18‏/09‏/2019

لا شيء سوى الدم / قصيدة

لا شيء سوى الدم / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     دَمي لَيْسَ أزرق / دَمي الأخضرُ يَتساقطُ في كُوبِ الشَّايِ الأخضرِ كَشَظايا المزهرِيَّاتِ / وَالعُشَّاقُ لَم يَأْتُوا إلى المطْعَمِ لأنهم مَاتوا / جُثَثُ العُشَّاقِ سَقَطَتْ في عَصيرِ البُرتقالِ / وَالأطفالُ لَم يَبْنُوا قُصورَهُم الرَّمْلِيَّةَ / لأنَّ البَحْرَ أكَلَ خُدُودَهم / سَقَطَت الرُّومانسيةُ في آبارِ النِّفْطِ / وَالنَّوارسُ تُعَلِّقُ أغشيةَ البَكارةِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / انتصرَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ عَلى دَمِ الحيْضِ / وَكُلُّ الدِّماءِ خَاسرةٌ / لا شَيْءَ سِوى الدَّمِ في مَمالكِ الوَباءِ /
     زُعماءُ القَبائلِ أجَّروا طُبولَ الحربِ لِلْفِرْقَةِ الموسيقِيَّةِ/وَكُلَّما نَظَرْتُ إلى المِرآةِ عَرَفْتُ أني مَقتول/ تَصطادُ اللبؤاتُ ضَوْءَ القَمرِ / وَسُفُنُ الغُزاةِ تَرسو في دِماءِ الحيضِ / رَمْلُ البَحْرِ كَلْبُ حِراسةٍ أمامَ مَتْحَفِ الضَّحايا / وَأنا القائدُ المنتصِرُ في مَعركةِ الوَهْمِ / حَوْلِي الفِرْقَةُ الموسيقِيَّةُ وَطُبولُ الحربِ وَالأحصنةُ الخشبِيَّةُ والمسدَّساتُ المائِيَّةُ / هَذا التُّرابُ تَحْتَ شَجَرةِ الصَّنوبرِ كانَ أبي / سَيَنمو الكَرَزُ في مَخازنِ الأسلحةِ/ حُزني مُشَقَّقٌ مِن أثَرِ السِّياطِ / فَخُذْ مَجْدَ الأندلسِ / وَأَعْطِني ذَاكرةَ الهروبِ مِن مَحاكمِ التَّفتيشِ/ خُذْ عُنفوانَ الفَراشاتِ/ وَأَعْطِني انكسارَ الذبابِ/ الجثثُ مُنتشرِةٌ في الشَّارعِ / فافْرَحي أيَّتُها الكِلابُ الجائعةُ /
     بَيْنَ ألواحِ صَدري وَطَريقِ النَّهْرِ/ تَنتشرُ جَثامينُ العُشَّاقِ والحواجزُ العَسكرِيَّةُ/ حَوَاسِّي الْخَمْسُ طَابُورٌ خَامِسٌ / وَجِنازةُ الرِّمالِ هِيَ العَهْدُ القَديمُ / وَالعَهْدُ الجديدُ يَنْصِبُ في صُكُوكِ الغُفرانِ خَيْمَةَ الأسرى / وأنا المقتولُ في ضَوْءِ القَمَرِ / لَيْسَ لِي عَهْدٌ قَديمٌ وَلا جَديدٌ / مَوْتُ الأزهارِ يَتكرَّرُ في مَوْتِ الشُّعوبِ الخرساءِ فِئرانِ التَّجارُبِ/ والوُجوهُ الْمُشَقَّقَةُ تَتساقطُ على أقنعةِ الملوكِ اللصوصِ / الذي يَحْكُمُونَ الجماجمَ الْمُتشائِمةَ بالتَّفاؤُلِ /  
     اقْتِصَادٌ مُزْدَهِرٌ مَبْنِيٌّ عَلى أثداءِ الرَّاقصاتِ في الملاهي النَّهارِيَّةِ / وَكُلُّنا رَاقصاتٌ / اختلفَ أُسلوبُ الرَّقْصِ / لكنَّ حَياتَنا مَلْهَىً لَيْلِيٌّ أوْ نَهارِيٌّ / تَعَادَلَ الغبارُ معَ الزَّبَدِ / لأنَّ البَحْرَ باعَ شَرَفَهُ للسُّفُنِ الحربِيَّةِ / مَوَادُّ الدُّستورِ مُتَغَيِّرةٌ حَسَبَ مِزَاجِ عَشيقاتِ الخليفةِ / يُحَوَّلُ مَجْرَى