02‏/10‏/2019

أغنية للبحيرات الجافة / قصيدة

أغنية للبحيرات الجافة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

     احْضُنْ تضاريسَ الغَيْمِ الأحمرِ / كَي تَعْرِفَ مَلامِحَ الرِّجالِ في المقابرِ الجمَاعِيَّةِ/ لَو أنِّي أَقْدِرُ عَلى تَهْرِيبِ الموانِئِ مِن جِلْدي/ لَوْ أنِّي أهْرُبُ مِن رُموشي / أحْمِلُ وَحْشَاً بَيْنَ أضلاعي لا أستطيعُ قَتْلَهُ / والرُّعودُ كَسَرَتْ ألواحَ صَدْري لِتَدْخُلَ عَوَاصِفُ الكَهْرَمانِ إلى قَلبي /
     أيُّها الشَّجَرُ البِكْرُ/ لا تَرْفَعْ سِلاحَكَ في وَجْهي/ إِنَّ أُمِّي تَنتظِرُ عَوْدَتي بِكِيسِ الْخُبْزِ / أنا سَاعي البَريدِ الذي بَاعَ الرَّسائلَ / لِيَشْتَرِيَ أكْفَاناً لأراملِ القُرى المنبوذةِ / أضَعْتُ خَارِطَةَ لَحْمِ آبائي في طَريقِ المجزرةِ / وَكَانتْ أجفانُ عُمَّالِ النَّظافةِ تَتساقطُ عَلى الْمَكَانِسِ / أرْجُوكِ يَا أُمِّي / لا تَتْرُكِيني للنِّساءِ الْمُتَوَحِّشَاتِ / لَم يَبْقَ في بِطَاقتي الشَّخصيةِ سِوى تاريخِ مِيلادِ العَوَاصِفِ / عَشَاءٌ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ قَبْلَ المجزرةِ / وَيَهْدِمُ الأطفالُ القُصورَ الرَّمْلِيَّةَ ضَاحِكِين / فَلِمَاذا تَكْتُبُ دُستورَ الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ أيُّها البَحْرُ المشْلُولُ ؟ /
     أيْنَ عَصَاكَ أيُّها السَّاحِرُ الأعْمَى ؟ / كُلُّ الْمُشَعْوِذِينَ يُشَكِّلُونَ حُكومةَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / وأنتَ ما زِلْتَ على عَتَبَاتِ البُيوتِ مَعَ العَجائزِ / أبيعُ قِطَطَ الشَّوارعِ لأُسَدِّدَ دُيونَ أبي المقتولِ عَلى أجنحةِ الحمَامِ / أُفَصِّلُ مِن جِلْدِ الزَّوابعِ سَرَاويلَ للبَحْرِ الْمُشَرَّدِ / لَسْتُ أنا الخليفةَ / كَي تَتقاتلَ الجواري على احتكارِ مَشاعري / العِشْقُ مِقْصَلتي / والأمطارُ مِشْنَقَتي / فَكَيْفَ أهْرُبُ مِن جِلْدي / يَا مَن تُبَدِّلِينَ جِلْدَكِ حَسَبَ لَوْنِ التَّنورةِ القَصيرةِ؟/ أركضُ تحت المطرِ بَاكِياً/ لِكَيْلا تَرى الأشجارُ دُموعي/ وأسألُ أشلاءَ الخريفِ / مَن هَذِهِ المرأةُ الْمُتَّشِحَةُ بِثِيَابِ الحِدَادِ ؟ /
