11‏/10‏/2019

الغريزة الأرجوانية / قصيدة

الغريزة الأرجوانية / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........

     الرَّاهباتُ الْمَكْبُوتاتُ جِنسِيَّاً/ وأزهارُ التَّوابيتِ تُولَدُ بَيْنَ أنيابِ الْمُستحيلِ/ كُلُّ بُحَيْرَةٍ أضَاعَتْ جَوَازَ سَفَرِهَا / سَيُصْبِحُ فِرَاشُ الموْتِ جَوَازَ سَفَرِهَا / كُلُّ نَهْرٍ أُسْقِطَتْ عَنْهُ الجِنسِيَّةُ / سَيُصْبِحُ الاحتضارُ جِنْسِيَّتَهُ / ارْفَعْ رَايَةَ البُرتقالِ عَلى أنقاضي / كَي يَرى المساءُ لَمَعَانَ دُموعِ الرُّبَّانِ في لَيْلةِ الوَداعِ/ نَسِيتُ وَجْهَ يَافا في صُراخِ الموْجِ/ كَسَرْتُ مِرْآتي/ بَحَثْتُ عَن وَجْهي بَيْنَ البَنادقِ / جُثَثُ الصَّبايا سَتَظَلُّ عَلى أراجيحِ اللوْزِ/ وَعِندَما أَمُوتُ سَتَعْرِفُ الدَّلافينُ مَلامِحِي/ لَسْتُ الخرابَ/ لَكِنِّي مُؤَرِّخُ الخرابِ / بَابا الفاتيكانِ مُهَرِّجٌ في سِيركٍ مُحترِقٍ / والصَّليبُ لَم يَحْرُس الرَّاهباتِ مِن شَهَوَاتِ الكَهَنَةِ /   
     أنا الشَّبَحُ العَائِشُ مَعَ جُثَثِ النِّساءِ بِلا ذَاكِرَةٍ ولا ذِكْرَياتٍ/ دَمعاتُ الشَّجَرِ سَتَظَلُّ مَساميرَ في جَسَدِ الفَيَضَانِ/ أنا الذِّئبُ الجائِعُ في سُعَالِ الشُّطآنِ / لأنَّ رَمْلَ البَحْرِ أكَلَ فُطُوري / بَحَثْتُ عَن لَيْلَى لأبْكِيَ عَلى صَدْرِهَا/ لَكِنِّي وَجَدْتُ العُشْبَ يَبْكي عَلى قَبْرِهَا/ أنظُرُ في مَرايا السَّنابلِ / وأجْمَعُ رُموشَ الضَّحايا كالطوابعِ البَريدِيَّةِ النَّادرةِ / وأسألُ الثلجَ عَلى قِرْمِيدِ كُوخي/ هَل سَقَطَتْ أجفانُ البُحَيراتِ عَلى نافذةِ سِجْني ؟ /
     الدُّوَيْلاتُ القَذِرَةُ / والأغاني الوَطَنِيَّةُ اللقيطةُ / والشُّعوبُ الرَّخيصةُ / أختارُ رَقْمَ زِنزانتي الانفرادِيَّةِ / كَمَا يَختارُ البَحْرُ قِطْعَةَ الشُّوكولاتةِ / والْمَنْفَى الاختيارِيُّ يَختارُ ذِكْرياتي / سَقَطَتْ أجنحةُ الفَرَاشَاتِ في الهياكِلِ العَظْمِيَّةِ / أنا الْحُفْرَةُ التي تَبِيضُ فِيها الزَّوابعُ / حِبْرُ الجرائدِ هُوَ دَمْعِي/ الذي لا تَعترِفُ بِهِ صَفحةُ الوَفَيَاتِ / انكَسَرَ الصَّوْلَجَانُ يا مَلِكَ القُلوبِ المكسورةِ / لَكِنِّي أُرْشِدُ القَتيلاتِ إلى ضَوْءِ القَمَرِ / فَمَا الفَائِدَةُ إِذا كَانَ حَبْلُ مِشْنَقتي مِنَ الذهبِ وَزِنزانتي مِنَ الفِضَّةِ ؟ /
