16‏/10‏/2019

أنا ميت وأنتظركِ كي تُحييني / قصيدة

أنا ميت وأنتظركِ كي تُحييني / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     القِطَطُ التَّائهةُ في مَمَالِكِ الصَّقيعِ / سِيجارٌ مُعَطَّرٌ بالأراملِ / صَالةُ الرَّقْصِ قُرْبَ المجزرةِ / يَستأجرُ النَّخْلُ مَشَاعِرِي في حَفْلةِ القَتْلِ / وَكَانَ الزَّبَدُ بُنْدُقِيَّةً مَأجُورةً / يَا وَطَناً بَاعَهُ العُشَّاقُ في الْمَزَادِ العَلَنِيِّ/ مَاتَ الوَطَنُ مَاتَ الْمَنْفَى/ حَياتُنا حَفْلَةٌ تَنَكُّرِيَّةٌ للضَّحايا/ فَكَيْفَ نُفَرِّقُ بَيْنَ البَحْرِ القاتلِ والبَحْرِ الضَّحِيَّةِ ؟ / زَيِّنِي حَقيبةَ السَّفَرِ يَا بُحَيرةَ الدِّماءِ / وَارْحَلِي باتِّجاهِ غِنَاءِ الطيورِ التي تُظَلِّلُ جُثماني الثاني/ ضَوْءُ الزَّنازينِ يُقَشِّرُ جَمَاجِمَ الأسْرَى / كالبُرتقالِ النَّازِفِ هَديلاً للغُرباءِ / وَظِلالاً للعُشَّاقِ العاطِلِينَ عَن العَمَلِ/ فَكُنْ فَاشِلاً في الْحُبِّ / لِتُصْبِحَ شَاعراً بَيْنَ حُدودِ اليَمامِ وَحَدِّ السِّكين / ولا تَبْكِ على أبيكَ المشنوقِ عَلى النَّخيلِ / سَيُولَدُ الأمواتُ مِن جُروحِ السُّنبلةِ / فَعِشْ في قَلْبِ الإِعصَارِ / لِيَرْحَمَكَ الإِعصارُ حِينَ يَحْرِقُ ذِكْرَيَاتِ الثلجِ عَلى أكواخِ الصَّفيحِ /
     أنتَ أيُّها الحطَبُ مَهْوُوسٌ جِنسِيَّاً / لَكِنَّ جَسَدَكَ يَخُونُكَ في مُنْتَصَفِ الطريقِ إلى مَتَاحِفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَالعَصافيرُ تَرْمِي عَرَقَهَا في عِطْرِ الجنون / فَلا تُضَيِّعْ وَقْتَ العَبيدِ يَا نَهْرِ اليَتَامَى / ارْفَع الرَّايةَ البَيضاءَ / سَقَطَتْ عَاصِمَةُ أحزانِ الطفولةِ / وَالجنودُ الذينَ لَم يَسْتَحِمُّوا مُنذُ ألْفِ عَامٍ / يَغْتَصِبُونَ الشَّقْرَاوَاتِ تَحْتَ المطَرِ / الزَّمانُ والمكانُ سِجْنَان / وَالْمَوْتُ يُحَرِّرُنا مِن أنفُسِنَا وَقَهْوَةِ المساءِ / كُلُّنَا مُتَعَادِلُونَ كَنَظَرِيَّاتِ الكِيمياءِ / نَتَسَاوَى في الْمَوْتِ العَادِلِ/ وَيُعَانِقُ نَعْشُ القَاتِلِ نَعْشَ القَتيلةِ/ وَتُصْبِحُ عِظَامُنَا طَاوِلَةَ مُفَاوَضَاتٍ في قَصْرٍ رِيفِيٍّ / يُطِلُّ عَلى خِيَامِ اللاجِئينَ ومَجَازِرِ النَّعناعِ/