     عِشْتُ وَحيداً / وَمِتُّ وَحيداً / وَكَانتْ حَيَاتي رِحْلَةَ اكتشافِ الموْتِ / وَكَانتْ ذِكْرياتي رِحْلَةَ البَحْثِ عَن رُخامِ الأضرحةِ / تَزَوَّجَ الصَّدى أصواتَ بَاعَةِ الذِّكرياتِ / عَلى عَرَبَاتِ الْخُضارِ أمامَ مَحاكمِ التَّفتيشِ / تنامُ بَراميلُ البَارودِ عَلى مَناديلِ الصَّبايا السَّائراتِ في الجِنازةِ العَسكريةِ / وأخْجَلُ مِن أدغالِ رُموشي عَلى بَلاطِ المطاراتِ أو بَلاطِ الزَّنازين / وُلِدْتُ في السَّرابِ / وَكَانت الصَّراصيرُ تُلْقِي الأوامرَ العَسْكَرِيَّةَ عَلى صَحْراءِ الياقوتِ / وَمَوْكِبُ السَّبايا يَغْرَقُ في الرِّمالِ الْمُتَحَرِّكَةِ / وَالزَّبَدُ لَم يُمَارِس الجِنْسَ مَعَ إِسْطَبْلاتِ الدَّمْعِ / ذَهَبْتُ إلى الموْتِ / وَبَقِيَ دَمي عَلى فُرشاةِ الأسنانِ تِذْكَاراً لأحلامِ الطفولةِ / والطاعونُ يَأخذُ دَمَ الحيْضِ تِذْكاراً للصَّدَماتِ العاطِفِيَّةِ / سَقَطَ دَمُ العاشِقينَ في عَصيرِ البُرتقالِ / ورَحَلُوا مِنَ الكافتيريا إلى مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ / فَخُذْ أُغنياتي الحزينةَ تِذْكاراً / كَمَا يَأخذُ سَرَطَانُ الثَّدْيِ صَدْرَ البُحَيرةِ تِذْكاراً /
     أُمِّي تُرْضِعُني كَي يَسْتَلِمَني الموْتُ وَأنا في أَوْجِ عُنفواني / أعيشُ في جَنُوبِ الصَّليلِ / أمُوتُ في شَمالِ الصَّهيلِ / لَن تَجِيءَ سُكَيْنَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ لِتُعَاتِبَ أهْلَ الكُوفةِ / لَقَدْ جَاءَ الوَسْوَاسُ القَهْرِيُّ يَا جَارتي / فَلا فَائدةَ مِن إِغلاقِ النَّوافِذِ /
     لا تَفْتَحي العَباءةَ أيَّتُها الملِكَةُ / لَقَد مَاتَ الإِسْكَنْدَرُ / تَعَالَيْ إِلى جُثمانِ النِّسْرِينِ كَي تَلْمَحِي البِطَاقةَ الشَّخْصِيَّةَ للأمواجِ / التي سَرَقَتْ مِشْطَ جَدَّتي / أنا كالإِمامِ ابْنِ حَزْمٍ تَرْبِيةُ نِسْوَان / وأيْنَ الرِّجالُ ؟ / زَرَعْنَاهُم في المقابرِ الجمَاعِيَّةِ / تَكْسِرُنا الذِّكرياتُ فَنُعَلِّقُ أصواتَ أُمَّهَاتِنا في بَراويزِ الصَّدى / البَيْتُ صَارَ فَارِغَاً / سَقَطَتْ قُمصانُ النَّوْمِ في صُحونِ المطبخِ / والأحلامُ تَنسكِبُ في الأضرحةِ / الأكفانُ البَيْضَاءُ عَلى الأثاثِ القُرْمُزِيِّ / والأغرابُ يَكتبونَ تاريخَ رُموشِنا / تَخْدَعُنا المرايا في الطريقِ إلى ضَوْءِ المذْبَحةِ / كَم هِيَ الأسرارُ التي دُفِنَتْ مَعَ هَؤُلاءِ الموْتَى ! /
