13‏/10‏/2019

الأمنية الأخيرة للمحكوم بالإعدام / قصيدة

الأمنية الأخيرة للمحكوم بالإعدام / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     سَقَطْتُ في قَاعِ نفْسي / وَقَعَ الليلُ في بِئْرِ شَهيقي / تتساقطُ دُموعُ أُمِّي في فِنجانِ القَهْوةِ / وَيُقاتِلُ قَلبي في الصَّحراءِ بِلا رَايةٍ ولا طُبولٍ / بُكائي طَبْلُ الْحَرْبِ / اسْتَعَارَتْهُ الفِرْقَةُ الموسيقِيَّةُ / وَضَعَتْهُ بَيْنَ خَشَبَةِ المسْرَحِ وخَشَبَةِ الإعدامِ/والكُهَّانُ يُصَفِّقُونَ للحَمَامِ الزَّاجِلِ عَلى خَشَبَةِ الصَّليبِ/
     عادَ الجنودُ المهزومونَ مِنَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ إلى سُوبر ماركت العَوانسِ / يَتَحَرَّشُ القَسَاوِسَةُ بالرَّاهباتِ/ والبَقُّ يَأكُلُ زُجاجَ كَنائِسِ القُرونِ الوُسْطَى / يَتكاثرُ الجرادُ عَلى تُحَفِ الكاتِدْرَائِيَّاتِ / والكاهنةُ تَبكي في الصَّدى الوَحْشِيِّ الصَّوْتِ الْمُوحِشِ/ والمساءُ يُنَظِّفُ قَميصَ الرِّياحِ مِنَ الكُوليرا / وحِجَارةُ النَّيازكِ تَصْرُخُ في هَوْدَجِ الغريبةِ / صَارَت الحضارةُ بَعُوضةً عَلى خُدودِ رَاقصةِ الباليه / نَسِيَت الصَّبايا الواثقاتُ مِنْ صَلْبِهِنَّ الرَّسائلَ الغراميةَ عَلى مَقاعِدِ الكَنيسةِ / وَالغُروبُ لا يَسْمَعُ بُكَاءَ البُوسنِيَّاتِ تَحْتَ جُسورِ سَراييفو/ فَاضْحَكْ أيُّها الغريبُ/ لا زَوْجَةٌ تَفتخِرُ بِكَ أمامَ أُمَرَاءِ الْحُرُوبِ/ ولا عَشيقةٌ تَفتخِرُ بِكَ أمامَ مُلوكِ الطوائفِ /
     دُمُوعُ النِّساءِ في دَلْوِ البِئْرِ/ والرِّيحُ تَرْمِي حِبَالَ المشانقِ للغَرْقَى في آبارِ الغروبِ/ بِدايةُ القَصيدةِ هِيَ نِهايةُ العَالَمِ / فَابْدَأْ مِن نِهَايَةِ الرِّياحِ في خَريفِ الأشلاءِ / أَكْمِلْ مَا بَدَأَهُ المساءُ الذي يُشَرِّحُ جُثتي تَحْتَ أشجارِ السِّنديان / إِنَّ الموْتَ هُوَ الضَّوْءُ في آخِرِ النَّفَقِ /
     أَذْهَبُ إلى مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ / تارِكاً وُجوهَ الشَّرْكَسِيَّاتِ عَلى حِيطانِ زِنزانتي / يَا وَحْشَتِي/ يا وَحْشَةَ النُّسورِ حِينَ تَحترِقُ أجْنِحَتُهَا في شَهيقي / تتكاثرُ في أشلائي رُمُوشُ الفَتَيَاتِ السَّائراتِ في غَرْناطَة / وتتكاثرُ السُّجونُ في سَقْفِ حَلْقي / ظِلالُ الإِمَاءِ عَلى أساوِرِ الزَّوبعةِ / والرَّمْلُ يَظُنُّ البُحَيرةَ حَامِلاً مِن انتفاخِ جُثتها /