     تَقَدَّمْ أيُّها الملِكُ المخلوعُ وَاثقاً مِن هَاويةِ اليَاقوتِ / تَقَدَّمْ أيُّها السَّرابُ الْمُتَوَّجُ عَلى غُبارِ الأضرحةِ / أنتَ وَحْدَكَ في الضَّبابِ الليْمُونِيِّ / فَاحْكُمْ هذا الخرابَ الْمُمْتَدَّ مِن أشلائِنا حَتَّى ضَفائرِ أُمَّهَاتِنا / خُذْ أعشابَ خُدودِنا إلى شُموسِ الاحتضارِ/ عِظَامُ الأطفالِ هِيَ عُرُوشِ الهاويةِ/ سَيُصْبِحُ البَدْوُ الرُّحَّلُ عُشَّاقاً مُخْلِصِينَ بَعْدَ مَقْتَلِ شَيْخِ القَبيلةِ / نَحْنُ في الرُّومانسِيَّةِ كالبَدْوِ الرُّحَّلِ / مَاتَ الرَّاعي / والقَطيعُ يَسيرُ إلى حافَّةِ الجبَلِ / ويُرَدِّدُ الأغاني الوَطنيةَ/ تُولَدُ ذِكْرَياتُ العَبيدِ في مَصَافي النِّفْطِ/ يَتَوَكَّأُ الضِّفْدَعُ عَلى ثَدْيِ زَوْجَتِهِ/ يَأْكُلُ البَقُّ التَّوابيتَ المصفوفةَ عَلى سَطْحِ السَّفينةِ الغارقةِ/ والنُّعوشُ مُرَتَّبَةٌ ومُرَقَّمَةٌ عَلى سَطْحِ القِطَارِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ /
     الْجُثَثُ المجهولةُ عَلى قَشِّ الإسْطَبْلاتِ/ وفِئرانُ السَّفينةِ تَأكُلُ جُثمانَ الرُّبَّانِ / أجْلِسُ في مَحطةِ القِطَاراتِ البَاردةِ وَحيداً / كُلَّمَا هَجَمَ المساءُ عَلى عِظَامي / رَأيتُ وُجُوهَ الأمواتَ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / كُنْ هُدنةً بَيْنَ أُمَرَاءِ الطوائفِ وأُمَرَاءِ الحروبِ / تَنْشُرُ الرَّاهباتُ صُكُوكَ الغُفرانِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ عَلى سَطْحِ الدَّيْرِ / بَيْنَ أبراجِ الكَنائِسِ وأبراجِ الْمُعْتَقَلاتِ / سَتَلْمَعُ فَأْسُ حَفَّارِ القُبورِ في لَيْلَةٍ خَريفِيَّةٍ غَامِضَةٍ / كَاحْمِرَارِ خُدودِ السَّبايا قَبْلَ فَتْحِ أفخاذِهِنَّ /
     يَا تُرَابُ / أمشي عَلَيْكَ نَحْوَ دَمْعِ العُقبانِ / سَتَمْشِي عَلَيَّ إِلى الأبَدِ / تَدُوسُكَ أقدامُ السَّبايا / وَسَوْفَ تَسْحَقُ مَوَاكِبَ الملوكِ / يَا تُرَابُ / أنتَ الْمُنْتَصِرُ في نِهَايةِ الذِّكرياتِ / الضَّوْءُ في آخِرِ النَّفَقِ هُوَ الموْتُ / كُلُّنَا سَنَمْشِي إلى الْحُفَرِ في ليالي الخريفِ الباردةِ /