     هَل يَشتاقُ الكَمَانُ إلى أصَابعِ العَازِفِ القَتيلِ ؟ / اتْبَعْ جِنازةَ السِّنديانِ حَتَّى مَسْقَطِ رَأْسِ الغَيْماتِ / فَلْيَكُنْ شَهيقُ الزَّيتونِ مَنْفَايَ الاختياريَّ / وَلْتَكُنْ سُنبلةُ القَلْبِ المكسورِ هِيَ زِنزانتي الانفرادِيَّةَ / سَتَأتي العَواصفُ مِن جُلودِ الأسْرَى / وتَتَوَقَّفُ الْجُثَثُ عَن الزَّواجِ في مَوْسِمِ تَكَاثُرِ البَعُوضِ / وَمَا مَوْتي سِوى مِيلادِ عَصَافِيرِ الأنقاضِ / وأثاثُ غُرفةِ الإِعدامِ هُوَ التاريخُ السِّرِّيُّ للفَرَاشَاتِ /
     اعْزِفي عَلى البيانو في لَيالي الشِّتاءِ / بَيْنَما الجيوشُ تَتقاتلُ عَلى السَّرابِ خَلْفَ نافذةِ الشَّفقِ / أيَّتُها الغيومُ التي تَترُكُ بَصْمَتَهَا عَلى سُعالِ أبي / نَامَتْ قُلوبُ أشجارِنا / وَلَم يَقْرَعْ جَرَسَ مَنْزِلِنا غَيْرُ البَعُوضِ / نَسِيتُ تَوْقِيعَ الذبابِ عَلى لَحْمِ البَنادقِ / قُتِلَ الجنودُ / وَبَقِيَتْ رَسائلُ زَوْجَاتِهِم في الخنادقِ/ وَلَم تَعُدْ بَراميلُ البَارودِ تَذْكُرُ مَناديلَ الأسيراتِ / أفسدَ الانقلابُ العَسْكَرِيُّ لَيْلَةَ مُمَارَسَةِ الجِنْسِ للمَلِكِ وَالملِكَةِ / فاكْسِرْ عُقَدَكَ النَّفسيةَ أيُّها النَّهْرِ / لَن تَجِيءَ البُحَيرةُ كَي تَبكي أمامَ جُثمانِكَ/ ولَن يَجِيءَ البَحْرُ كَي يَبْكِيَ عَلَيَّ/ لا وَقْتَ لِمُضَادَّاتِ الاكتئابِ يَا بَناتِ آوَى/ إِنَّ جَارتي العَمْيَاءَ تَنتظِرُ أن أشْتَرِيَ لَهَا خُبْزَ الأمواجِ / أبيعُ حَوَاجِبي للضِّباعِ لأشْتَرِيَ شَامبو ضِدَّ الذِّكرياتِ / تَحَرَّرْتُ مِن جَاذِبِيَّةِ الأمواتِ / وما زِلْتُ أسألُ مُدُنَ الهزيمةِ / عِندَما تَمُوتُ الجواري أيْنَ سَتَذْهَبُ قُمصانُ النَّوْمِ ؟ / كَم امْرَأةً تَبتسِمُ لِزَوْجِها وَهِيَ تَخُونُهُ ؟ /
     الكَمَانُ الْمَنْسِيُّ تَحْتَ المطَرِ / أُمِّي السَّنابلُ / والموْتُ أنجَبَنِي / لَكِنِّي اليَتيمُ الأبَدِيُّ / وُلِدْتُ في زَمَنِ احتراقِ اليَمامِ بالأُمْنِيَّاتِ / عِندَما كَانَ الملوكُ مُلُوكاً وَالسَّبايا سَبَايا / ارْحَمْني يَا ضَوْءَ القَمَرِ / ما زِلْتُ أحترِقُ في مَداراتِ الكَرَزِ / أنا الاشتعالُ الأخضرُ في خَاتَمِ اليَاقُوتِ /
