23‏/09‏/2019

الجندي المجهول في الوطن المجهول / قصيدة

الجندي المجهول في الوطن المجهول / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     تَمشي النُّعوشُ على أسلاكِ الْمُعْتَقَلاتِ كلاعبةِ السِّيركِ الْمُبْتَدِئَةِ / وقَميصُ النَّوْمِ على فِرَاشِ الموْتِ/ لا مَعْنَى للرُّومانسيةِ/ لأنَّ مَلَكَ الموْتِ جَاءَ/ وَأَدْنا بَناتِنا ثُمَّ احْتَفَلْنا بِعِيدِ الْحُبِّ مَعَ دَجاجاتِ الخريفِ / دُودٌ يَرْضَعُ مِن ثَدْيِ الزِّنزانةِ / وأسماكٌ تَتزلَّجُ في حَليبِ السُّجونِ / 
     مِن حُسْنِ حَظِّ الشَّاطئِ / أنَّ ماءَ عُيوني تَبَخَّرَ في صَيْفِ المجازرِ / كانَ الرَّملُ يَتَزَوَّجُ أجفانَ الكاهنةِ الغامضةِ / وَكُنتُ أتزوَّجُ أحزانَ البُحَيراتِ / وأجْلِسُ عَلى أثاتِ مَحطةِ القِطاراتِ الفارغةِ / كُلُّنا نَعيشُ في الكَوابيسِ/ ونَسألُ قَاتِلِينا : متى نَستيقظُ ؟/ كُلُّنا نَحْمِلُ جَثامينَ آبائِنا على أكتافِنا / ونَسألُ : متى سَيَأتي دَوْرُنا ؟ / حُقولُ الرَّصاصِ هِيَ جَسَدي الذي تَحْرُثُهُ النَّيازكُ /
     ذَهَبَتْ أُمِّي إلى الموْتِ/ وَبَقِيَتْ جَدائِلُها في مَمَرَّاتِ بَيْتِنا الْمُعْتِمَةِ / أوْرِدتي مُزَيَّنةٌ بأجنحةِ الجرادِ/ وَزِنزانتي مِنَ الذهبِ / وأصْنُعُ قُيودي مِنَ الفِضَّةِ / فَلا تَحْسُدْني أيُّها النَّهرُ الْمُتجمِّدُ / أزرعُ الْخَوْخَ في هَاوِيتي هاويةِ الصَّدى / وأسألُ تَوابيتَ الضَّحايا / متى سَتَأتي الرِّيحُ لِتَحْصُدَني ؟ / 
     الضَّوْءُ الشَّمْعِيُّ / والأرَقُ الفِضِّيُّ / جُثتي بُرتقالةٌ في ضَبابِ الغاباتِ / والعَواصفُ تُطْفِئُ أعقابَ السَّجائرِ في أعقابِ البَنادقِ / والقُيودُ البازِلْتِيَّةٌ مُعَلَّقةٌ عَلى حِيطانِ زِنزانتي / أنا طَليقٌ في المقابرِ الْمُزَيَّنةِ بأعلامِ القَبائلِ/ أركضُ في المقبرةِ كَرَصاصةِ مُسَدَّسٍ مَائِيٍّ / أقرأُ الأسماءَ على شَواهِدِ القُبورِ/ كانَ اسْمي على شَاهِدِ قَبْرٍ تَحْتَ شَجرةِ الصَّنوبرِ / وكُنتُ الغريبَ في أشِعَّةِ القَمَرِ / 
     لَمَعانُ البَرْقِ كَسَرَ إشارةَ المرورِ / فَكَيْفَ أَمُرُّ في احتضاراتِ الفُقراءِ الذينَ يَخْتَبِئونَ بَيْنَ أفخاذِ نِسَائِهِم ؟ / كَم مَرَّةً سَأَمُوتُ قَبْلَ الموْتِ ؟ / الليلُ نَهارُ الْمُشَرَّدِينَ / والتاريخُ صُراخُ الغَرْقى في الليلِ الجريحِ /
     دَخَلْتُ في مَداراتِ الاحتراقِ تاريخاً للسِّنديانِ / الجِنسُ وَرقةٌ مَحروقةٌ / والأمطارُ القديمةُ تَحْرِقُ رَسائلَ العُشَّاقِ / فلا تَجْرَحْ رُموشَ الصَّحراءِ يا مَطَرَ الكلِماتِ البَعيدَ / وَلا تَتَذَكَّر الموتى الخارِجِينَ مِن جِنازتي إلى مُبَارَيَاتِ كُرَةِ القَدَمِ / سَيَمشي الأمواتُ في جِنازةِ الأمواتِ / وهذا الْحُزْنُ يُغَطِّي عَوْرَةَ العُشْبِ / فَلا تَحْزَنْ عَلَيَّ قُرْبَ مِلْحِ دُموعي / الذي يَلتصقُ عَلى حِيطانِ غُرفتي / الزَّنازينُ تُنَظِّفُ مَعِدَةَ البَحْرِ مِن مُخَلَّفاتِ الجيْشِ المهزومِ / والزَّوابعُ هِيَ مُعَسْكَرَاتُ السَّبايا / حَفِظْتُ قَلبي عَن ظَهْرِ قَلْبٍ / حَمَّلْنا الْجُثَثَ الْمُضيئةَ في شَاحناتِ الْخُضارِ / وضُبَّاطُ الْمُخَابَرَاتِ يَسْتَمِعُونَ للأغاني الرُّومانسِيَّةِ / والبِلادُ تَغْرَقُ في رُومانسِيَّةِ الانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ /
     دُموعي تَحْفِرُ وِسادتي في ليالي الشِّتاءِ / والرَّمادُ يَنتظرُ مَوْتَ النَّارِ / كَي يَرِثَهَا ويَرْثِيَهَا / ذَهَبَ الجنديُّ إلى المعركةِ ولَن يَعودَ / فابْحَثي أيَّتُها الأرملةُ عَن زَوْجٍ أكثرَ رُومانسِيَّةً وأقْوَى جِنسِيَّاً / وَطَنٌ رُومانسِيٌّ في أغاني الأمواتِ مَصلوبٌ على أجسادِ الشَّحَّاذينَ / ومُعَلَّقٌ على رِعشةِ اغتصابِ النِّساءِ/ الخيولُ تَنامُ في قَفَصي الصَّدريِّ/والملوكُ المخلوعونَ يُمارِسُونَ الجِنسَ على قَشِّ الإسطبلاتِ/
     الشَّاطئُ اليتيمُ / والقَمرُ الوَحيدُ / والذاكرةُ الْمُغْتَصَبَةُ / والقَلْبُ المهجورُ / اكتئابُ الحقولِ تَزَوَّجَ الرَّصاصاتِ / التي تَرَكَها القائدُ في المعركةِ وهَرَبَ / وأحزاني وَشْمٌ عَلى جُلودِ البُحَيراتِ / فَخُذْ قَلبي / واتْرُكْ جَسَدي تَحْتَ المطرِ عارياً / خُضْتُ حَرْبَ اسْتِنْزَافٍ عَاطِفِيَّةً / فَخَسِرْتُ آخِرَ حُصوني قُرْبَ جُنوني / رَفَعْتُ الرَّايةَ البَيضاءَ عَلى الأوحالِ الشَّقراءِ / رَجَعَت الذِّكرياتُ كَمَلِكَةِ السَّبايا / وكلُّ أعضائي أسْرَى / أُعْلِنُ انتصارَ شُموسِ الدَّمْعِ عَلى شَراييني المعدنِيَّةِ / وأميراتُ أُورُوبَّا قَدَّمْنَ استقالَتَهُنَّ مِنَ الأُنوثةِ لِمَاما الفاتيكان/ يَصْعَدُ المِكياجُ على جُثثِ الإِمَاءِ/ والتَّوابيتُ في صُحونِ المطْبَخِ / والشَّاطئُ يَتعلَّمُ جَلْيَ الصُّحونِ مِن مَطَرِ الجروحِ العَتيقةِ / كُلُّ ما حَوْلي يُراقِبُني / أمعائي دَولةٌ بُوليسِيَّةٌ/ وأُمُّ البَحْرِ ضَابِطةُ مُخَابَراتٍ / وأُبُوهُ سَجَّانٌ عاطفيٌّ / والبَحْرُ يَغْرَقُ / وِسادتي تَتَجَسَّسُ عَلَيَّ / أحْمِلُ عَلى ظَهْري غاباتِ الْحُزْنِ الملوَّثِ بالصَّدماتِ العاطِفِيَّةِ / والأدغالُ التي مَشَى فِيها العُشَّاقُ / صَارَتْ حَطَبَاً لِمَوْقَدَةِ الخريفِ / وماتَ العُشَّاقُ / كُلُّ الطيورِ العائدةِ إلى البَحْرِ تَصْلُبُني على حَنجرةِ الغروبِ / وشَراييني البلاستيكِيَّةُ حَاجِزٌ عَسكريٌّ في مَملكةِ صَفَّاراتِ الإنذارِ /
     دِيمقراطيةٌ عَلى مَقاسِ أفخاذِ الجواري / فلا تَكْسِر امرأةً مَكسورةً / ولا تَجْرَحْ قَلْبَ امرأةٍ مَجروحةٍ / ولا تَذْبَح امرأةً مَذبوحةً / ادْفِن امرأةَ الصَّدى في عِظامِ البُكاءِ / الحضارةُ مَوؤدةٌ مُنذُ وِلادَتِها / وانْتَظَرَتْ جُثماني كَي يُحْيِيَها/ أَخَذْتُ إِجازةً مِنَ الأحزانِ الفِضِّيةِ / وقَضَيْتُ وَقْتَ الفَراغِ في تَشْرِيحِ جُثةِ المطَرِ / هَذا العَارُ يَصْنُعُ مِن ضَفائرِ الرَّاهباتِ صَليباً / تَرْسُمُهُ الذبابةُ على صَدْرِها قَبْلِ انتحارِها / وبَعْدَ وِلادةِ الضَّفادعِ في دُموعِ البُحَيرةِ / تُعَلِّمُني الزَّوابعُ الفَرْقَ بَيْنَ قَارورةِ الحِبْرِ وقَارورةِ السُّمِّ / لا أقْوَاسُ نَصْرٍ حَوْلَ رُموشي / ولا أطلالُ القَشِّ في إسطبلاتِ هَلْوستي / كُرَياتُ دَمي تَتَجَسَّسُ عَلى نَبَضَاتِ قَلبي الشَّريدِ / لَم أُسَاعِدْ عَشيقةَ الملِكِ المخلوعِ في غَسْلِ الصُّحونِ / كانَ الرَّحيلُ بَيَاتاً شَتَوِيَّاً للعناكبِ في سَقْفِ حَلْقي / حَوَافُّ رِئتي أكثرُ خُشونةً مِن جِلْدِ الرِّيحِ / وَمِرآتي أكثرُ وَحْشِيَّةً مِن حَبْلِ مِشنقتي / أُعْطِي للقِطَطِ الشَّريدةِ حَقَّ تَقريرِ مَصيرِها في ثلاجةِ الموتى/ فيا سَجَّاني الشَّقيق / تَزَوَّج المرأةَ التي رَأَتْ دُمُوعَكَ / ولا تَتَزَوَّج الْحُزْنَ في عَيْنَيْها / الانقلابُ العَسكريُّ عَلاقةٌ غَرامِيَّةٌ مَعَ أظافرِ البُحَيراتِ / وأجفاني مَملكةُ الصَّدى السَّائلِ / فاشْرَبْني أيُّها الاحتضارُ / ولا تَحْزَنْ عَلَيَّ / وَطَني مَصلوبٌ عَلى جَسَدي / وأنا مَصلوبٌ عَلى صَهيلِ الغَيْمِ / أجفاني هِيَ الوَريثةُ الشَّرعيةُ لِدُستورِ السَّنابلِ الذبيحةِ / والحطَبُ هُوَ الوَريثُ غَيْرُ الشَّرعيِّ لِشَرعيةِ أحزاني/ مَطَرٌ نَاعِمٌ عَلى جُلودِ المشنوقينَ الخشِنَةِ / الرَّاهباتُ وَضُبَّاطُ المخابَراتِ زُملاءُ في الاكتئابِ/
