13‏/09‏/2019

المخابرات والذكريات والحشرات / قصيدة

المخابرات والذكريات والحشرات / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     بَدويةٌ تكتشفُ شَهْوَتَها الجِنسيةَ في رِمَالِ الشَّفقِ / نزلَ المطرُ على أعشابِ المقبرةِ / وعِظَامُ الأمواتِ أرشيفُ الصَّدماتِ العاطفيةِ / دُفِنَت الأسرارُ معَ أصحابِها / وحَفَّارُ القُبورِ يَنشرُ الغسيلَ على سُورِ المقبرةِ/ هَل تستطيعُ الْمُومِسُ أن تتذكرَ وُجوهَ كُلِّ الزَّبائن ؟/ أشجارُ المدافِنِ هِيَ كابوسي اللذيذُ/ أهْرُبُ مِنْهُ ولا أَفيقُ مِنْهُ/ قَضَيْتُ حَياتي هَارباً مِن حَياتي / هارباً مِن حُبِّ حَياتي / فَمَن أنا ؟/ وأيْنَ أنا ؟ /
     أيها الْحُلْمُ المهاجرُ في كَهْرمانِ المجازرِ / جَهِّز الرايةَ البَيْضاءَ / وكُن نجَّاراً لِتَصنعَ نُعوشَ اليَمامِ / لا فَرْقَ بَيْنَ مَعْركةِ العِشْقِ وعِشْقِ المعركةِ / لا فَرْقَ بَيْنَ الْحُبِّ والحربِ / كُلُّنا خاسرون / والموْتُ هُوَ الرَّابحُ / بُكاءُ طِفْلةٍ يأتي مِن مِدْخنةِ الكُوخِ الباردِ خَلْفَ ثُلوجِ العِشْقِ/ جُثةُ الأُمِّ قُرْبَ الموْقَدةِ الْمُطفأةِ / والطِّفلةُ تبكي كالحضَاراتِ الْمُنقرِضةِ / تزرعُ الأمطارُ الصَّفراءُ في خُدودِ الفَتَياتِ نَخيلَ الاحتضارِ / وجَسَدُ اللوزِ مُمَدَّدٌ على خَشَبةِ المذْبَحِ / أقضي مُراهَقَتي المتأخِّرةَ في ثلاجةِ الموتى / وأُعَلِّقُ بَراويزَ الذِّكرى في غُرفةِ الذبابِ القَتيلِ / أُخَبِّئُ البَنادقَ الآلِيَّةَ في سَقْفِ حَلْقي / وأنا الضَّريحُ الباكي / رُموشي هِيَ أدغالُ الصَّدماتِ العاطفيةِ / وَكُرَياتُ دَمِي الشَّقراءُ حُبُوبٌ مُنَوِّمةٌ قُرْبَ سَريرِ الشَّجرِ المذبوحِ /
     لماذا يَبُوحُ الزَّبَدُ بأسرارِ البَحْرِ ؟/ امرأةٌ وَحيدةٌ على أُرجوحةٍ وَحيدةٍ في حَديقةٍ وَحيدةٍ/ هَذِهِ بَقايا الْحُلْمِ الضائعِ/ أجفانُ الفَتياتِ مَكْسورةٌ كأعوادِ المشانقِ / والأسرارُ العاطفيةُ مَدفونةٌ تَحْتَ أشجارِ المقابرِ / يُولَدُ الشِّتاءُ في أقاصي القَلْبِ الحزينِ / وتنتهي حِكاياتُ العِشْقِ في مِلَفَّاتِ البُوليسِ السِّياسيِّ / وَكُلُّ مَعاطِفِ البَجَعِ لها نَفْسُ رَائحةِ دَمي / ونَفْسُ أزرارِ قَميصي / دُمُكِ يا أُمِّي يُنادي عَلَيَّ في ليالي الخريفِ البَعيدِ/ خَسِرْتُ في الْحُبِّ والحربِ/ لكنَّ جُثماني مُسَجَّىً على عَرَبَةٍ عَسكريةٍ/