النَّهْرِ حَسَبَ بُوصلةِ دَمِ الحيْضِ لِلْمَلِكَةِ العاقرِ / شَرَفُ الْمُحَارِبِينَ القُدامى مَبْنِيٌّ عَلى تِجَارَةِ الْمُخَدِّرَاتِ / والضَّفادعُ تُوَزِّعُ الأوسمةَ العَسْكَرِيَّةَ على تُجَّارِ الأسلحةِ / وكُلَّما سَرَقْنا المواطِنَ الذي لا يَعْرِفُ أنَّهُ مُواطِنٌ / ارتفعَ مَنسوبُ الوَحْدةِ الوَطَنِيَّةِ كَحَليبِ الرَّاقصاتِ / والنَّشيدُ الوَطَنِيُّ يُلَحِّنُهُ الموْجُ في دُستورِ التَّمييزِ العُنصُرِيِّ / والسُّعالُ الفِضِّيُّ يَقْلي الأغاني الوَطَنِيَّةَ كالبَطاطا لِنِسيانِ سَرِقَةِ الوَطَنِ /
     في المساءِ السَّحيقِ / يَنبعثُ سُعالُ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ مِن آبارِ الحضارةِ / العِشْقُ اختراقٌ أمنيٌّ / فَاكْرَهِيني يا أعمدةَ الكَهْرباءِ في طَريقِ البَحْرِ / وَسَامِحِيني يا حُقولَ الزَّرنيخِ / عُلَبُ المِكياجِ الفَارغةُ مُلْقَاةٌ مَعَ عِظَامِ الموتى / مَا فَائدةُ العِشْقِ في المدافنِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ ؟/ الرِّيحُ تَنْثُرُ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ عَلى فِرَاشِ الموْتِ/ وَالعَاشِقُ لا يَقْدِرُ أن يَنْظُرَ في عُيونِ عَشيقَتِهِ / كُلُّ أسرارِ النِّساءِ دُفِنَتْ في المقابرِ/ وَمَاتَ الطَّيْفُ الشَّريدُ / وانكسرَ الظِّلُّ المهاجرُ /
     أَحْزَنُ على تِلْكَ الدُّميةِ في مَسْرَحِ العَرائسِ/ قَضَتْ حَيَاتَهَا مِمْسَحةً لِحِذَاءِ زَوْجِها/ أنا الأعزلُ/ لَكِنَّ قَفَصِي الصَّدْرِيَّ مَخْزَنُ أسْلِحة / نَمشي في مَساءِ الكُوليرا إلى صَوْمَعَةٍ خَريفِيَّةٍ غَامضةٍ / كَي نُمارِسَ الاحتضارَ الوَهَّاجَ / نَشَرُوا في تَضاريسِ مَعِدَتي المقاصِلَ كَحِبَالِ الغسيلِ / غَرِقَ العَاشِقُونَ في الْمُستنقعِ الْمُضِيءِ / وأنا أغْرَقُ في بُحَيرةِ الخريفِ / وأُنادي على أُمِّي / وَلَم يَجِئْ أحَدٌ إِلا الموْت /
     أيُّها الوَطَنُ المجهولُ / الذي يُولَدُ في الْجُثَثِ المجهولةِ / تاريخُ حَضارةِ العَمَى مَزروعٌ في أجفانِ البَعُوضِ / الزَّبَدُ هُوَ الوَجْهُ الحقيقيُّ للبَحْرِ / والبَحْرُ هُوَ القُربان / أضاءَ شُموعَ الرِّيحِ الرَّأْسُ المفصولُ عَن الجسَدِ/ والدَّمُ لا يَنامُ / لا أحَدَ سَيُحْضِرُ لَكَ جَماجِمَ التُّفاحاتِ في الزِّنزانةِ الانفرادِيَّةِ/ سَيَنْفَرِدُ الدُّودُ بِوَجْهِكَ الذابلِ / والأسطورةُ لا تَموتُ /
     الثلجُ على مَوْقَدةِ كُوخي أرشيفٌ للسُّيوفِ المكسورةِ/وأناشيدُ المجزرةِ قَوْسٌ يَبْحَثُ عَن السِّهامِ/ أوْ عَرْشٌ يَبْحَثُ عَن الملِكِ المخلوعِ / لا رِمَاحٌ حَوْلَ جُثماني ولا سِهَامٌ / يَنكسرُ المعنى في بَساتينِ الجثثِ / والأرقُ في خُدودِ السَّبايا ذَاكرةٌ لِقُمصانِ النَّوْمِ / ذَهَبَ الأطفالُ إلى الموتِ / وبَقِيَت الأراجيحُ في ضَوْءِ القَمَرِ وَحيدةً / والكَاهِنَةُ نَسِيَتْ حُبُوبَ مَنْعِ الْحَمْلِ في غُرفةِ الاعترافِ /