     يا أنا / مَنِ القَتيلُ فِينا ؟ / وَدَاعَاً أيَّتُها الرِّمالُ الْمُتَحَرِّكَةُ / دَفَنْتُ فِيكِ حُبِّي الدَّامي / فيا أيُّها العُشَّاقُ الخوَنةُ / هَذا البَحْرُ الأعْمَى استعارَ جُثمانَ البَحَّارِ مِن زَوْجَتِهِ / أرْمَلةٌ تَنامُ مَعَ جُثةِ زَوْجِها / والْمُوميَاواتُ تُمارِسُ الجِنسَ تَحْتَ أوراقِ الخريفِ/ ويَتناثرُ عَرَقُ الأشجارِ عَلى مَكاتبِ العَبيدِ /
     أعْرِفُكَ أيُّها المِكياجُ المصْبُوغُ بالخِيَاناتِ الزَّوْجيةِ / وأنتظِرُ مُلوكاً مُهَرِّجِينَ يَأتُونَ مِن بَراميلِ النِّفْطِ / ويَرْقُصُونَ عَلى مَسْرَحِ العَرائسِ / تُذْبَحُ النِّساءُ بَيْنَ خَشَبَةِ المسْرَحِ وخَشَبَةِ الصَّليبِ / وَلَم أستفِدْ شَيئاً مِن عِشْقي الصَّافي / كالبِنْزِينِ الخالي مِنَ الرَّصاصِ / فيا وَطَني القَريبَ مِن تِيجانِ السَّرابِ / أيُّها الكَابُوسُ اللذيذُ / لا وَقْتَ للرُّومانسِيَّةِ كَي نُزَوِّجَ الإِمَاءَ للسَّلاطين / لا وَقْتَ في نَزيفِ الثلوجِ / كَي نَكْتَشِفَ مَلامِحَ غَرْناطةَ في خُدودِ لاعباتِ التِّنسِ الإِسْبَانِيَّاتِ / لا وَقْتَ يَا أُمِّي كَي نَلْمَحَ دِمَاءَ أبي الْمُتَفَرِّقَةَ بَيْنَ القَبائلِ / ستظلُّ الجثامينُ عَلى الحواجزِ العَسكرِيَّةِ / وَلَن يَأتِيَ أحَدٌ لاستلامِها / وسَوْفَ يَضيعُ حُلْمُ الطفولةِ بَيْنَ سَكاكينِ المطبخِ وأُغْنِيَاتِ الرَّحيلِ /
     كُلَّ لَيْلَةٍ / أَسْقِي وِسَادتي بِدُمُوعي / فَتَنمُو السَّنابلُ والذِّكرياتُ والخناجرُ / ويَكْتُبُ السَّجَّانونَ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ / أعْطُوا الزَّبَدَ فُرْصَةً كَي يَتَشَقَّقَ قِنَاعُ الضَّحيةِ في أُغْنِيَاتِ العَطَشِ / أوْرِدتي مِضَخَّةُ مِيَاهٍ لِحُقُولِ الزَّرْنيخِ / وحارسُ المقبرةِ الْمُتَقَاعِدُ لَم يَجِدْ قَبْراً يَغتصِبُ رُمُوشَهُ ويَقْتُلُ أحلامَهُ / أُرَبِّي أطفالَ البُحَيرةِ بَعْدَ مَقْتَلِهَا في حَادِثِ سَيْرٍ / وأجْمَعُ أجفانَ النَّوارسِ المنثورةَ عَلى حَجَرِ النَّرْدِ / أنتظرُ الليمونَ الذي يَأتي مِن عِظَامِ الأمواتِ / كَي أشْرَبَ عَصيرَ الهزيمةِ / كُونوا هَادِئِينَ كَالعَبيدِ الذي يُقْتَلُونَ في المعركةِ/ كَي يُسَجَّلَ النَّصْرُ بِاسْمِ السَّادةِ/ يَا زَهْرَةَ الخرابِ / يا ألواحَ التَّوابيتِ/ أيَّتُها الوَرْدَةُ الطالعةُ مِن شَوَاهِدِ القُبورِ البُرونزِيَّةِ / ارْقُصي أيَّتها الذبابةُ العَرْجَاءُ بَيْنَ جَثامينِ القَصْدِيرِ / يَخْرُجُ الدُّودُ مِن ثُقوبِ جِلْدي / ويَسيرُ إلى مُسْتَقْبَلِهِ السِّيَاسِيِّ /