والرُّعودُ التي أقامت الحواجزَ العَسكريةَ في أزِقَّةِ شَراييني هِيَ صُورتي / وأنا بِلا صُورةٍ / لَيْسَ لِقَلْبي زَمَانٌ سِوى أعوادِ المشانقِ / لَيْسَ لأشلائي مَكانٌ سِوى مَنافضِ السَّجائرِ /
     تَحْتَ طِلاءِ أظافِرِ الفَتَياتِ تُولَدُ حُقولُ القَمْحِ / وأنا قَد نَسيتُ قَلْبي في مَكانٍ مَا / فاتركُوا العُشْبَ يَنْقُشُ صُورةَ أُمِّهِ على الرِّياحِ وَشْماً للطوفانِ القادمِ/ تَنُّورةُ لاعبةِ التِّنسِ تَليقُ بالحِدَادِ على البَحَّارةِ الغرقى / وشُقوقُ جِلْدي مُسْتَوْدَعَاتٌ لِحِبَالِ المشانقِ الْمُسْتَعْمَلَةِ / يُولَدُ وَرَقُ الخريفِ في نِهاياتِ الْحُبِّ الحزينةِ / وَدِمَاءُ الأقمارِ تَسيلُ بَيْنَ قَميصِ عُثمانَ وَشَعْرةِ مُعاوية / وَرَّثني أبي انكسارَ عَيْنَيْهِ / وَمَا أخذتُ بِثَأْرِهِ مِن صَنوبرِ المقابرِ/ وَالأكفانُ البيضاءُ غَطَّيْتُ بِها أثاثَ بَيْتِنا المهجورِ / فَكَيْفَ أتنفسُ يا قاتلتي والرَّعْدُ يَغْرِسُ الخناجرَ بَيْنَ الرِّئتَيْن ؟/ وُلِدْتُ ضَاحكاً/ وَحِينَ كَبُرْتُ تَعَلَّمْتُ البُكاءَ / أمشي في غَابةِ البُروقِ وَحيداً / وَكُلما مَشَيْتُ في ذَاكرةِ الغُصْنِ المكسورِ / تناثرتْ شَظايا قَلبي في حُقولِ الزُّمردِ/ وأسألُ رَمْلَ البَحْرِ/ مِن أيْنَ سَتأتي الرَّصاصةُ ؟/ ماتتْ عازِفةُ البيانو تَحْتَ المطرِ / فما فائدةُ الرُّومانسيةِ والملِكَاتُ سَبَايا في قَصْري الرَّمْلِيِّ ؟ /
     كُلما اشتعلتْ ذِكرياتي مَاتتْ / وَتَرقصُ الإِمَاءُ أمامَ الخليفةِ قَبْلَ فَضِّ أغشيةِ البَكارةِ / صَارَتْ خَشَبةُ المسْرحِ خَشَبةً للإِعدامِ / وَاحترقَ الخشَبُ في شَهيقِ النِّساءِ / وَمَاتَ الْمُمَثِّلون / سَقَطَت الوُجوهُ / سَقَطَت الأقنعةُ / أزرعُ دِمائي في جَدائلِ النِّساءِ / ولا أعْرِفُ مَن الذي سَيَحْصُدُ / وَعَلَيَّ أن أهْرُبَ مِن قَلبي / أن أَظَلَّ هَارِباً في مَمالكِ الطاعون / وكما أنِّي أحْبَبْتُكِ وَحيداً / سَأمشي إلى قَبري وَحيداً / كأنَّ أضواءَ السَّياراتِ في ضَبابِ الرُّوحِ ذِئابٌ / تَهْجُمُ على مُعَسْكَرَاتِ الذاكرةِ /
ونوارسُ الْجُرْحِ تَنْقُرُ دُموعَ الرَّاهباتِ / على قُمصانِ النَّوْمِ العَمْياءِ / وَحْدي في ليالي الشِّتاءِ / أحتفلُ بِيَوْمِ اغتيالي كَقَبْرٍ يَتساقطُ في كُوبِ اليانسون / انتظرتُ الأسماكَ كَي تَخْرُجَ مِنَ الشَّفَقِ / وَتَزُورَ أشلائي على سُورِ مَدْرستي القديمةِ / لكنَّ أحَداً لم يَأْتِ / ما أصْعَبَ أن تَنتظرَ حُلْماً لا يَأتي /
