02‏/10‏/2019

تاريخ الشموس المكسورة / قصيدة

تاريخ الشموس المكسورة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

     لا تَتْرُكِيني وَحيداً يَا بَرَامِيلَ البَارودِ الخارجةَ مِن مِشْطي / تَدْرُسُ الضَّفادعُ مَشَاعِرَ الجواري بَعْدَ مَقْتَلِ الْخُلَفَاءِ/ فَيَا سِجْني الطازَجَ / يا سَجَّاني الرُّومانسِيَّ / لا تَقْتَرِبْ مِن نَزيفِ البيانو عَلى الأسلاكِ الشَّائكةِ/ هَذِهِ رُموشي تَعْتَقِلُ حَوَاجِبي / فَكَيْفَ أرَى رِعْشَةَ السِّنديانِ في أجفانِ المذْبَحةِ ؟/ أقْضِي وَقْتَ فَرَاغي في تَشْرِيحِ جُثةِ البَحْرِ / لَكِنَّ الرَّمْلَ مَاتَ مَسْمُوماً / انتَصَرْتُ عَلى أعدائي / فَقَتَلَنِي أحِبَّائي / خَانَ قَلْبي السَّنابلَ / وأظافري دُستورُ الضَّحايا / وَنَعْشي دَوْلَةُ اليَمَامِ / فَكَيْفَ أُقْنِعُ الأُمَوِيِّينَ بالتَّدَاوُلِ السِّلْمِيِّ للسُّلطةِ ؟! /
     يَا جَارتي العَمْياء / لا تَحْرِقِيني بالأحلامِ الضَّائعةِ / لا تَنْظُري في عُيوني / لَم تَتَحَرَّرْ عِظَامي مِن أحزانِ الطفولةِ / أشلائي في صُندوقِ القُمامةِ / وَكُلُّنا رَهَائِنُ / لا أرْكُضُ في عَرَقِ الرِّمالِ لأُحَاكِمَ الشَّاطِئَ / جَسَدي مَحكمةُ الأسماكِ / والقاضي مَشْنُوقٌ عَلى أهدابِ الموْجِ / يَا مَملكةَ الخديعةِ / لِمَاذا تَسْتَثْمِرِينَ حَناجِرَ الرَّاهباتِ في بَرَامِيلِ النِّفْطِ ؟ / أنا الفَارِسُ أعْشَقُ حِصَاني مَعَ أنَّهُ أسْقَطَنِي /
     انتَهَتْ مُغَامَرَةُ العَوَانِسِ في سُوقِ النِّخاسةِ/ وَبَقِيَ النَّخَّاسُونَ يُقَاتِلُونَ الفَرَاغَ العَاطِفِيَّ / لا رِجَالٌ يَحْرُسُونَ رُمُوشَ الإِمَاءِ/ وَلا خَوْخٌ يَتَقَمَّصُ أقنعةَ الرُّفاتِ / كَيْفَ صَارَتْ أعناقُ الفَتَيَاتِ عُلَبَ بِيرةٍ في كافتيريا القَادةِ المهزومين ؟ / كَيْفَ صَارَتْ عِظامي مَلابِسَ دَاخِلِيَّةً لأشجارِ القُرى المنبوذةِ ؟ /
     قَتَلْتُ الحمَامَ الزَّاجِلَ / وَبِعْتُ رَسائلَ العُشَّاقِ / كَي أَشْتَرِيَ خُبزاً لليَتيماتِ اللواتي يَبِعْنَ العِلْكةَ عَلى إشاراتِ المرورِ / والصَّراصيرُ تَجُرُّ السُّفَنَ الغارقةَ نَحْوَ القُلوبِ المهجورةِ / فَكُن يا بُكاءَ الرَّمْلِ وَطَنَاً لِقُلوبِ النِّساءِ المكسورةِ/ أحْقِنُ النُّعوشَ الجديدةَ بالأوسمةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ / وَالعَصَافِيرُ وَاقفةٌ عَلى شَوَاهِدِ القُبورِ / والعِظَامُ عَرْشُ الذِّكرياتِ المكسورُ / وَحَوَاجِبي سُورُ المقبرةِ الجديدُ /
