10‏/10‏/2019

المدن الخائفة من المرايا / قصيدة

المدن الخائفة من المرايا / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     أَشُكُّ أنَّني عِشْتُ / وَأُوقِنُ أنَّني سَأَمُوتُ / لَيْتَنِي أتحرَّرُ مِنْ طَيْفِ الشَّرْكَسِيَّاتِ / كَي أرى ظِلالي في مَزْهَرِيَّاتِ الشِّتاءِ / أبكي تَحْتَ المطَرِ لِئَلا تَرى الكِلابُ البُوليسِيَّةُ دُمُوعي / الرَّعْدُ شَاهِدٌ عَلى دُمُوعي/ وَالبَرْقُ يُضِيءُ مَساميرَ نَعْشي/ وَالْمَوْجُ يَكتبُ النَّشيدَ الوطنِيَّ لِجُثماني / والقادةُ الفَاتِحُونَ لَم يَفْتَحُوا غَيْرَ أغشيةِ البَكَارَةِ / وَالعَواصِفُ تَكتبُ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ في خِيَامِ المجزرةِ /
     الأسرارُ العاطفِيَّةُ للضَّبابِ الأشقرِ / وَدَهْشَةُ الفَراشاتِ في الجِنَازةِ العَسكرِيَّةِ / وَبَراويزُ الذِّكرياتِ هِيَ السَّرطانُ الذي يَلْتَهِمُ صُدورَ النِّساءِ / والزِّنجِيَّاتُ يَتَعَلَّمْنَ البَالِيه/ غَابةٌ تُفَتِّشُ عَن غِشَاءِ بَكَارَتِهَا في مَخازنِ الجيشِ المهزومِ / فَاخْرُجْ مِن حَياةِ الزُّمُرُّدِ / وَاترُكْ للبَنادقِ مَقْعَدَكَ في الحديقةِ / أيُّها الوَهْمُ الذي يَشتري العَمَائِمَ السَّوْداءَ في النَّهارِ الأسْوَدِ / وَيُرَكِّزُ في نِكَاحِ الْمُتْعَةِ في الليلِ الأبيضِ / يَرتدي العَبيدُ بَراميلَ النِّفطِ الخام / وَيَسيلُ مِن أثداءِ الإِمَاءِ البِنْزِينُ الخالي مِنَ الرَّصاصِ / هَذِهِ الْمُدُنُ تَكْرَهُ نَفْسَهَا / لِمَاذا تَعْشَقُها يَا حَقْلَ الشَّمْعِ ؟/ تَبيضُ المشانقُ في دَلْوِ البِئْرِ الجافَّةِ / وَاللبُؤاتُ تَنْقُلُ دُمُوعَهَا في شَاحِنَاتِ الغروبِ / أنا مِرْآتُكِ أيَّتُها الشُّطآنُ / لِمَاذا تَهْرُبِينَ مِن وَجْهي ؟ / لِمَاذا تُهَرِّبِينَ أشلائي في عُلَبِ السَّرْدِين ؟ /
     لا تَحْزَنْ أيُّها الموْجُ / لأنَّكَ مَجْهُولُ النَّسَبِ / اعْتَبِرْنِي أبَاكَ الرُّوحِيَّ / وَلْتَكُن السُّفُنُ الغارقةُ هِيَ أُمَّنَا القَاسيةَ/ لا تُحَاوِلْ أيُّها الشَّاطئُ اغتيالَ الأناناسِ / إِنَّ البَحْرَ يُخَزِّنُ الْمُسَدَّسَاتِ في طُحالي/ أنا والبَحْرُ والزَّبَدُ اشْتَعَلْنَا مَعَاً وانطَفَأْنا مَعَاً / خُذْني رِئةً للفَراشةِ الْمُصابةِ بالزَّهايمر/ تَقَاعَدَ حَفَّارُ القُبورِ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئْ سُورَ المقبرةِ ! /
     لِمَاذا تَكْرَهُني يَا مَطَرَ الأبجديةِ ؟/ لَم أَجْرَحْ شُعورَكَ/ وَلَم أَطْلُبْ مِنكَ أن تَدْفِنَ جُثتي الْمَرْمِيَّةَ في الطريقِ/ أَبْذُرُ أعضاءَ الموْجِ في تُربةِ البُكاءِ/ فَتَنْمُو القصيدةُ الأخيرةُ في جُثمانِ النَّهْرِ/ أنا حُزْنُ التِّلالِ وتِلالُ المطَرِ القديمِ / أنا والزَّلازِلُ ننامُ في فِرَاشٍ وَاحدٍ / الجماجِمُ هِيَ حَبَّاتُ الفَراولةِ عَلى قِطَعِ الْحَلْوَى / سَتَعْرِفُ أيُّها المساءُ أنَّني أَسِيرٌ أبَدِيٌّ / وَعِندَما أَمُوتُ سَأَتَحَرَّرُ /
     أَيَّتُها الرَّاهبةُ العَمياءُ التي يُحَطِّمُ زُجَاجَ نظَّارَتِها السَّوداءِ الدُّمُوعُ الزَّرقاءُ / لا حُلْمَ في جُلُودِنا كَي نُزَيِّنَ سُورَ المقبرةِ بِجَدَائِلِ الرَّاهباتِ / انكَسَرَتْ خَشَبَةُ الْمَسْرَحِ/ فَارْقُصِي عَلى خَشَبَةِ الصَّليبِ أيَّتُها المصلوبةُ/ وَاشْتَرِي تَذْكِرَةً لِحُضُورِ جِنَازةِ العَصافيرِ حِينَ يَنتهي عَصْرُ الملوكِ اللصُوصِ/ وَيَرْقُصُ العَبْدُ مَعَ سَيِّدَتِهِ في الحفلةِ التَّنَكُّرِيَّةِ /
     احتضاري هُوَ النَّقْلَةُ الأخيرةُ في لُعبةِ الشِّطْرَنجِ / وأنا الدِّيكُ الأخيرُ تَحْتَ أذانِ الفَجْرِ في قُرْطُبَة / تَسْتَجْوِبُني مَرايا الزَّرنيخِ / وأَسْتَجْوِبُ البُحَيرةَ العَمْياءَ / لِمَاذا لَم نُدَافِعْ عَن حُبِّنَا ؟ / يَرْقُصُونَ في حَفلةِ الإعدامِ/ ولا يَعْرِفُونَ لِمَاذا يَرْقُصُونَ/ يُصَفِّقُونَ عَلى خَشَبَةِ الصَّليبِ/ ولا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ خَشَبَةِ الْمَسْرَحِ وخَشَبَةِ الإعدامِ/ فِئرانُ التَّجَارُبِ تُقَدِّسُ الأصنامَ البَشَرِيَّةَ/ امْرَأةٌ تَرْمي ضَفَائِرَهَا في وَادي الجثامِين / وَتَتْرُكُ سَجَّانَها يَعيشُ نِيَابَةً عَنها / ولا تَعْرِفُ لِمَاذا تَمُوتُ /
     حَرِّرِيني مِنْ عَيْنَيْكِ / فُكِّي قُيُودي كَي تَأكُلَ أسماكُ الشَّفَقِ ذَاكرةَ النَّيازكِ / لا عَائِلَةَ لِي / لَكِنَّ مِقْصَلَتي بالْحَجْمِ العَائِلِيِّ / أُزَيِّنُ بَيْتِي كَي يَبْتَلِعَهُ الطوفانُ / أُنَظِّفُ عِظَامي مِن حَشائشِ الْمَدَافِنِ / كَي تَأكُلَ جُثماني النُّسورُ العاجزةُ جِنسِيَّاً/ جَمَاجِمُ العَشيقاتِ بَيْنَ مُضَادَّاتِ الاكتئابِ / وأكفانُ الزَّنابقِ بَيْنَ أعوادِ الثِّقابِ / لَم تَعُدْ للنَّارِ ظِلالٌ / فَقَدَ الغَيْمُ عَائِلَتَهُ في الحرْبِ / وَطَنُ اليَاقُوتِ هُوَ مَنْفَى الزُّمُرُّدِ / أهدابي أقواسُ النَّصْرِ / لَكِنِّي الخاسِرُ في الْحَرْبِ والسَّلامِ /