     أركضُ إلى جُثتي / وجُثتي تَركضُ في بَطْنِ نَسْرٍ أعمى / أنا القَمَرُ الغريبُ / أنا شَمْسُ الغربةِ / لكني أعشقُ شَمْسَ الخريفِ/ لأنَّ الموتَ هُوَ الوِلادةُ / سَيَكُونُ الطوفانُ هُوَ الْمُخَلِّصَ / وَدَمْعُ النِّساءِ في لَيْلِ الشِّتاءِ هُوَ الخلاصَ / دَرَسْتُ جُغرافيا القلوبِ المكسورةِ / لَكِنِّي مُؤَرِّخُ الْحُبِّ الضائعِ / وَكُلما خَزَّنت الذِّكرياتُ بَراميلَ البارودِ في المزهرياتِ / اقتربتُ مِن أحزانِ أُمِّي / وَهِيَ تستلمُ جُثةَ أبي عَلى رَصيفِ المِيناءِ/ سَيَنْمو الكَرَزُ عَلى جُدْرانِ شَراييني/ وَتُصبحُ أجسادُ النِّساءِ خَارطةً للأحلامِ الضَّائعةِ / وَيُصبحُ الليلُ بُوصلةً لِرَمْلِ البَحْرِ بَعْدَ انتحارِ الرُّبَّان / تَضحكُ الحضَارةُ على نَفْسِها أمامَ مِرْآةِ التَّجاعيدِ / كُلما بَحَثْتُ عَن ذَاتي قَتلتُ ذَاتي / فيا سَيِّدتي المِقْصلة / تَقتلينَ نَفْسَكِ أثناءَ بَحْثِكِ عَن نَفْسِكِ/ يَنمو الفِطْرُ السَّامُّ بَيْنَ ضَفائرِ البَناتِ/ والدُّوَيْلاتُ اللقيطةُ تَرفعُ أعلامَهَا في دَمِ الحيْضِ /
     بَيْنَ الاحتضارِ وفِرَاشِ الموْتِ تُولَدُ السَّنابلُ/ نَموتُ في المعركةِ لِيُرَكِّزَ الآخَرُونَ في لَيْلةِ الدُّخلةِ / وأنا العريسُ الأنيقُ / أُصْلَبُ على مَزْهرياتِ الحقولِ الضَّوئيةِ / وشَظايا قَلبي يُفَرِّقُها الموْجُ بَيْنَ أكوابِ اليانسون / عَلى طَاوِلاتِ سَيِّداتِ المجتمعِ المخمليِّ / تتكسَّرُ سُيوفُ الشَّفَقِ عَلى لَحْمِ الغروبِ / والرُّخامُ يُحَنِّطُ خُطواتِ السَّبايا / اللواتي مَرَرْنَ على هَذهِ الأرضِ المحروقةِ / تَحْرِقِينَ هذا الجسَدَ اللوزِيَّ في ثِيابِ الحِدَادِ الأبَديةِ / ونِساءُ الغزاةِ الذينَ قَتَلوا الْحُسَيْنَ / يَشترينَ قُمصانَ النَّوْمِ في سَراديبِ نِكاحِ الْمُتعةِ / وأعمدةُ الكَهْرباءِ في مُدنِ الملاريا مَنقوعةٌ في كُرياتِ دَمي / نَسِيَت الشَّوارعُ لَوْنَ دَمي / والشَّاحناتُ تَسيرُ في شراييني / لكنها لا تتوقفُ عِندَ إشاراتِ المرورِ / التي نَصَبَها الرَّعْدُ في جُثماني / انتهتْ صَلاحِيَّةُ أحزاني / لكنَّ حُزْنَ البناتِ يتوهَّجُ وراءَ ستائرِ النوافذِ الخريفيةِ / الطرقاتُ مَنْسِيَّةٌ/ وَقَلْبي مَكسورٌ/ فَانْسَ الرُّومانسيةَ يَا صَديقي/ إِنَّ الموْتَ قادمٌ / لا تزرع الذِّكرياتِ يَا صَديقي/ إِنَّ الموْتَ حَاصِدٌ /نكتبُ أسماءَ قَتْلانا عَلى حَبَّاتِ المطرِ/ وَنَرحلُ عِندَ الفَجْرِ / جِئْنا أغراباً / وَعُدْنا أغراباً / لا الشَّمْسُ اعترفتْ بِوُجوهِنا / ولا القَمَرُ اعترفَ بِجَدائلِ نِسائنا /