     وَداعاً يا أحزانَ الطفولةِ / وَداعاً أيُّها الْحُبُّ الأوَّلُ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ / لا تاريخَ لأهدابِنا سِوَى الرِّيحِ / ولا جُغرافيا لأظافِرِنا سِوَى الفَيَضَانِ / نَتْرُكُ رُفاتَ آبائِنا في صُندوقِ البَريدِ / ونَرْحَلُ عِندَ الفَجْرِ / فَكُنْ ناعِمَاً كالرَّصاصِ الْحَيِّ عَلى جَدَائِلِ البَنَاتِ / وَامْنَح العصافيرَ فُرصةَ الاختيارِ / بَيْنَ الأقفاصِ الذهبيةِ وشَوارعِ القُمامةِ / واترُك اليَتيماتِ يَنْشُرْنَ أشلاءَ الضَّحايا عَلى حَبْلِ الغسيلِ/
     اقْتُلُوا الْحُسَيْنَ / وَلا تَنْسَوْا أن تَبْكُوا عَلَيْهِ / لِتَبْدُوَ مَسْرَحِيَّةُ اللطْمِ في أَوْجِ الرُّومانسِيَّةِ / أنتحِرُ كُلَّ يَوْمٍ لأُرِيحَ العَالَمَ مِن أحزاني / يَا بِلاداً تَحتسي كُوبَ دَمْعِي / اخْرُجي مِن تاريخِ الأصنامِ / اكْسِري جُغرافيا الأوثانِ / اخْرُجِي مِن ذِكرياتِ الملوكِ الْمُهَرِّجِين /
     أسْفَلْتُ الآلامِ/ والأشجارُ النَّازفةُ/ ومَرَاكِبُ الصَّيْدِ تَعُودُ فَارِغَةً / وَذِكرياتُ القَنَّاصِ في أبراجِ الْمُرَاقَبَةِ/ أَنزِفُ مَطَرَاً وَلَوْزَاً وَأحلاماً/ نَسِيَت الفَتَيَاتُ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ عَلى مَقَاعِدِ الكَنيسةِ / وَرَحَلَ الكَهَنَةُ إلى هَاويةِ الصَّدى / وَصَيَّادُ السَّمَكِ يَتَزَوَّجُ رَاقِصَةَ الفلامنغو في جِنازةِ الوَطَنِ الرُّومانسِيِّ / وتَبْكي الملِكَاتُ فَرَحَاً في عُرْسِ عَامِلِ النَّظافةِ /
     أيَّتُها العَانِسُ النَّازِفَةُ جَرَادَاً/ جَسَدُكِ أَبْيضُ في أسواقِ الرَّقيقِ الأبيضِ/ لَكِنَّ العَوَانِسَ في القَائمةِ السَّوْدَاءِ / وَصِيَّةُ البَحْرِ القَتيلِ هِيَ وِصَايَةُ الذاكرةِ على الذِّكرياتِ / فيا أَيُّها المساءُ الزَّهْرِيُّ /      لا تَغْتَصِبْ بَنَاتِ أفكاري / سَتَخْرُجُ البُحَيْراتُ مِنْ لَيْلةِ الدُّخلةِ / فَلْتَكُنْ أجفانُ الزَّيتونِ أرشيفاً للحُبِّ الضَّائعِ / طُفُولتي صَخْرَةُ الوَدَاعِ عَلى شَاطِئٍ يُرَاقِبُ انتحارَ البَحْرِ / جَبيني دِمَاءٌ تَصُبُّ في بِئْرِ الذاكرةِ / وخَشَبَةُ الصَّليبِ هِيَ خَشَبَةُ الْمَسْرَحِ/ لَكِنِّي لَم أَعْرِف الْمُمَثِّلِينَ ولا الْمَصْلُوبِينَ / أضحكُ وأَسْبَحُ ضِدَّ التَّيارِ / لأنَّ أنهاري قَد جَفَّتْ / أبْذُرُ رُمُوشي في تُرْبةِ الْمَجَرَّاتِ/ ولا أعْرِفُ مَن يَحْصُدُنِي .