     يَا وَرْدَةَ النَّزيفِ / أيَّتُها السُّنبلةُ التي تَنتظِرُ وَقْتَ الحصَادِ / يَكْتُبُ النَّهْرُ وَصِيَّتَهُ قَبْلَ حُكْمِ الإعدامِ/ صَغيرةٌ أنتِ على الْحُبِّ يَا قَاتِلَتِي/ كَبيرةٌ عَلى المِقْصَلةِ يَا صَغيرتي / أنتِ سِجْني وَسَجَّانتي/ حَرِّرِيني مِن أجفاني / احْرِقِي أشرعةَ السُّفُنِ التي تُبْحِرُ في شَراييني / لَم يَعُدْ في أحلامِ الطفولةِ غَيْرُ كُحْلِ البُحَيراتِ وزَعْتَرِ المذابِحِ / فيا وَطَنَ الخِيَامِ / كَم عَدَدُ الخِيَامِ في طَريقِ البَحْرِ ؟ / يَسْقُطُ دَمْعي الأزرقُ في الشَّايِ الأخضرِ / كُوني يَا أطلالَ القَلْبِ المهجورِ طُفولةَ أشلائي / لأظَلَّ شَابَّاً إلى الأبَدِ / كُونِي طُفولتي يا جَدَائِلَ النَّيازكِ/ لأكْتُبَ رَسائلَ العِشْقِ للنَّوارِسِ/ أنامُ عَلى سَطْحِ بَيْتِنَا المهجورِ في الأندلسِ / أنتظِرُ الأمطارَ القديمةَ / والطائراتُ تَقْصِفُ خِيَامَ اللاجِئينَ / يا وَطَنَ الأنهارِ اللاجِئَةِ /
     سَأصِيرُ بَعْدَ اغتيالي قَصْراً رَمْلِيَّاً تَبْنِيهِ العَوَانِسُ وتَهْدِمُهُ الأرامِلُ/ تَبْنِيهِ الأراملُ وتَهْدِمُهُ العَوَانِسُ/ سأظلُّ بَيْنَ الوَرْدِ والشَّوْكِ غَريباً مَطْرُوداً مِن دِمائي / أعْطَاني مُعَلِّمُ الرِّياضِيَّاتِ رَقْمَ خَيْمَتي ورَقْمَ قَبْري / وَمَاتَ عَلى رَصيفٍ بِلا رَقْمٍ في شَارعٍ بِلا اسْمٍ / تُولَدُ الفَرَاشَاتُ عَلى أكتافِ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ/ وَتَبْقَى الْجُثَثُ الْمُتَحَلِّلَةُ في عَصيرِ الليْمُونِ / يُصْبِحُ ذُبُولُ نِسائِنا أقواسَ النَّصْرِ في مُدُنِ الهزيمةِ / فَاحْمِلِي جُثمانَ البُحَيرةِ عَلى ظَهْرِ حِصَاني / بُوصَلَةُ ضَريحي تَتَّجِهُ نَحْوَ الْحُزْنِ في عَيْنَيْكِ / مَن المرأةُ المدفونةُ في رَبطةِ عُنُقي ؟ /  لا شُيُوخُ القَبائلِ يَنتظِرُونني في حَرْبِ البَسُوسِ / ولا الْهُنُودُ الْحُمْرُ يَحْفَظُونَ جَدْوَلَ الضَّرْبِ لِيَحْسِبُوا عَدَدَ القَتْلَى/ اكتشفَ البَدْوُ الرُّحَّلُ آبارَ النِّفْطِ في نُهُودِ نِسَائِهِم / وجُثماني هُوَ الحاجِزُ العَسكرِيُّ بَيْنَ البُوسنِيَّاتِ والصِّرْبِيَّاتِ /
     خَطَبْتُ الأمواجَ / تَزَوَّجْتُ الشُّطآنَ / طَلَّقْتُ الرِّمالَ / وَدَقَّاتُ قَلْبي تَخْلَعُ هَيْكلي العَظْمِيَّ /  أنا الصَّحراءُ التي تَنتظِرُ المطرَ / وَتَشْرَبُ الأحلامَ الضائعةَ / وَتَأكُلُ الطفولةَ الْمُهَشَّمَةَ / أنا صَخْرَةُ الرَّحيلِ التي تَنتظِرُ زَهْرَاً يُفَتِّتُهَا / سَوْفَ أُدْفَنُ تَحْتَ الشَّجرةِ التي كُنْتُ ألعبُ تَحْتَهَا في طُفُولتي /