     لَو كانَ حَبْلُ مِشْنقتي يَغْسِلُ عَيْنَيْكِ مِن الْحُزْنِ / لَفَرَشْتُ حِبَالَ المشانقِ على حِبَالِ الغسيلِ / فَوْقَ سَطْحِ بَيْتِنا المهجورِ / وَنَصَبْتُ المشانقَ في شَوارعِ قلبي المهجورِ / سأظلُّ غامضاً كابتسامةِ الزَّوْجةِ الخائنةِ في ليالي الكُوليرا / فلا تَكْرهي أحزانَ الفَراشاتِ / قد تُصبحُ لَيْلةُ الدُّخلةِ مَجزرةَ الضَّفائرِ الذهبيةِ/ قَد تُصبحُ الرُّومانسيةُ جُزءاً مِن سَرَطانِ الثَّدْيِ/ فاقْتُليني طَيْفاً كَي تَذْكُرِيني مَطَراً / ذِكْرياتُ الطَّيْفِ المهاجرِ أجْمَلُ مِن ذِكْرياتِ الجثةِ الرَّماديةِ / وَحيدٌ أنا كَدُموعِ أبي السِّريةِ / حَزينٌ أنا كَمِعْطَفِ أُمِّي في مَساءِ الحِدَادِ /  
     أُعيدُ صَلْبَ يَهوذا الإسْخَرْيُوطِيِّ / وأمشي في مُدُنِ الهزيمةِ / ويَتفرَّقُ دَمي بَيْنَ القبائلِ / تابوتي يَلْمَعُ تَحْتَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ / والبَقُّ يأكلُ بَراويزَ الذِّكرى على جُدْرانِ بَيْتِنا المهدومِ / أرى جُثْمانَ الفَراشةِ يَجُرُّهُ حِمارٌ وَحْشِيٌّ / ولا أرى أقواسَ النَّصْرِ / وباعَ الأيتامُ أكاليلَ الغارِ في سُوقِ الخضارِ/
     أيها النَّجارُ الماهرُ في زَخْرفةِ النُّعوشِ/ أنا طَيْفُكَ المنبوذُ/ أنا الحدُّ الفاصلُ بَيْنَ الجثثِ المتفحِّمةِ والدُّموعِ المتجمِّدةِ في ليالي الشِّتاءِ الحزينةِ / لا تَبْحثي عَنِّي أيتها اللبؤةُ العَمْياءُ / قَد مِتُّ مُنذُ قُرون/ وأنا الشَّبحُ الْمَنْسِيُّ في حُقولِ الجماجمِ الزُّمرديةِ / دَمي عَاطلٌ عَن العَمَلِ / وأنا عَاطِلٌ عَن الْحُزْنِ / وجارتي التي هَرَبَتْ مِن حَرْبِ البَسُوسِ / تَنْشُرُ الغسيلَ على أجنحةِ العصافيرِ النَّحيلةِ / وَتُحْصي جُثثَ الفُرْسانِ على أسلاكِ الكَهْرباءِ / أمشي إلى أضرحةِ آبائي / فلا تَبْحثي عَن أشلائي أيتها الشَّمْسُ / لَسْتِ وَصِيَّةً عَلَيَّ / نَسِيَ الجنودُ جَوارِبَهُم في المعركةِ وهَرَبُوا / وَالفُقراءُ يَمُوتونَ في المعاركِ / كَي يَبْنِيَ الأغنياءُ على جُثَثِهِم اتِّفاقياتِ السَّلامِ / كُلما ظَهَرَ يَهوذا الإِسْخَرْيُوطِيُّ / كَسَرَ البَرْقُ صَليبَ الخِيانةِ / وَكُلما ظَهَرَتْ مَاري أنطوانيت / جَهَّزَ الرَّعْدُ مِقْصَلَتَهَا /