     الْمُسَدَّسَاتُ مَطْلِيَّةٌ بِعِظَامِ الغَرقى ورُفَاتِ الزَّوابعِ / والحطَبُ مَطْلِيٌّ بِذِكرياتِ الأسيراتِ / أيْنَ قَلَقُ الحجارةِ في قَريتي المهجورةِ ؟ / أخشابُ المقاعدِ في مَحطةِ القِطاراتِ مَدهونةٌ بأحلامِ الغُرباءِ / فلا تَقْلَقْ على غُرْبَتِنا يا حَبْلَ الغسيلِ الْمُمْتَدَّ مِن حِصارِ سَراييفو إلى حِصارِ بَيْرُوت/ سَيَرْجِعُ الغرباءُ في قِطاراتِ الرِّيحِ الصَّفراءِ ذَاتَ مَساء / جُسُورٌ مِنَ الرِّياحِ الْمُزَيَّنةِ بالأشلاءِ / تَجْلِسُ عَلَيها النِّساءُ الخارجاتُ مِن مَواعيدِ الوَأْدِ / الدَّاخلاتُ في قَوانينِ القَبيلةِ وقَوانينِ الطوارئِ /
     أنتَ دِماءُ الشَّفَقِ السَّاريةُ كَالْخُيُولِ / في فُوَّهةِ مُسَدَّسِ البُحَيرةِ / أحْرُسُ احتضارَ التُّرابِ بِتُرابِ الاحتضارِ / كُلَّما تَزَوَّجْتُ الصَّخَبَ طَلَّقْتُ الضَّجَرَ / فَكَيْفَ تَرْسُمُ الأراملُ اللوحاتِ الزَّيتيةَ في مَتْحَفِ المجازرِ ؟ / خُذْ مِفتاحَ بَابِ الْجُرْحِ / وَلا تَتذكَّر أضرحةَ الصَّبايا الواقفاتِ في طَابورِ الْخُبْزِ / كُلُّنا قَتلى في هَذهِ المدينةِ / نَخْرُجُ مِن خَمَّارةِ حُكومةِ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / ولا أحدَ يَنتظِرُنا /
     يَا أنا / أنتَ اللفظُ المشنوقُ في مَعنى السَّرابِ / فَكُنْ عَصيراً مِنَ الذِّكرياتِ / كَي يَشْرَبَكَ العُشَّاقُ بَعْدَ الطوفانِ وقَبْلَ الطاعون/ القَبائلُ تَنقرِضُ كأعشابِ المقابرِ/ والغريبُ يَبْحَثُ عَن قَبيلةٍ في قُلوبِ النِّساءِ / تَدْخُلُ حَضارةُ الْحُزْنِ في جَدائلِ اليَتيماتِ / وَتَخْرُجُ مِنَ إِضْرابِ عُمَّالِ المناجمِ / والأغاني الحزينةُ تَحْمِلُ في نَزيفي قِطاراتِ الصَّدى/ ولا صَدى سِوى الصَّدأ / يَصيرُ الصَّوْتُ قِناعاً للفَراشةِ الخرساءِ / أنتَ شَخْصٌ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيكَ / فَلْيَكُن احتضارُكَ عُكَّازاً للنَّهْرِ العَجُوزِ /
     أيُّها النَّوْرَسُ الذي يُعَقِّمُ جُثتي بِمِلْحِ دُمُوعِهِ / رَاعي الغَنَمِ يَغتصِبُ النِّعاجَ / والأرقُ يَسيلُ في تِلالِ الذاكرةِ / شُعُوبٌ مَنذورةٌ للإسطبلاتِ الملَكِيَّةِ / دَوْلَةُ الصَّدماتِ العاطِفِيَّةِ إِسْطبلٌ / والإسطبلُ دَولةٌ في أقاصي النَّزيفِ / يُجامعُ الإمبراطورُ عَشيقاتِهِ في إسطبلِ الوَحدةِ الوَطَنيةِ / فيا أيُّها القائدُ الفاتحُ / خُذْ خَواتِمَ الجرادِ / واسْتَثْمِرْها في تِجارةِ الأسلحةِ / ستندلعُ الحروبُ بَيْنَ القَبائلِ / فَكُنْ مُسْتَعِدَّاً لِكِتابةِ قَصائدِ الرِّثاءِ / كَي تُعْجَبَ بِكَ نِسَاءُ القَبيلةِ / وَكُنْ مُسْتَعِدَّاً لِمُغازَلةِ السَّبايا / كَي تُعْجَبَ بِكَ آبارُ النِّفْطِ /