     عِندَما تُصبحُ قَارُورةُ العِطْرِ أرشيفَ المجاعاتِ / تَتكاثرُ الطحالبُ في رِعْشَةِ الحِبْرِ / فلا تُشْفِقْ عَلَيَّ أيُّها الإعصارُ / خُذْ مَا تَبَقَّى مِن عِظامي / خُذْ بَقَايا ضَحِكَاتي في الممرَّاتِ الخاليةِ / اغْتَصِبْ قِرْمِيدَ أكواخِ الذاكرةِ / مَاتتْ أُمِّي عَلى جَدَائِلِ الزَّوبعةِ / وَانتحرَ حُبِّي الأوَّلُ في الرِّئةِ الثالثةِ / لَم يَعُدْ للمُسافِرِينَ قِطَارٌ / يَنتظِرُونَهُ في مَمَالِكِ الدَّمْعِ اللزِجِ / فَمَا فَائِدةُ الجلوسِ عَلى كُرْسِيٍّ هَزَّازٍ في سَفينةٍ تَغْرَقُ ؟ / مَا فائدةُ أن يَكُونَ الشَّعْبُ فِئرانَ تَجَارُبَ وأحزانُ الطفولةِ هِيَ المِصْيَدَة ؟ /  
     لا تَنْظُرْ في عُيوني أيُّها المساءُ الحزينُ/ هَذا الرَّمْلُ كُوليرا الذِّكرياتِ التي تُمَزِّقُ أحشاءَ الأطفالِ/ والبَحْرُ يَقْتَفي آثارَ أقدامِ البَجَعِ عَلى أجسادِ الأسْرَى/وَالماءُ يَنتظِرُ مَوْتَ اليَنابيعِ لِيَرِثَهَا / أجلسُ في مَحطةِ القِطَاراتِ / لا أنتظِرُ أحَداً / ولا أحَدٌ يَنتظِرُني /
     أنا الرُّومانسِيُّ في عَصْرِ انتحارِ الرُّومانسِيَّةِ / انهزمَ الفُرسانُ وَلَم يُدَافِعُوا عَن ضَفائرِ الجواري / تَعَالَي أيَّتُها الأمواجُ الرَّصاصيةُ/ سَوْفَ نُواسِي عَائلةَ الزَّبَدِ/ وَنَزرعُ الخِيَامَ للإِوَزِّ اللاجِئِ في أشلائِنا / ذَهَبَتْ دَوْلَةُ البَحْرِ / وَلَم تَجِئْ قَبائلُ الأسماكِ / والأسْرَى يَنتظِرُونَ الأسْرَى /
     في ذَلِكَ الصَّقيعِ الدَّمَوِيِّ / أُمٌّ وَابْنَتُهَا تَتَنَافَسَانِ عَلى احتكارِ جُثةِ رَجُلٍ / أنا انقلابُ الْحُزْنِ عَلى ذَاكرةِ الأعشابِ / وَطَنٌ للدُّموعِ عَاشَ وماتَ في سُعالِ المطرِ/ بِلادٌ للمُسْتَنْقَعَاتِ والضَّفادعِ / والمِشْنَقةُ هِيَ المرأةُ الوَحيدةُ في حَياةِ النَّهْرِ / نِسْوَةٌ مُحَنَّطَاتٌ في ثَعالِبِ المِكْيَاجِ / أبجدِيَّةُ الشَّفقِ تَقْتُلُ لُغةَ الأنقاضِ / وبَيْنَ أصابعي لُغةُ البَحْرِ القَتيلِ / فيا أيُّها الْحُلْمُ الْمَيْتُ / أنتَ القاتِلُ أَم المقتولُ ؟/ تَزَوَّجْتُ الحكومةَ / وَطَلَبْتُ الطلاقَ مِنَ الرَّمْلِ / أمعائي تَقُودُ انقلاباً عَسْكَرِيَّاً ضِدَّ مَعِدَتي / وأنا أنقلِبُ عَلى رُموشي / أفتحُ قَفَصِي الصَّدْرِيَّ بِمِفْتَاحِ بَيْتِنا المهجورِ / أبْحَثُ عَنِ الذِّئبِ في الإنسانِ / لكنَّ الإنسانَ هُوَ الذِّئْبُ / وَسَوْفَ يَبْقَى الفَجْرُ فَارِسَ أحلامِ البُحَيراتِ الجافَّةِ /