     كُنْ تاجِرَ فَوَاكِهَ في أسواقِ الرَّقيقِ الأبيضِ / دَمِي سَلَطَةُ فَوَاكِه / وَشَراييني بِطَعْمِ الجوَّافةِ / وحَبْلُ مِشْنَقَتي بِطَعْمِ الأناناسِ / فِرَاقٌ قَبْلَ الفِرَاقِ/ انتحرتْ عازفةُ البيانو في لَيْلةٍ مُقْمِرَةٍ / الشُّرفاتُ مُجَلَّلةٌ بالستائرِ الرماديةِ / والرَّمادُ طَريقُ الحمَامِ نَحْوَ قَوْسِ قُزَحَ / سَتَصْطَادُ العَانِسُ رَجُلاً قُرْبَ جُثتي / والقَراصنةُ يَبْحَثُونَ عَن الكُنوزِ في مَنْجَمِ أوْرِدتي / فلا تحزَنْ إِذا خَانتْكَ البُحَيْرةُ في شُرْفةِ الخريفِ / ولا تَقْلَقْ إذا خَدَعَتْكَ رَاياتُ القبائلِ /  
     مَن يَدْفَع للرَّاقصةِ يَفْرِضْ عَلْيها الرَّقصةَ / فَلْتَرْقُص أشجارُ الصَّنوبرِ حَوْلَ ضَريحي / وَادْفَعْ لِحَفَّارِ قَبْرِكَ / كَي يُزَيِّنَ الغاباتِ حَوْلَ قَبْرِكَ في عِيدِ اليتامى / أطلالُ بَيْتِنا في الأندلسِ هِيَ أقواسُ النَّصْرِ / حَيْثُ انتصرَ البَعوضُ الأُرجوانِيُّ عَلى جُلودِ السَّبايا / رَائحةُ الموْتِ في خُدودِ الأطفالِ / وَالصَّدماتُ العَاطفيةُ دُفِنَتْ مَعَ القَتيلاتِ في مَدافنِ الذِّكْرياتِ/ وَرَاياتُ القَبائلِ غَطَّيْتُ بها مَزْهرياتِ كُوخي المهجورِ / وَالنَّوارسُ تُرْشِدُ أُمِّي إِلى قَبْرِ أبي /
     يَا حُسَيْنُ / أأنتَ قُلْتَ للرِّجالِ أن يُؤَجِّرُوا نِساءَهُم في نِكاحِ الْمُتعةِ؟! / يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ /  أأنتَ قُلْتَ للأُمَوِيِّينَ أن يَشْتُمُوا عَلِيَّاً ؟!/ سَوْفَ يَخُونُني السَّرابُ كَمَا خَانَكُما/ كُلُّ قَطْرَةِ مَطَرٍ تَحْمِلُ جُثَّةَ بَحَّارٍ / وَالْخُلفاءُ يُضَاجِعُونَ الجواري تَحْتَ المطرِ / وأنا أُمَجِّدُ الموْتَ قَبْلَ أن أموتَ / كُلُّ ذِكْرياتي قُصورٌ رَمْلِيَّةٌ / دَخَلْتُ في مَدارِ الاحتراقِ بَعيداً عَن خَطِّ الاستواءِ / ولم أتوقَّعْ أن أحترقَ وَعُودِي أخضرُ / لَكِنِّي صِرْتُ بَعْدَ إِعْدامي أُسطورةً / سَوْفَ يَعُودُ الطِّفْلُ إِلى جُثةِ أُمِّهِ في مَساءٍ غَامضٍ / وأنا أصعدُ إِلى سَطْحِ كُوخي / لأرْفَعَ الرَّايةَ البَيْضاءَ تَحْتَ النيازكِ / التي تُضِيءُ شَاهِدَ قَبْري /