     المايسترو مَشلولٌ / سَقَطَت العَصَا / والرَّعْدُ يَشُقُّ عَصَا الطاعةِ / قَلْبُ العَواصفِ مَكسورٌ عاطفِيَّاً / والأمطارُ عاجزةٌ عَن تَرْمِيمِهِ / كانَ مِنَ المفروضِ أن نُعَلِّقَ عَلى حَبْلِ الغسيلِ جَمَاجِمَنا / كَي تَتَشَمَّسَ دِماؤُنا المهجورةُ في شِتاءِ المجازرِ/ أنا دَائرةُ مُخَابَراتٍ مُتَنَقِّلَةٌ / ومَلِكٌ مَخلوعٌ / وَحِزْبٌ مَحظورٌ / وَمَطْعَمٌ شَعبيٌّ للأراملِ /
     عَرْشُ الحاكِمِ بأمْرِ الشَّيطانِ كُرْسِيٌّ كَهربائِيٌّ سَيُعْدَمُ عَلَيْهِ / الشَّهوةُ الجِنسِيَّةُ للمَطَرِ وَرقةٌ مَحروقةٌ / إذا لَعِبْتُها أَكُونَ قَد قَامَرْتُ بِحَياتي / أسْتَغْرِبُ أنْ يُحِبَّني أحَدٌ / فأنا لا أُحِبُّ نَفْسي / وَلَوْ كُنتُ غَيْري لَمَا نَظَرْتُ إِلَيَّ / هذا أنا / وَصِيَّةُ القَتيلِ وطَيْفُ القاتلِ / أطلقتُ النارَ على المرايا / وسَكَبْتُ دُموعي في المزهرِيَّاتِ / 
     يَجْلِسُ خَفْرُ السَّواحلِ على جُمجمةِ البَحْرِ / والْمُخْبِرُونَ يَصْنَعُونَ مِن خَشَبِ نَعْشي طَاوِلاتٍ للمَطَاعِمِ / أنتِ المنبوذةُ تَحْتَ المطرِ الغريبِ / جَدائِلُكِ مِشْنقةٌ في سَقْفِ لَيْلةِ الدُّخلةِ في مَداراتِ الدَّمْعِ الأزرقِ / ولَحْمُكِ مَنثورٌ في حُقولِ الزَّرنيخِ / والفَيَضَانُ يَقْلي حَليبَكِ في السَّائلِ الْمَنَوِيِّ / أعصابي سَريرٌ لِرِمَالِ البَحْرِ في مَوْسِمِ بَيَاتِها الشَّتويِّ / خُدودي استراحةٌ صَحراوِيَّةٌ للطيورِ المنبوذةِ / في مَوْسِمِ هِجْرَتِها إلى هَلْوَستي / أبكي عَلى صَدْرِ سَجَّاني / والسَّيَّافُ يَمْسَحُ دُموعَ الرِّيحِ بِمِنْدِيلِ الأمواجِ / صَفيرُ القِطاراتِ دَخَلَ في الغروبِ وَلَن يَخْرُجَ /   
     سَكِرْتُ بأملاحِ دَمْعي / والبَراري مَقبرةُ المعنَى / كَيْفَ أتَجَوَّلُ بِسَيَّارتي بَيْنَ جُثَثِ الفُقراءِ والأراملِ ؟ / كَيْفَ أتَزَوَّجُ البُحَيرةَ والعوانسُ حَوْلَ جُثماني يَنْتَظِرْنَ الخاطِبِينَ / في مرايا الغُرفِ الْمُجَلَّلَةِ بالسَّتائرِ الرَّمادِيَّةِ ؟ / كَيْفَ أضَعُ التَّاجَ عَلى رَأسي وَنَحيبُ النِّساءِ يَأكلُ خَلايا دِماغي ؟ /
كَيْفَ أمشي على السَّجَّادِ الأحمرِ أمامَ جَيْشِ السَّبايا / والأيتامُ يَنامُونَ على شَظايا جَماجِمِهِم ؟ / كَيْفَ أضْحَكُ أمامَ الكَاميراتِ والرَّاهباتُ يَتَزَوَّجْنَ السَّائلَ الْمَنَوِيَّ في أقفاصِ الكنيسةِ ؟ / كَيْفَ أُدَافِعُ عَن حُقوقِ المرأةِ وأبي قَد وَأَدَني في رِمَالِ يَثْرِبَ ؟/ كَيْفَ أتَزَيَّنُ في لَيْلةِ الدُّخلةِ وَرَأسي مَقطوعٌ يَدُورُ كالمِرْوَحةِ في سَقْفِ غُرفةِ النَّوْمِ ؟ / كَيْفَ أنتظِرُ ابْنَ عَمِّي لِيُنْزِلَني عَن ظَهْرِ الفَرَسِ وأُسْرتي مَصلوبةٌ على أعمدةِ الكَهرباءِ ؟ .