     عِندَما يَأتي الخريفُ / يَرْحَلُ الأمواتُ مِن صَنَوْبَرِ المقابرِ إلى لَحْمي / وَيَسْكُنُونَ في مِعْطَفي / فَكَيْفَ أنامُ ؟ / يَا شُموساً تَبكي في الزِّحامِ / حَنجرةُ الرِّياحِ هِيَ بَصْمَةُ الموْتَى عَلى جَسَدِ اليَاقُوتِ / وَمُذْ ماتَ الحوتُ الأزرقُ لَم تَتَعَطَّرْ أسماكُ القِرْشِ/ لَن يَكْسِرَ عُزْلَتي إلا مَلَكُ الموْتِ/ أتزيَّنُ للدِّيدانِ/ أرْتَدِي أجْمَلَ أكفاني / أتعطَّرُ بِدَمْعِ أبي / كَي يَستمتِعَ التُّرابُ وَهُوَ يَأكُلُني حُلْمَاً حُلْمَاً /
     بِلادي / تِلْكَ الجثةُ الْمُحْتَرِقَةُ في أُكسجينِ رِئتي / سَامِحْني أيُّها البَرْقُ / لَم أعُدْ قَادراً عَلى حَمْلِ قَلبي / أمعائي مُلْقَاةٌ عَلى الرَّصيفِ / وأنا أمشي إلى ضَريحي في الليلِ الباردِ / أجفاني مَملكةُ الجرادِ في أقْصَى مَدَى الرِّياحِ / وقَطَرَاتُ المطَرِ مَاتَتْ في شِتَاءِ الرَّصاصِ / لَكِنَّ العَصافيرَ تَنْقُرُ طُحَالَ العَواصفِ في قِمَمِ الجِبَالِ البَعيدةِ / والمِكْياجُ مَخلوطٌ بِدَمِ الحيْضِ تَحْتَ شُموعِ الوَداعِ /
     صَدِّقْني أيُّها الرَّعْدُ/ لا يُمْكِنُ أن تَصْلُبَ المصْلُوبَ/ أنا الغريبُ لَم أجِدْ جُثتي / فَكَيْفَ سَيَجِدُها الغُرباءُ ؟/ أنا عَاطِلٌ عَنِ الوَطَنِ/ لكنَّ النَّهْرَ وَضَعَ اسْتِقَالَتَهُ عَلى مَكْتَبِ البَحْرِ/ انكَسَرَ الْحُلْمُ بَيْنَ قَارُورةِ الحِبْرِ وَقَارُورةِ السُّمِّ/ والأطفالُ يَبْحَثُونَ عَن جُثَثِ أُمَّهَاتِهِم بَيْنَ قَطَرَاتِ المطَرِ وَقَطَرَاتِ الدَّمِ/ 
     أَيَّتُها الإِمَاءُ اللواتي يَغْتَسِلْنَ بالنَّمْلِ / دَمُ الحيْضِ عَلى فُرشاةِ الأسنانِ تِذْكاراً للحَطَبِ / تَنامُ العَناكبُ عَلى قِطَعِ الصَّابون/ وَتَغْسِلُ البَنادقُ بَلاطَ السُّجونِ بِدِمَاءِ البَجَعِ الطريدِ/ تَركضُ الدَّلافينُ عَلى أغصانِ المطَرِ اليابِسِ / حُبُوبٌ مُنَوِّمَةٌ لِفِئرانِ الذِّكرياتِ / كَي تَكْسِرَ الفَريسةُ المِصْيَدَةَ / ضَوْءُ القَمَرِ يَتكسَّرُ في أجفانِ الضَّحايا/ أقولُ لِصَوْتِ الرَّصاصِ إِنَّ الموْتَ يَسيرُ عَلى نوافذِ بَيْتي/ مَاتَ الْمَلِكُ / وَسَقَطَ التَّاجُ عَلى رُقعةِ الشِّطْرَنجِ .