     سَلامٌ على الفَراشةِ التي أخَذَتْ قَلْبي مَعَها وَماتتْ / تزوَّجت الراهبةُ ضَابِطَ المخابَراتِ في عُرْسِ تاجرِ المخدِّراتِ / أنا الغريبُ في مَتاهةِ حُروبِ القَبائلِ / لا زَمانٌ لأحزانِ أبي / وَلا مَكانٌ لِدُموعِ أُمِّي/ أيُّها الْحُلْمُ المنبوذُ/ تعيشُ غَريباً وتموتُ غَريباً / لا مَصيرٌ مَجْهُولٌ / ولا شَاهِدُ قَبْرٍ / فيا عُشَّاقَ انكساري / هَذهِ ظِلالُ أعْمِدةِ الكَهْرباءِ على جُثثِ الطرقاتِ / وَجِسْمي طَاوِلةُ بِلْياردو لِفِئرانِ السَّفينةِ / أنا أكثرُ مِن جُثةٍ / وأراملُ الجنودِ يَنْتَظِرْنَ النُّعوشَ في دُموعِ الثلجِ /
     فَلْنَسْرِق الشَّعْبَ كَي تتعزَّزَ مَسيرةُ الدِّيمقراطيةِ/ في هَذا الْحُزْنِ المفتوحِ عَلى كُلِّ احتمالاتِ اللازَوَرْدِ / تَدْهَنُ النِّساءُ حُفَرَ المجاري بأثدائهِنَّ / ويُباعُ الرَّقيقُ الأبيضُ في مَتاجرِ الشُّوكولاتةِ السَّوْداءِ / تَصيرُ الحضَارةُ دُمْيةً في مَسْرَحٍ للعَرائسِ / وتَنطفِئُ خُدودُ النِّساءِ في صُحونِ المطبخِ / وتتلوَّنُ إعلاناتُ الكُحولِ بِدَمِ الحيْضِ /
     الملوكُ اللصوصُ / والبغايا المتقاعِداتُ / وامرأةٌ تتلقَّى دُروساً خُصوصيةً في الخِيانةِ الزَّوْجيةِ / والهياكلُ العَظْميةُ مَنْسِيَّةٌ في قَاعةِ الرَّقْصِ/ وَعَصافيرُ المشانقِ تَرقصُ على قُضْبانِ قَفَصي الصَّدْرِيِّ/ سَيَفرحُ الفُقراءُ حِينَ تأتي حَافلةُ النَّقْلِ العام / وأشجارُ حَديقتي تتناولُ حُبُوبَ مَنْعِ الحمْلِ / والحمَامُ الزَّاجلُ يَتشمَّسُ في أسْمنتِ أوعيتي الدَّمويةِ / لُدِغَت الحضَارةُ مِن نَفْسِ الْجُحْرِ مَلايينَ المرَّاتِ / وتاريخُ البَعُوضِ يَغسِلُ في المراحيضِ أيدي الملِكاتِ / أنا الملِكُ الْمُتَوَّجُ على أنقاضِ بَيْتِنا / تَرْسُمُ لِيَ البُروقُ خارطةً / لأعْرِفَ مَوْقِعَ ضَريحي في غابةِ الأضرحةِ البلاستيكيةِ /  
     الزَّوابعُ هِيَ جُلودُ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ / أُمٌّ وَابْنَتُها تَدْرُسَانِ أساليبَ الخِيانةِ الزَّوْجيةِ / وَنُهودُ الفَراشاتِ اسْتراحةٌ صَحراويةٌ لِسَائقي الشَّاحناتِ / وَنَوْبَاتُ اكتئابي مَزْرَعةٌ لأجنحةِ الجرادِ / دَمُكِ يُنادي عَلَيَّ مِن أعماقِ الغروبِ / دَمْعُكِ القُرْمُزِيُّ يَسيلُ عَلى أظافري النُّحاسيةِ / ارْتطمَ المطرُ بالدِّيدانِ التي تُزَيِّنُ قَبْري / كَسَرَ الرَّعْدُ الأعشابَ التي تنمو على قَبْري / وَكُلُّ امرأةٍ لَها نصيبٌ في أخشابِ تابوتي / وأنا لا أمْلِكُ نفْسي / جُثتي أرضٌ مَفتوحةٌ للضِّباعِ / وَخُيوطُ أكفاني مَحْكَمةٌ عَسكريةٌ للبَعوضِ / سَتَنمو الرَّسائلُ الغراميةُ في سَرَطانِ الثَّدْيِ كالسَّنابلِ / وَيَحترقُ خَشَبُ التوابيتِ في زَفيرِ الصَّبايا / وَالرِّيحُ رَفَضَت استلامَ جُثةِ الشَّفَقِ / أحْفِرُ انتحاراتي في عِظامِ الغروبِ / كَي أرى شَمْسَ قَلْبي تَحْتَ شَمْسِ الخريفِ / أحْفِرُ خَنادقَ البُكاءِ في أعاصيرِ رِئتي / كَي أرى الشَّمْسَ في لَيْلِ العُشَّاقِ / كُلما مِتُّ تحرَّرتُ مِنَ الموْتِ / وَيُشْحَنُ الجنودُ في البَواخرِ كالأغنامِ / نَسِيَ الجنودُ أرضَ المعركةِ / وَصَارُوا يَحْفِرُونَ القُبورَ / سَتُحَدِّقُ السَّبايا في وُجوهِ الأسرى / وَجُلودُ السُّجناءِ تَصْلُبُ الكِلابَ البُوليسيةَ عَلى أبراجِ الْمُرَاقَبَةِ / وَجَدائلُ الرَّاهباتِ مَنْقُوعةٌ في عَصيرِ البُرتقالِ / الذي نَسِيَهُ العُشَّاقُ في كافتيريا المجزرةِ / وَرَحَلُوا / وَالعَناكبُ تَسْبحُ في شَراييني / سَتُولَدُ غابةُ الياقوتِ في مَمالكِ الطاعونِ / وَلَن يُفَرِّقُ الرِّجالُ بَيْنَ أعقابِ السَّجائرِ وأعقابِ البَنادقِ/ وَلَن تُفَرِّقَ العَرائسُ بَيْنَ لَيْلةِ الدُّخْلةِ وَسِفْرِ الخروجِ /
     أنا جُثتان / لَكِنِّي شَبَحٌ وَاحِدٌ بِلا قَلْبٍ / نَسيتُ قَلْبي عَلى سُورِ المقبرةِ / وَاختلطتْ عُروقي النُّحاسيةُ بِحَديدِ بَوَّابةِ المقبرةِ / وَكَانَ حُلْمي أن أكونَ مُهَنْدِسَاً مِعْمَارِيَّاً / لأُصَمِّمَ شَواهِدَ القُبورِ / واليَتيماتُ يَنْشُرْنَ الغسيلَ على أشجارِ الصَّنوبرِ في المقابرِ الجماعيةِ/ خُدودُ النِّساءِ مُسْتَوْدَعٌ لِصَوْتِ الرصاصِ / وَعَمُودي الفِقرِيُّ مَخْزَنٌ للأسلحةِ / نعشي مَرْفأُ اليمامِ / والنَّوارسُ تَكتبُ أسماءَها على عِظامِ الغرقى / وَقِصَصُ الْحُبِّ مَدْفونةٌ تَحْتَ رِمالِ الشَّاطئِ / سَيَبْني الأيتامُ قُصُورَهُم الرَّمْليةَ في حَنجرةِ الغروبِ / لِيَهْدِمَهَا الموجُ في ليالي الملاريا / فيا أنا / نَحْنُ غَريبان / ضَلَّ الحمَامُ الزَّاجلُ طَريقَهُ / والفَتَياتُ الْمُغْتَصَبَاتُ يَصْرُخْنَ في كُهوفِ الحضَارةِ / والموجُ يَزْرَعُ الحواجزَ العَسكريةَ بَيْنَ ظِلالِ الأشجارِ وَظِلالِ الأمواتِ / والفِئرانُ تَجُرُّ نُعوشَ الجنودِ / أنا آخِرُ القَتْلى الرُّومانسِيِّينَ في هذا العالَمِ المجنونِ / والمحارِبُ يَقْضي استراحَتَهُ في عَزْفِ البيانو / أرْقُصُ في مَأْتَمِ الظِّلالِ / وَتَصيرُ أشلائي عَشَاءً على ضَوْءِ الشُّموعِ .