     أنا الْمَنْسِيُّ في قَائمةِ عُشَّاقِ البُحَيرةِ / أنا التِّلالُ في سَاعةِ السَّحَرِ / أنا الجثامينُ الطازَجةُ في لَحْظَةِ الغروبِ / وَضَعْنا جُثَثَ الجنودِ في زُجاجاتِ العَصيرِ الفَارغةِ / أَتعذَّبُ بالْحُبِّ لأعْرِفَ مَعناه / أُحِبُّ ولا أتزوَّجُ / لَيْلَةُ الدُّخلةِ سِفْرُ الْخُرُوجِ مِن أُنوثةِ الأمطارِ القَديمةِ / أَمْشِي ولا أَصِلُ / أخافُ مِن بُرودةِ بَيْتِي الفَارغِ / لا شَيْءَ في غُرفةِ الضُّيوفِ سِوى الكُرْسِيِّ الكَهْرَبائيِّ / عَذابُ الْحُبِّ أجْمَلُ مِنَ الْحُبِّ / والشَّوْقُ إلى المرأةِ أجْمَلُ مِن لِقَائِها / فَاقْرَأْ كَلِمَاتِ الفَراشاتِ في حَفْلِ تَأبيني / ولا تُشَاهِدْ جُثماني/ عِشْ في ذِكرياتِ النَّخيلِ العابِرِ في الغروبِ / وَكُن عَشيقَ الذِّكرياتِ / واكْسِرْ عُلبةَ المِكياجِ / جُثةُ الْمُغَنِّي مُمَدَّدَةٌ عَلى عِظَامِ البيانو/ أعيشُ في حَقيبةِ السَّفَرِ/ فلا تَقْتُلْني يَا وَطَناً مَنقوعاً في سُعالِ الأطفالِ الْمُتَسَوِّلِينَ عَلى إِشاراتِ المرورِ / تَرْكُضُ أدغالُ الحِبْرِ إلى تَابوتِ المطَرِ / والغاباتُ تَمشي إلى كُوخي / والليلُ الذي يَسِيرُ عَلى أظافِرِ الفَيَضَانِ هُوَ اسْمٌ للشَّفَقِ / لا أَجِدُ مَنْ يُشْفِقُ عَلَيَّ في هَذِهِ الشَّوارعِ المزروعةِ بالشَّحَّاذِينَ والأراملِ والحواجزِ العَسكرِيَّةِ / أشْرَبُ عَصيرَ الأحزانِ في كُؤوسٍ مِن جَماجِمِ السُّيولِ القُرْمُزِيَّةِ / وَطَني يَنتحِرُ في أحضاني / فَخُذْ دُموعي ذُباباً لِقَوانينِ الطوارِئِ / ذَهَبَ الحاكمُ إلى الانتحارِ / ذَهَبَ المحكومُ إلى الانتحارِ / ذَهَبَ الوَطَنُ إلى الانتحارِ/ ونَحْنُ مَحْكُومُونَ بالحنينِ والانتظارِ/ قَلبي ماتَ/فَلا تَقْرَأْ يا نَهْرَ المساءِ القصائدَ الرُّومانسِيَّةَ في زِنزانتي الانفرادِيَّةِ/ البُكاءُ طَريقٌ يَقْسِمُ عِظَامي إلى حُلْمَيْنِ/ القِطَطُ الشَّريدةُ تَتَجَوَّلُ في القُصورِ المهجورةِ / هِجْرَةُ شَبَابِ الدِّيسكو مِنَ الْمُخَابَرَاتِ إِلى الاستخباراتِ العَسكرِيَّةِ / والانقلابُ عَلى تُراثِ الرِّيحِ مُسَدَّسٌ / يَتَزَوَّجُ أحلامَ الرَّصيفِ / ونَحْنُ نَتقاتلُ على اقتسامِ مِيراثِ الزَّوابعِ .