14‏/10‏/2019

بوصلة غامضة لشموع النزيف / قصيدة

بوصلة غامضة لشموع النزيف / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............

     ذَوِّبِيني في شَمْعِ الاحتضارِ / لأُضِيءَ الشَّوارعَ القَذِرَةَ أمامَ مَوْكِبِ الفِئْرَانِ / تنامُ شمسُ الأبجدِيَّةِ وَراءَ صَنَوْبَرِ المقابرِ / فَازْرَع الأضرحةَ الشَّمْسِيَّةَ عَلى سَطْحِ كُوخي /
     الذِّكرياتُ المحروقةُ / وَالرَّاتِبُ التَّقاعدِيُّ لِحَفَّارِ القُبورِ / وَالبَعُوضُ يَلتصِقُ بِطِلاءِ أظافرِ عَازفةِ البيانو/ وَشَرْكَسِيَّةٌ تَحُلُّ مُعَادَلَةً في الرِّياضياتِ/ وَظِلالُ الأسْرَى على نوافذِ الشِّتاءِ / يُبَدِّلُ عَصيرُ البُرتقالِ تجاعيدَهُ حَسَبَ تَوْقِيتِ اكتئابي / يَرْتَطِمُ الماعِزُ بِدِمَاءِ الرَّاعي / رَأَيْتُ شَعْبَاً مِنَ العَبيدِ والسَّبايا/ فَصِرْتُ نَخَّاسَاً / سَامِحْني يا أبي / وَاغْفِرْ لِي يَا وَطَناً تائهاً بَيْنَ السِّياطِ وصَفَّاراتِ الإنذارِ/
رَأيتُ أحلامَ الطفولةِ بَيْنَ قَطيعِ الغَنَمِ وفِئرانِ التَّجارُبِ /
     سَنَدْفِنُ في رُقعةِ الشِّطْرَنجِ النَّوارسَ الجريحةَ / وَنَبْكي مَعَ الأقمارِ المخدوشةِ / مَاتَ الملِكُ / وانتهى التَّصفيقُ في صَالَةِ الرَّقْصِ / وبَقِيَ الجنودُ يَبيعُونَ العِلْكةَ عَلى إشاراتِ المرورِ / أعيشُ في جُثمانِ نَسْرٍ تاريخاً للقِيثارةِ / التي كَسَرَهَا الهديلُ في لَيْلةٍ ماطرةٍ / فاترُكي البيانو تَحْتَ المطَرِ / وَجَهِّزي قَارورةَ العِطْرِ أوْ قَارورةَ السُّمِّ لِعَشِيقَاتِ الْمُحَارِبِ المشلولِ / لَيْسَ في دَمِ الشُّموسِ مَكَانٌ لاستراحةِ الْمُحَارِبِ / سَتَرَى الشَّمْسُ جَدائلَ الرَّاهباتِ على الصَّليبِ / وأنا أتنفَّسُ الشَّظايا / فَشُكْراً للغِزْلانِ التي تُولَدُ في رَمْلِ البَحْرِ / وَتَمُوتُ في قَوْسِ قُزَحَ / سَتَنْمُو الجوَّافةُ في فِرَاشِ الموْتِ / لا فَرْقَ بَيْنَ شَهيقي وزَفيري / لأنَّني جُثةٌ خَرْسَاءُ تُضِيءُ في لَيْلةِ الانقلابِ العَسكريِّ / وحِينَ أموتُ سَيَحْزَنُ عَلَيَّ الجرادُ / وَيَغْتَصِبُ فُرشاةَ أسناني البَقُّ / فانسَحِبِي مِن حَياتي لأنسَحِبَ مِن حَياةِ البَنادقِ / ذَهَبَت الرَّاهباتُ إلى الاحتضارِ / وَبَقِيَت الجوارِبُ البَيْضَاءُ عِندَ مَوْقَدَةِ الخريفِ / سُوقُ النِّخاسةِ مَفتوحةٌ / والنَّخَّاسُ اعتزلَ الحياةَ السِّياسِيَّةَ / أقِيسُ حَياتي العاطِفِيَّةَ بِعُقَدِي النَّفْسِيَّةِ / أقيسُ مَنْسُوبَ الدُّموعِ في ضَفائرِ اليَتيماتِ بِحَبْلِ مِشْنَقتي / أَحِنُّ إلى شَيْءٍ غَامِضٍ يَذْبَحُني وأعْشَقُهُ / فَلْيَكُنْ تَابُوتُكَ مِنْ خَشَبِ المطابخِ / لِتَمْدَحَكَ رَاقصاتُ الباليه عَلى خَشَبَةِ المسْرَحِ /
     لَوْ كانَ الضَّحايا أقماراً لَمَا اكْتَشَفُوا غَريزةَ القَاتِلِ / سَيُصْبِحُ القَاتِلُ ضَحِيَّةً / والصَّيادُ فَريسةً / تركضُ الأسماكُ إلى أنقاضِ المدينةِ الحزينةِ / والسَّناجبُ مُحَاصَرَةٌ في غَابَةِ الذِّكرياتِ/ تَبْني الطحالبُ دَوْلَتَهَا في خُدودي/ لأنِّي نَشيدٌ بِلا دَوْلَةٍ / الحمَامُ الزَّاجلُ نشيدي الوَطنيُّ / لكنَّ الرَّسائلَ ضَاعَتْ / وماتَ الرَّسُولُ بَيْنَ السَّنابلِ والقَنابلِ / أبكي في أدغالِ الشَّفقِ وَحيداً / والدِّيدانُ تَمْسَحُ دُمُوعي في الليلِ الطويلِ /