     شُعُوبٌ بَاعَتْ شَرَفَهَا مِنْ أجْلِ الرَّاتِبِ الشَّهْرِيِّ / جِلْدي مَوْجٌ لا يَلْمَعُ / وَحُزني يَتَّسِعُ لِكُلِّ القَتْلَى إِلا أنا / الْمَيْتُ لا يَمُوتُ / والبابُ المفتوحُ لا يُفْتَحُ / تَتَمَرَّدُ أبْجَدِيَّتي عَلى قَصيدتي / يَا امرأةً تَتَعَطَّرُ بِغَازِ الأعصابِ / لا تَلُومِيني إذا انهارتْ أعصابي أمَامَ جُثْمَانِكِ / مَاتَت الأسماكُ في بَراميلِ النِّفْطِ / وانكَسَرَت الذِّكرياتُ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / والليلُ يَنْسَخُ قَصائدي عَلى الرَّصاصِ المطاطِيِّ / وَنُذَوِّبُ رُفَاتَ آبائِنا في إِبريقِ الشَّايِ / كَي نَهْرُبَ مِنَ الْمُخْبِرِينَ وَالصُّوَرِ التِّذكارِيَّةِ /
     كُنْ صَديقي يَا قَاتِلِي/ وَاحْمِلْ نَعْشِي تَحْتَ قَمَرِ الْمُدُنِ المنبوذةِ/ وَابْحَثْ عَن ضَفائرِ أُمِّكَ بَيْنَ القَتْلَى / كُوني أيَّتُها التِّلالُ الذهبيةُ عَشيقةَ دَمِي / تَقْتُلُنِي وُجوهُ النِّساءِ في الخريفِ البَعيدِ / فَكَيْفَ تَعْرِفُ أجفانَ القَاتِلَةِ في الزِّحَامِ الضَّوْئِيِّ ؟ / كَيْفَ تَعْرِفُ رُموشَ القَتيلةِ في زَحْمَةِ الكَهْرَمانِ ؟ / سَجِّلْ قَلْبَكَ ضِدَّ مَجهولٍ / وَابْكِ عَلى الذينَ مَاتوا يَحْمِلُونَ جِنسِيَّةَ الأعشابِ / لَيْسَتْ أشلائي ذَهَبَاً لَكِنَّهَا تَلْمَعُ / وَالذِّكرياتُ دَبابيسُ مِنْ بُرتقالٍ / فيها أيُّها الوَطَنُ الضَّائعُ في الأغاني الوَطنيةِ / سَتَعْزِفُ فِئرانُ التَّجَارُبِ النَّشيدَ الوَطنيَّ بَيْنَ الكَابُوسِ والدَّبُّوسِ/سَتُولَدُ دُمُوعُ التفاحِ في لَيْلِ الشِّتاءِ/ وتَرْتَدي الفَتَيَاتُ فَساتينَ العُرْسِ بِسُرْعَةٍ لِيَمْشِينَ في جِنازتي / سَأَنتخِبُ حُزني أميراً على أطلالِ قَلْبي/ قَبْلَ رَحيلِ الغَجَرِ إلى ظِلالِ السُّيوفِ / وَبَعْدَ هِجْرَةِ البَدْوِ الرُّحَّلِ إلى الفَرَاغِ العَاطِفِيِّ / فَلْتَمُتْ كَي تَتَحَرَّرَ مِنَ الموْتِ /
     أيَّتُها الشَّمْسُ الضَّائعةُ بَيْنَ السَّمَاسِرَةِ والقَوَّادِين / اكْسِرِي قِنَاعَكِ الْحَجَرِيَّ لِيُولَدَ هَذا الوطنُ الْمَنْفَى مِن صَهيلِ الأحزانِ / البَشَرُ قَرَابِين / وَالْمَعْبَدُ سَقَطَ عَلى الكَاهِنَةِ وَهِيَ تَسْتَحِمُّ بالصَّدَمَاتِ العاطِفِيَّةِ / وَبَقِيَتْ رَائحةُ الصَّابُونِ عَلى لُحُومِ الْمَشْنُوقِينَ / كُلَّمَا أحْبَبْتُ امْرَأةً هَرَبْتُ مِنها / الموْتُ يُنادي عَلَيَّ / وَلا بُدَّ أَن أُلَبِّيَ / وَحِينَ تَحترِقُ رِمَالُ قُلوبِنا بالْحُبِّ / سَيَكْتُبُ الموْجُ أسماءَ العُشَّاقِ القَتْلَى / عَلى قِرْمِيدِ الأكواخِ في غَابَةِ البُكاءِ / وَحِينَ تَدُسُّ أشِعَّةُ القَمَرِ السُّمَّ في ذِكْرَياتي سَتَمُوتُ فَرَاشَاتي/ أُولَدُ شَمْسَاً تَصْقُلُ أضرحةَ الكريستال/فَيَا أيُّها الوَطَنُ الْمُوَزَّعُ بالتَّساوي بَيْنَ الشُّهداءِ والرَّاقصاتِ / كَيْفَ تَعْرِفُ أجفانَ دُودةِ القَزِّ في القَطِيعِ الْمَذْعُورِ؟/