     لا زَوْجَاتُ النَّهْرِ يَنتظِرْنَ اكتئابي تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ / ولا رَاهِبَاتُ النَّزيفِ يُوَزِّعْنَ الماريجوانا على الزَّوْجاتِ الخائناتِ / فازْرَعُوا خِيَامَ البَدْوِ بَيْنَ شَراييني ونَعْنَاعِ المقابرِ / سَتَذْهَبُ اللبُؤةُ مَعَ النَّمِرِ / وَيَبْقَى الأسَدُ وَحيداً يَصطادُ الأُغْنِيَاتِ الحزينةَ /
     يَا أرْمَلَتِي / خُذي حَبْلَ مِشْنَقَتِي تِذْكَاراً / الوَطَنُ تائِهٌ في عُرُوقي كُحْلاً للأراملِ / والزَّوابعُ تَصْعَدُ مِن سُعالِ الزَّنابقِ خِيَامَاً للغَجَرِ / كُنْ قَريباً مِنَ الْمُسَدَّسَاتِ بَعيداً عَن الفَرَاشَاتِ/ سَتَظَلُّ البَغايا وَاقفاتٍ تَحْتَ المطَرِ يَنْتَظِرْنَ أحلامَ الطفولةِ/وَالسَّنَاجِبُ تَقْلِي نَوْبَاتِ اكتئابي في زَيْتِ الزَّيتونِ/ وأحزانُ الطفولةِ تَسْتَلْقِي عَلى تَنُّورةِ البُحَيرةِ العَرْجَاءِ /
     أَخْرِجُوا رُفَاتَ اليَاسَمِينِ مِن عَطَشِي/ سَأَغْرَقُ مَعَ السَّفينةِ التي أحْبَبْتُهَا / يَا بِلادي الضَّائعةَ بَيْنَ شَهيقي وزَفيري / يَفْتَحُ الجنودُ المهْزُومُونَ قُبُورَهُم أمامَ السَّائحاتِ / وتَفْتَحُ الأراملُ أفخاذَهُنَّ أمامَ البَحْرِ القَتيلِ / ويُغْلِقْنَ قُلُوبَهُنَّ أمامَ السُّنونو / فَكُنْ يَا صَديقي أنيقاً عِندَما تُصْبِحُ رَبطةُ عُنُقِكَ حَبْلَ مِشْنَقَتِكَ / وَاغْفِرْ للنِّساءِ اللواتي يَجْلِسْنَ عَلى ضَرِيحِكَ / يَشْرَبْنَ صَهيلَ البُكاءِ / ويَغْسِلْنَ عُشْبَ المقابرِ بالدَّمْعِ السَّاخِنِ / وَيُنَاقِشْنَ الضَّعْفَ الجِنْسِيَّ لأزْوَاجِهِنَّ / اكْتَشَفْتُ مُسْتَقْبَلِي السِّيَاسِيَّ في الحياةِ العاطِفِيَّةِ للرِّمالِ/ يَرْتَدِي الليْلُ نَظَّارَاتٍ سَوْدَاءَ لِيَهْرُبَ مِن جِلْدِهِ الأخضرِ / يَبْكي الْمُهَرِّجُ تَحْتَ المطَرِ لِكَيْلا تَرَى لاعباتُ السِّيركِ دُمُوعَهُ / فَيَا أيَّتُها السُّنبلةُ الْمُحْتَرِقَةُ في خَوَاتِمِ الملوكِ / اترُكي العَباءةَ التي تَحْمِلُ لَوْنَ كُحْلِكِ في الخِزَانةِ قَبْلَ انتحارِكِ /
     العَذْرَاءُ تَخْلَعُ العَدَسَاتِ اللاصِقَةَ / وتَدْخُلُ إلى غُرفةِ الاعترافِ / والعصافيرُ تَنْقُرُ جَمَاجِمَ الأسيراتِ / لَن أَصْرُخَ في زِنزانتي / فَلْتَسْمَع الحِيطانُ صَوْتَ المطَرِ / سَأَشُمُّ أجفانَ الأمواجِ البِكْرِ / وأنامُ في حُفرتي/ ويَنامُ حِصَاني في الفَراغِ العاطفِيِّ / سَتُصْبِحُ الأمواجُ مَخَازِنَ أسْلِحَةٍ / يُخَزِّنُ الشِّتاءُ الدَّامي في قَارورةِ الحِبْرِ ذِكْرَياتِ الجنودِ الْهَارِبِينَ مِنَ المعركةِ / فَلا تُمَارِسِي الجِنْسَ مَعَ جُثةِ عَشيقِكِ أيَّتُها الكَاهِنَةُ / مَصْلُوبةٌ أنتِ بِلا صَليبٍ / والوَحْلُ يَسِيلُ عَلى قَارُورةِ العِطْرِ / وَالتاريخُ يُعِيدُ السَّكاكينَ التي اسْتَعَارَهَا مِن مَطْبَخِ الأراملِ / غَابَاتُ رِئَتي هِيَ الأحزانُ الْمُعَلَّبَةُ / بِطِّيخةٌ تَتَقَاسَمُهَا الخناجرُ المسمومةُ / كالشَّوارعِ الخلفِيَّةِ في مَسْرَحِيَّةِ تَزْوِيرِ الانتخاباتِ /