     كُلُّ الشُّطآنِ تَنتظرُ مَوْتَ البَحْرِ كَي تَرِثَهُ وتَرْثِيهِ / فَخُذ الصَّابونَ الذي صَنَعَهُ الموْجُ مِن عِظامِ الغَرقى / كَي تُنَظِّفَ بَلاطَ السُّجونِ / وَتَزيدَ الدَّخْلَ القَوْمِيَّ للشَّعْبِ الذي يَغْرَقُ/ الرُّبَّانُ يَجْمَعُ جَدائلَ عَشيقاتِهِ كَطَوابعِ البَريدِ التِّذكارِيَّةِ/ والسَّفينةُ تَغْرَقُ / والفَراشةُ تَسْبَحُ معَ سَمَكةِ القِرْشِ / والجنونُ يَنامُ على أجنحةِ الحمَامِ / فَكَيْفَ يَطيرُ القَلْبُ المكسورُ نَحْوَ الطعنةِ القاتلةِ ؟ /
     كِلابُ الحراسةِ / وأبراجُ الْمُرَاقَبَةِ / يَبدأُ عُرْسُ الوَحْدةِ الوَطَنيةِ / حَيْثُ يَتزوَّجُ ابْنُ تاجرِ الأسلحةِ ابنةَ تاجرِ المخدِّراتِ / المعنى يَتآكلُ كَدُودةِ القَزِّ / والزَّوابعُ تَضمحِلُّ في أجفانِ الصَّبايا مِثْلَ الكُحْلِ المغشوشِ / سَيْفٌ مَنقوعٌ في قَارورةِ العِطْرِ / بُكاءُ العُشَّاقِ في مُسْتَوْدَعَاتِ المِيناءِ / زَوْجَةُ البَحَّارِ الغريقِ تَتعلَّمُ سِباحةَ الفَراشةِ على جَناحِ بَعُوضةٍ / وَظِلالُ خَاتَمِ الرِّيحِ على حِيطانِ زِنزانتي / وأطيافُ اليتامى على جُدْرانِ شَراييني / أيُّها الْمُخْبِرُونَ الأوفياءُ / رَاحِلٌ أنا مِن أشلائي / سَاكِنٌ أنا في رِمالِ البَحْرِ / أُبايِعُ جَارَتَنا الأرملةَ مُديرةً للمُخابَراتِ لِتَعزيزِ حُقوقِ المرأةِ / بَاعُوا الوَطَنَ في السُّوقِ السَّوداءِ / وَأنْشَدُوا أغاني الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ في سُوقِ الرَّقيقِ الأبيضِ /
     أيَّتُها الرَّاهبةُ الْمَنْسِيَّةُ بَيْنَ الصَّليبِ وَدَمِ الحيْضِ / سَتَكُونُ جُثتي في بَطْنِ نَسْرٍ أعمى / يَطيرُ فَوْقَ تِلالِ بِلادي / جُثَثُ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ مَفروشةٌ عَلى رَمْلِ البَحْرِ / كَالدُّمى في مَسْرَحِ العَرَائِسِ / لَم أدْرُس الرِّياضياتِ معَ الرَّاهباتِ / وَلَم أدْرُس الفِيزياءَ معَ عَشيقةِ آينشتاين / تَرَكْتُ دَفَاتِرَ الأعاصيرِ على مَكتبِ الفَيَضَانِ / واعتنقتُ كِيمياءَ الهزيمةِ / وَوَضَعَ الرَّمْلُ استقالَتَهُ على مَكتبِ الصَّحراءِ / كَأنني فَصَّلْتُ قُضْبَانَ سِجْني عَلى مَقاسِ أزرارِ قَميصي/ كَمَا يُفَصِّلُ خَيَّاطُ الملِكَةِ فَساتينَ السَّهرةِ على مَقاسِ اليتيماتِ / الواقفاتِ كَرَاياتِ القَبائلِ قُرْبَ إشاراتِ المرورِ/ وَجَدْتُ قَلبي عَلى قَارعةِ الطريقِ / مَرْمِيَّاً تَحْتَ بَساطيرِ الجنودِ / وَكَانت عَرَبَاتُ العُشْبِ تَنْقُلُ المحكومينَ بالإعدامِ إلى أشجارِ الصَّنوبرِ في المدافِنِ /
