11‏/10‏/2019

فلسفة التاريخ الاجتماعية

فلسفة التاريخ الاجتماعية

إبراهيم أبو عواد

...............

1
     مشكلة الإنسان المركزية في حياته أنه ينظر إلى التاريخ باعتباره تسلسلًا زمنيًّا عابرًا بحُكم الأمر الواقع ، وهذا يعني أن التاريخ مُجرَّد وعاء للأفعال الماضية التي انقضت وانتهت . وهذه نظرة قاصرة شديدة الخطورة . إن التاريخَ ترجمةُ الزمن إلى معنى ، وتحويل الوقت إلى فكر ، وإحالة الموضوع إلى محتوى . والفِعلُ الماضي وُجِدَ ليبقى في نواة المجتمع الأساسية ، ويتكرَّس كحياة اجتماعية متكاملة وقائمة بذاتها ، ومليئة بالدروس والعِبَر ، مِن أجل الاستفادة منها ، وصناعة الحاضر ، والانطلاق إلى المستقبل . والماضي هو المستقبل المُؤجَّل، والقوة الدافعة للانبعاث في قلب المدنية والحضارة . والماضي بابٌ مفتوح على الحاضر والمستقبل ، لا يُمكن إغلاقه ، ولا كسره . والإنسانُ لا يَستطيع الخروجَ مِن جِلْده حتى لو أراد . وكما أن الباب المفتوح لا يُفتَح ، كذلك الماضي لا يَمضي .
2
     تتمحور رمزيةُ التاريخ حول قيمة المعنى الإنساني وبُنيةِ التحليل الفكري . وفي كل نسق معرفي تُشكِّل القيمةُ والبنيةُ منظورًا اجتماعيًّا متماسكًا ذا تماس مباشر مع حياة الفرد والجماعة ، وأحلامِ العقل الجمعي ، وطموحاتِ المجتمع الكُلِّي . وإذا انتقلَ التاريخُ من حصار عقارب الساعة إلى دَيمومة الفِعل الاجتماعي ، فإن مجتمعًا فكريًّا سينشأ في قلب الأنساق الاجتماعية ، ويُطهِّر المعنى الإنساني من العوامل السلبية والعناصر الفوضوية . وبالتالي ، ستظهر مفاهيم جديدة تتعامل مع التاريخ كجزء أساسي مِن الحاضر ، وقاعدة انطلاق نحو المستقبل .
3
     لا يمكن للإنسان أن يعرف ماهية التاريخ ، ويصل إلى جوهره العميق ، إلا إذا امتلكَ الشغفَ للتنقيب في مناجم التاريخ اللغوية والفكرية . وعمليةُ التنقيب تستلزم القيام بحفريات معرفية في أعماق التاريخ ، لاستخراج المظاهر الأسلوبية في تحليل أنماط الحياة القائمة على الوعي والوعي المضاد . والإنسانُ هو الإنسانُ في كل زمان ومكان ، مهما كان دِينه وعِرْقه ولَوْنه . ومِن خلال تحليل الأضداد وتفكيك التناقضات ، يمكن الوصول إلى طبيعة الأنظمة الفكرية الحاكمة على الأفكار الاجتماعية ، والخصائصِ النفسية للفرد والجماعة . ومفهومُ الأنظمة الحاكمة أكبر مِن عَالَم السياسة ، وغير محصور في العلاقات الدولية . إن الأنظمة الحاكمة موجودة في كل تفاصيل المجتمع مِن القمة حتى القاع . والكشف عن هذه الأنظمة وروابطها ضروري جدًّا لتحليل مضامين الواقع المنعكسة عن محتويات الذهن .