     أيَّتُها الْمُدُنُ المزروعةُ بالحواجِزِ العَسكرِيَّةِ / أيَّتُها الأُكْذُوبةُ الْمُرَصَّعةُ بالموانِئِ العَاشِقَةِ في عِيدِ احتضارِ العَوَانِسِ / وَطَني زَهْرَةُ خَشْخَاشٍ مَنبوذةٌ / تَقْتَفِي اليَمامةُ آثارَ العِشْقِ القاتلِ في شَرايينِ السُّنونو / أرْشِدِيني يَا ذُبابةَ الخريفِ إلى رَائحةِ العُشْبِ في شَمَالِ قَبْرِ أبي / يَغتالُني المطرُ الأزرقُ في الخريفِ الدَّامي / لَكِنِّي سَأظَلُّ حَيَّاً في قَلْبِ امرأةٍ مَا / قَتَلْتُ المرأةَ التي رَسَمْتُهَا في خَيَالِي / كَي تَرْتَاحَ الفِضَّةُ مِن بَريقِ الذهبِ / وَفَتَحْتُ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ مَأْتَمَاً للعَصَافيرِ اللاجِئَةِ /
     أيَّتُها الكَاهِنَةُ التي تَصُبُّ دُمُوعَهَا في أباريقِ الفَخَّارِ / وَتَسْكُبُ دِمَاءَهَا في كُوبِ العَصِيرِ / تَختبِئُ الأراملُ وَراءَ المزهرِيَّاتِ خَوْفاً مِن عُيونِ القَنَّاصِ / اخْتَفَتْ مَلامِحِي لأنَّ الضَّبابَ زَرَعَ النَّخيلَ في جَسَدي المصْلُوبِ/ ذَهَبَت الملِكَاتُ إلى المراحيضِ الْمُذَهَّبَةِ/ والعَبيدُ يُضَاجِعُونَ الأميراتِ عَلى قَشِّ الإسْطَبْلاتِ/ وأنا العاشقُ المنبوذُ / خَانَتْنِي المرايا / وأكتبُ اسْمي عَلى الرَّصاصةِ الأخيرةِ/
     سَيَخُونُكَ أَسْمَنْتُ الذاكرةِ في مَمَرَّاتِ الكَهْرَمَانِ / فَلا تَعْشَقْ غَيْرَ حُزْنِكَ / سَيُفَتِّشُ صَابُونُ الفَنادقِ الرَّخيصةِ عَن دُمُوعِكَ في المساءِ المكسورِ / سَتَكُونُ المرايا شَاهِدَةً عَلى بُكائِكَ / سَيَجْلِسُ عُشْبُ المقابرِ عَلى نَبْضِكَ الشَّتَوِيِّ في البَراري الْمُرْتَعِشَةِ / وَسَاعِي البَريدِ يُوَزِّعُ إشاراتِ الْمُرُورِ عَلى خَفافيشِ الْمَعْنَى المسروقِ / والبُحَيراتُ تَغْزِلُ الرُّومَانسِيَّةَ تُفَّاحاً للعُشَّاقِ الْمُخْلِصِينَ كَقَوَانِينِ الطوارِئِ / أنا مَا تَنَاثَرَ مِن نَخيلِ خَارطةِ الأحزانِ / أنا بَقايا أشلاءِ النَّوارسِ تَحْتَ أزهارِ اللوْزِ / فيا أيُّها الجنديُّ الخاسِرُ في الحربِ / سَتَخْسَرُ في الْحُبِّ أيْضَاً / ما أصْعَبَ أن تَخْسَرَ في حَرْبَيْنِ .