحْمَرَ شِفاهٍ للجَرادةِ / التي ذَبَحَهَا العِشْقُ بِخَنجرِ الذِّكرياتِ / سَتَرقصُ كِلابُ الصَّيْدِ على السَّجادِ الأحمرِ / سَيَفرحُ البَعُوضُ في المواكبِ الملَكِيَّةِ / أبحثُ عَن مُسْتَقْبَلِي السِّياسِيِّ بَيْنَ رُعاةِ الغنمِ ورُعاةِ البَقَرِ / ويَرقصُ المشنوقونَ حَوْلَ جَماجِمِهِم / ويَقْرَعُونَ طُبولَ الحربِ بَيْنَ الرُّؤوسِ المقطوعةِ وأحزانِ نِساءِ القَبيلةِ / والأرصفةُ مَدْهُونةٌ بأغشيةِ البَكارةِ / مُسَدَّسي مَطْلِيٌّ بأحلامِ الطفولةِ الضَّائعةِ/ أُطْلِقُ الرَّصاصَ على الذِّكرياتِ / وأنا الْمَنْسِيُّ / نسيتُ نعشي في صُندوقِ البَريدِ / نَسيتُ جُثةَ أبي في حَقيبتي المدرسيةِ / وَلَم يَزُرْني غَيْرُ الإعصارِ/ مَشَيْتِ إلى الموتِ أيتها الذِّئبةُ الشَّقْراءُ / وَبَقِيَ عِطْرُكِ القَاتلُ في الممرَّاتِ/
     أنا صَخَبُ الغاباتِ المضيئةِ بَيْنَ هُدوءِ الصَّيادِ وهُدوءِ الفَريسةِ / أنا الهدوءُ الدَّمَوِيُّ بَيْنَ رُومانسيةِ القَاتلِ ورُومانسيةِ الضَّحيةِ / والزَّوابعُ تَطْحَنُ عِظامَ الجنودِ كُحْلاً للصَّبايا / والرَّمادُ يُوَزِّعُ عُلَبَ المِكياجِ على جَواري القَصْرِ قَبْلَ الجِمَاعِ / ذَهَبَتْ أشلائي في التُّرابِ/ جُثتي الْمُتَحَلِّلَةُ خَرَجَتْ ولم تَعُدْ / لَكِنَّ حَفَّارَ قَبْري عَادَ / فَيا سَيِّدةَ الموانئِ الخريفيةِ / أنتِ العُذوبةُ والعَذابُ / كَيْفُ أهْرُبُ مِن السِّجْنِ وأنا السِّجْنُ ؟ / أخافُ أن أستيقظَ مِن النَّوْمِ / أخافُ أن أنظرَ في المِرْآةِ / جَدائلُ النِّساءِ هِيَ أرشيفٌ للسُّفنِ الغارقةِ / فَكُوني زَهْرةً مَسمومةً كَي تَرقصَ الخيولُ على جَسَدِ النَّهْرِ / أُهَنِّئُ الموتى في عِيدِ مَوْتِهِم / وأجْمَلُ الأمواتِ هُوَ الذي لم يَمُتْ / وأُهَنِّئُ البُحَيرةَ بِمُناسَبةِ طَلاقِها مِن البَحْرِ/ أُحِبُّ كُلَّ شَيْءٍ فِيَّ إلا أنا/ صارَ لَحْمي مَحطةً لِتَوليدِ الكَهْرباءِ لأعدائي/ وَرِثْنا أمجادَ الوَحْلِ/ وَرِثْنا شَرَفَ أشجارِ المقابرِ / سَيَظَلُّ صَوْتُ المشنوقِ العَالي أعْلَى / يا أُورُشَليم / يَا قَاتِلةَ الْحُلْمِ / ماذا أبقَيْتِ لِنَساءِ بَنِي إسرائيلَ / وقَد رَأيْنَ وُجوهَ آبائِهِنَّ مُلَطَّخَةً بِدِماءِ الأنبياءِ ؟ / شَعبي يَخترعُ أصناماً لِيَطُوفَ حَوْلَها / فيا أحزانَ الطفولةِ في المساءِ السَّحيقِ / أخافُ أن أفرَحَ / أخافُ أن أعيشَ/ سَيَأتي جُثمانُ أبي من أمواجِ الشَّفقِ / وما زَالتْ أُمِّي تنتظرُ أبي في مَرافئِ الاحتضارِ /
     كَسَرَ الليلُ الزُّمرديُّ أصابعَ الأطفالِ على طَباشيرِ الْحُزْنِ / والسَّتائرُ الرَّماديةُ في ليالي الخريفِ/  تُخَبِّئُ أحزانَ النِّساءِ في أكياسِ الطحين/ أسيرُ في أدغالِ الكَهْرمانِ بِلا بُوصلةٍ/ لكنِّي أعْرِفُ أضرحةَ النِّساءِ اللواتي قُتِلْنَ في قَلبي / سَوْفَ تَجلسُ الأمهاتُ عِندَ نوافذِ الشِّتاءِ / ويَنتظِرْنَ نُعوشَ أبنائِهِنَّ /
     هَل تنظرُ الجاريةُ في عُيونِ سَيِّدِها أثناءَ الجِمَاعِ ؟ / رِئتي مُلقاةٌ في مَزهرياتِ كُوخي / والصَّدأُ يَحتلُّ صُندوقَ البَريدِ/ الحوتُ الأزرقُ وَراءَ أشجارِ الذاكرةِ / وإسطبلُ الذبابِ في حَنجرتي الوَرَقيةِ/ امرأةٌ تتزيَّنُ لِحِيطانِ غُرفةِ نَوْمِها / وتُحَدِّقُ في جُثةِ زَوْجِها / هَدايا العِيدِ في مرايا الزَّهايمرِ / سَوْفَ تَذهبُ جُثتي الْمُحَنَّطةُ بِمِلْحِ الدُّموعِ إلى حفَّارِ قَبْري/ كما تَذهبُ الإمبراطورةُ إلى عَشيقِها/ البَراويزُ على حِيطانِ زِنزانتي تَخُونُني / وتَنتخبُ سَجَّاني / وأنا أتجسَّسُ على شَهيقي / لأُعَقِّمَ قِرْميدَ كُوخي بأملاحِ دَمْعي / عَريسٌ يَتجوَّلُ بَيْنَ قُبور أُسْرَتِهِ في لَيْلةِ الدُّخلةِ / وذُكورةُ حَبْلِ المِشْنقةِ ضَوْءٌ / يُرَتِّبُ في سَقْفِ حَلْقي شَواهِدَ القُبورِ / كأرقامِ جَدْولِ الضَّرْبِ /
     قالَ الرَّمْلُ لِزَوْجَتِهِ الصَّحْراءِ / لا أَقْدِرُ أن أَعِدَكِ بِحُضورِ لَيْلةِ الدُّخلةِ / يُدافِعُونَ عَن حُقوقِ الإنسان / لَكِنَّهم يَحترمونَ الكِلابَ البُوليسيةَ / يَغتصبونَ رُوحَ المرأةِ / ويُدافِعُونَ عَن جَسَدِها / وأنا الطريدُ / عِندما لا أَكُونَ مُكْتَئِباً أَكُونُ مُكْتَئِباً / ولا بُدَّ أن أُسْرَقَ كَي أتأكَّدَ أنني في وَطَني / ويَجِبُ أن أَضيعَ لأدْعَمَ الوَحْدةَ الوَطَنيةَ .