     للدُّودِ أجسادُنا / فَقُلْ أيُّها الدُّودُ كَلِمَةَ السِّرِّ / وانْهِ اللعبَةَ القَاتِلةَ / أحزانُ البَراري تَصُبُّ في رِئَةِ البَحْرِ / والموْجُ البَرِّيُّ هُوَ نشيدُ الإعدامِ / والمطرُ يَكتبُ وَصِيَّتَهُ الأخيرةَ عَلى شَظَايا جُمْجُمَتي / كَتَبَ الصَّقيعُ في صَالةِ الرَّقْصِ قَوانينَ الطوارِئِ / يَدْخُلُ الثلجُ في أكفانِ الأنهارِ نَقِيَّاً كَالدَّمِ الْمُقَطَّرِ / دُمُوعُ الأمطارِ سَاخنةٌ عَلى جَدائلِ البَناتِ / الخارِجاتِ مِنَ التاريخِ / الذاهباتِ إلى الوَأْدِ / وَاثِقَاتٍ مِنَ الضَّوْءِ في آخِرِ النَّفَقِ /
     أُطْلِقُ قَلَمَ الرَّصاصِ عَلى مُسَدَّسي / تُشْرِقُ أجفاني في شِتَاءِ الْهَلَعِ / أموتُ كُلَّ يَوْمٍ في بِلادي / طِفْلٌ يَمشي تَحْتَ أشجارِ الأرَقِ في لَيْلِ الشِّتاءِ الطويلِ / يُذَوِّبُ النَّزيفُ جُثةَ أُمِّهِ في كُوبٍ حَليبٍ مُلَوَّثٍ بالذِّكرياتِ / طَلَبَت البُحَيرةُ الطلاقَ مِنَ البَحْرِ / دَمي مَسْكُوبٌ في حُفَرِ المجاري / دَمْعي يَسِيلُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / لَكِنَّ جُثماني يَصْعَدُ مِنْ تَحْتِ الأرضِ / كَي يُعيدَ بِنَاءَ حَضَارةِ الدَّمِ عَلى نوافذِ القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ / تُسْحَقُ جَدائلُ النِّساءِ تَحْتَ حَوَافِرِ العَصافيرِ / وعَرَبَاتُ نَقْلِ الجنودِ تُحَطِّمُ الرُّموشَ الصِّناعِيَّةَ للنِّساءِ النُّحَاسِيَّاتِ /
     سَلامٌ عَلى المشْنُوقِينَ يُولَدُونَ في مِعْطَفِ الرِّياحِ/والزَّوابعُ تَحْصُدُ الذِّكرياتِ كالحطَبِ الأخضرِ/ والمطَرُ يَحْصُدُ الأحياءَ والأمواتَ/ أيُّها الغريبُ/ سَتَمُوتُ وَحْدَكَ في غَابَةِ الأظافرِ/ وَحْدَهَا السَّناجِبُ سَتَبْكِي أمامَ نَعْشِكَ الزُّجَاجِيِّ / تَنْشُرُ الملِكَاتُ الغسيلَ عَلى الحِبَالِ الصَّوْتِيَّةِ للضَّحايا / تَصيرُ مَلِكَةُ النَّحْلِ عَامِلَةَ نَظَافَةٍ/ تُخَطِّطُ لانقلابٍ عَسكرِيٍّ في حَاويةِ القُمامةِ/ وَالزَّوابِعُ تَحْتَجِزُ جُثماني في ثَلاجَةِ  الموْتَى / وَأُمِّي تُضَيِّعُ وَقْتَهَا في الانتظارِ / نَحْنُ مَحْكُومُونَ بالإِعْدَامِ والحنينِ والانتظارِ .