     في صَباحِ المساءِ / غَسَلْتُ قَلبي بالزَّرنيخِ / لَكِنَّ زَمَنَ مَوْتِ الْحُبِّ تَفَجَّرَ في هَيْكلي العَظْمِيِّ / هَل سَيَجِدُ الْمُخْبِرُونَ الرُّومانسِيُّونَ الوَقْتَ كَي يَمشوا في جِنازتي ؟ / لَم أَعُدْ أرى أمامي سِواكِ /  يا قَاتلتي الْمُتَوَحِّشَةَ / التي تَكتبُ عَلى قَشِّ الإسطبلاتِ دُستورَ الأسلاكِ الشَّائكةِ / وتاريخَ أحلامِ المنبوذين / وجُغرافيا القُرى المنسِيَّةِ /
     لا أَقْدِرُ أن أفتحَ البَابَ المفتوحَ / فَيَا قَاتِلي الذي لا يَخُونُني / ابْنِ أقواسَ النَّصْرِ بَيْنَ نَوْباتِ اكْتِئابي وَقَارُورةِ الحِبْرِ / شَظَايا التفاحِ الْمُلَوَّثِ باليُورانيومِ الْمُخَصَّبِ في غَابةٍ عَاقِرٍ / تتكاثرُ الملاهي الليلِيَّةُ لِتَعزيزِ الوَحْدةِ الوَطَنِيَّةِ / أَرْهَنُ عَمُودي الفِقْرِيَّ عِندَ الفَيَضَانِ / وَأتَبَرَّعُ بِأظافري لِجَمْعِيَّةِ الْمُحَارِبِينَ القُدامى/ الذينَ قَادُوا المعاركَ في غُرَفِ النَّوْمِ / أتَوَكَّأُ عَلى عُكَّازةِ أبي / والأنهارُ العَرْجاءُ تَتَوَكَّأُ على عُكَّازتي/ سَأَلُفُّ عَلى جَسَدي كُلَّ غاباتِ النُّحاسِ / فَإِذَا قُتِلْتُ لَن تَظْهَرَ عَوْرَتي / لَم أَنَمْ مُنْذُ قُرُون / لأنَّ دِماءَ الرَّاهباتِ تَقْرَعُ أجراسَ النَّزيفِ / تَمشي الشَّركسياتُ في جِنازةِ السُّنونو / واليَتيماتُ يُطْعِمْنَ طُيُورَ البَحْرِ أشلاءَ القِرْميدِ / والصَّبايا على رَصيفِ المِيناءِ/ يَنْتَظِرْنَ الجنودَ الذينَ لَن يَخْرُجوا مِنَ الغَوَّاصاتِ /
     كُلَّما عَشِقْتُ الصَّدى تَذَكَّرْتُ الصَّدَأَ / وَكُلَّما ضَحِكْتُ تَذَكَّرْتُ وَجْهي عَلى فِرَاشِ الموْتِ / يَا صَدِيقي الرُّبَّان / ارْمِ جُثتي مِنَ السَّفينةِ / وَارْحَلْ إِلى شَاطِئِ الغروبِ/ سَتَجِدُني مَصلوباً على مَنارةِ الذِّكرياتِ / لا أرْمَلةٌ لِي تَبكي عَلَيَّ / ولا بَحْرٌ لِي يُحَنِّطُ عِظامي / وَشُعراءُ القَبيلةِ لَيْسَ لَدَيْهِم وَقْتٌ كَي يَرْثُوني / سَأقومُ بِتَصْفِيَتي جَسَدِيَّاً / كَي تَلتقِطَ السَّائحاتُ الصُّوَرَ التِّذكارِيَّةَ مَعَ جُثماني / وأزيدَ الدَّخْلَ القَوْمِيَّ لِقُطَّاعِ الطُّرُقِ /  
     مُهَرِّجو البَلاطِ / وَإِمَاءُ الخليفةِ / وبَلاطُ السُّجونِ / وَصَالَةُ الرَّقْصِ في بَرْلَمانِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَدِّعْ رُموشي يا أنا / وَكَن مَوْتاً لِتَحيا بَيْنَ السنابلِ / تَرَكْنا زَيتونةَ الرَّحيلِ في سَاعةِ السَّحَرِ / أنا بائعٌ مُتَجَوِّلٌ في شَرايينِ الغيومِ / والدِّماءُ تَسيلُ في طُرُقاتِ رِئتي وأزِقَّةِ المرفأ / كُلُّنا مُسافِرُونَ على أجنحةِ السَّرابِ / وَحْدَهُ الحمَامُ الزَّاجلُ سَيَعْرِفُ خَريطةَ قُبورِنا وخَرائطَ قُلوبِنا / وستظلُّ جَدائلُ أُمَّهاتِنا نَخَيلَ الوَدَاعِ في مُدُنِ الأوجاعِ .