     في كُلِّ المعارِكِ / كُنتُ أبحثُ عَن الرَّايةِ الضَّائعةِ / تَسْقُطُ الدُّوَلُ في كُوبِ اليانسُون / تَنكسِرُ الرَّاياتُ كَقِطَعِ الشُّوكولاتةِ/ مَن المرأةُ التي تَزُورُ قَبْري عِندَ الغُروبِ؟/ أحِبِّيني عِندَما يَخْرُجُ الجرادُ مِن آبارِ صُداعي / وتنامُ الخيولُ في أزْرَارِ قَميصي / يَا عَشيقاتِ الدَّمِ الفُسْفُورِيِّ / أيْنَ سَيَذْهَبُ الْخَلْخَالُ حِينَ تُصَابُ الرَّاقصةُ بالشَّلَلِ ؟ / أيْنَ سَتَمُوتُ الضِّفدعةُ التي تَحْمِلُ بَراميلَ النِّفْطِ عَلى ظَهْرِهَا ؟ / مُسْتَقْبَلِي لامِعٌ كَمَسَامِيرِ نَعْشي / وَعِشْقُكِ أيَّتُها البُحَيرةُ مِنَ النَّوْعِ القَاتِلِ /
     كُنْ صَريحاً مِثْلَ شَهْوَةِ الزَّوجاتِ الخائناتِ / وَلا تَقْلَقْ عَلى نَزيفِ الغُيومِ / سَيَرْحَلُ الْحُزْنُ بَعْدَ بِنَاءِ عُشِّهِ في رِئةِ الأمواجِ / والأراملُ يَرْسُمْنَ وُجُوهَهُنَّ عَلى أوْعِيَتي الدَّمَوِيَّةِ / الملوكُ العَبيدُ / والفِئرانُ الملَكِيَّةُ / وتجاعيدُ الكاهنةِ / والنِّساءُ الْمُسْتَحِمَّاتُ في سُعالِ القَادةِ المهزومين /
     احْبِسْنِي أيُّها الشِّتاءُ في قَمِيصِكَ / خَائِفٌ أنا مِن أزهارِ الرَّبيعِ / أبْحَثُ عَن أمجادِ الوَحْلِ / وأمْشِي في زَفيري / تَفَرَّقَ دَمُ أبي بَيْنَ القَبائلِ / ودِمَاءُ أُمِّي تَصُبُّ في شَهيقي / وَالبَحْرُ يُوَحِّدُ أمواجَهُ ضِدَّ نفْسِهِ/ سَتَبكي السَّجينةُ عَلى صَدْرِ سَجَّانِها/ لا مُسْتَقْبَلَ لِي سِوَى الاحتضارِ/ فَاترُكْني للعَوَانِسِ يَا تاريخَ مِيلادي / تَزَوَّجَت التِّلالُ الموْتَ لِكَيْلا تَمُوتَ / ذِئْبةٌ تُرْضِعُ الرِّمَالَ / وأنا أرْضَعُ مِن ثَدْيِ البُنْدُقِيَّةِ / نَامِي يَا صَحْرَاءَ الدَّمْعِ عَلى ظَهْرِ حِصَاني الْهَزِيلِ/ أُمِّي تَضَعُ مِلْحَ دُمُوعِهَا في الطعامِ/ كَي يَأكلَ الأيتامُ في الشَّفَقِ الأسيرِ /
     انتظِرْني أيُّها الأرَقُ لأمْسَحَ ذِكْرَيَاتي بِقُماشِ أكفانِ النَّوارسِ / سَأرْتَدِي ثِيَابَ الإعدامِ التي غَسَلَهَا الذبابُ بِسُعالِ البَحَّارةِ الغَرْقَى / سَيَظَلُّ صُداعُ الفَتَيَاتِ في مَناديلِ المرفأ / فَكُنْ وَردةَ الرَّحيلِ بَيْنَ حِجَارةِ النَّيازكِ وأرصفةِ الموانِئِ / وَدِّعْنِي أيُّها المساءُ في ضَبابِ الْمُدُنِ التي اغْتَصَبَهَا السُّلُّ / أُوَدِّعُ وَجْهي في شَمالِ المرايا المخدوشةِ/ وأَقْرَأُ الفاتحةَ عَلى رُوحي/ مَلِكٌ سَجِينٌ في القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ / أبْنِي عَرْشي عَلى الأثاثِ الْمُسْتَعْمَلِ أمامَ ثُلوجِ الشُّرُفَاتِ الخريفِيَّةِ / عَرْشِي يَتَّسِعُ لِكُلِّ شَيْءٍ سِوَايَ/ أصطادُ السَّمَكَ مِن بَحْرِ دِمَائي أوْ بُحَيْرةِ دُموعي/ والجيوشُ حَوْلِي تتساقطُ في الرُّفاتِ الضَّوْئِيِّ/ وَالدُّوَيْلاتُ اللقيطةُ تَسْقُطُ في أحضاني كَحَشَائِشِ الْمَدَافِنِ/ افْرَحْ يا حَفَّارَ القُبورِ/ سَيَكُونُ قُمَاشُ أكفانِكَ مُسْتَوْرَدَاً / سَيَكُونُ شَاهِدُ قَبْرِكَ مِنَ الكريستالِ / سَيَكُونُ سُورُ المقبرةِ بُرْجاً للحَمَامِ/
     أظافري الفُسْفُورِيَّةُ / وَالزَّوْجَاتُ الخائناتُ يَحْفَظْنَ جَدْوَلَ الضَّرْبِ / وأرقامَ الأضرحةِ / وأرقامَ الزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ / وَأرقامَ هَوَاتِفِ عُشَّاقِهِنَّ / فَكُنْ وَاثِقَاً بالصَّيادِ والفَريسةِ / سَيَصْطَادُ الغروبُ الظِّبَاءَ في يَاقُوتِ الرُّعودِ .