     ألْقِ طَوْقَ النَّجاةِ للقُبورِ الغارقةِ في عَرَقِي / ولا تَعْبَأْ بالبَعُوضِ الذي يُفَسِّرُ تاريخَ الغُبارِ في ثَلاجَةِ الموْتَى / يَا ضَبَاباً يَفْرِضُ حَظْرَ التَّجَوُّلِ في أعْصَابي / صَارَ سُعالي فِضَّةَ الإبادةِ / حَقَّاً ! / إِنَّ شَيْخُوخةَ البَحْرِ طُفولةُ الذبابِ / كُلُّنا وَطَنِيُّونَ / وَالوَطَنُ ضَائِعٌ / نَحْنُ رُومَانسِيُّونَ / والمرأةُ مَقتولةٌ / نَحْنُ العُشَّاقُ السُّجَناءُ في عُلبةِ الكِبْريتِ / وأكواخُ الصَّفيحِ هِيَ مَمْلَكَتُنَا الجميلةُ / وَالسَّناجِبُ تُفَتِّتُ مُومياءَ الْهَديلِ تَحْتَ حَوَافِرِ الشَّلالِ/ لا تَحْزَني عَلى البَحْرِ أيَّتُها البُحَيرةُ/ اكْسِري تَاريخَكِ/ وَاحْزَني عَلى نَفْسِكِ/ سَتَنْمُو الطحالبُ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ / فيا أيُّها الجميلُ القاتلُ / انظُرْ إلى صُداعِ الضَّحايا وَراءَ جَثامينِ السُّنونو / كَي تُصْبِحَ أكثرَ جَمَالاً /
     أيَّتُها الأغنامُ عَلى حَافَّةِ الجبَلِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / لَن يَأكُلَكِ الذِّئْبُ / سَيَأكُلُكِ الرَّاعي / أحْرَقَت الشُّموعُ صَنَوْبَرَ الذاكرةِ / وَلَم يَجِئ العُشَّاقُ والْمُخْبِرُونَ إلى مَطْعَمِ السَّرابِ / حقَّاً / إِنَّهُ عَشَاءٌ عَلى ضَوْءِ الأكفانِ / والتَّوابيتُ الْمُسْتَعْمَلَةُ عَلى الأثاثِ الْمُسْتَعْمَلِ /
     يَا مَدينتي الهادِئةَ / سَوْفَ تَغْتَصِبُكِ البَنادقُ الآلِيَّةُ / سَيَأتي الموْتُ لِيُحَرِّرَ الْخُيُولَ الزُّجاجِيَّةَ مِن إِسْطَبْلِ الكَهْرَمانِ / سَتَهْرُبُ فِئرانُ السَّفينةِ في المساءِ الخريفيِّ / وتَسْقُطُ في مِصْيَدةِ الحضارةِ الْمُنْقَرِضَةِ / أركضُ بَيْنَ الْجُثَثِ المجهولةِ وَالرَّاياتِ الْمُنَكَّسَةِ / أُنادي عَلى الوَهْمِ / وَلَم تُرْشِدْني جَمْعِيَّاتُ حُقوقِ المرأةِ إِلى جُثةِ أُمِّي /
     العَنَاكِبُ الْمُخْمَلِيَّةُ / والأحزانُ الْمَفْتُوحةُ للبِكْتِيريا / سَائِرُونَ في جِنَازةِ الصَّنَوْبَرِ الذي قَتَلَهُ الصَّدى قُرْبَ صَوْتِ النَّاي / انتَظِرُوا قَليلاً حَتَّى أُقْتَلَ لِتَقْتَسِمُوا ثِيابي / وتَغْرِسُوا رَاياتِ القَبائلِ في أزرارِ قَميصي / صَارَتْ دِمَاءُ القِطَطِ الضَّالةِ زَيْتاً لِمُحَرِّكَاتِ الشَّاحناتِ / والأعناقُ مَقْطُوعةٌ عَلى شُرُفَاتِ البَرْقِ / إِذا تَشَابَهَتْ مُضَادَّاتُ الاكتئابِ صِرْتُمَا عَاشِقَيْنِ / فابْتَعِدُوا عَن دِمَاءِ الشَّفقِ عَلى أرصفةِ المِيناءِ / وَحْدَهُ الثلجُ عَلى أكواخِ الصَّفيحِ يَبكي عَلَيْنَا / فَمَا فَائِدةُ أن تَتَزَيَّنَ الأرملةُ أمامَ سَمَاسِرَةِ القَبيلةِ ؟ / أرْجُوكَ يا الله / لا تَتْرُكْني للذِّئْبِ السَّاكِنِ في شَرَاييني / 
     هَل أُطْلِقُ الرَّصاصَ عَلى اكتئابي أَم أُطْلِقُ اكتئابي عَلى الرَّصاصِ ؟ / تِلْكَ الأكفانُ عَلى حَبْلِ الغَسيلِ / نُجَهِّزُ حَدَائِقَ الصَّقيعِ للاحتفالِ بِقُدُومِ القَرَاصنةِ / جُثماني دَليلٌ سِيَاحِيٌّ للحَمَامِ الزَّاجِلِ / الذي ضَاعَ في أوْرِدَةِ قَوْسِ قُزَحَ/ وأضاعَ الرَّسائلَ/ لَن تَشْبَعِي أيَّتُها الصَّاعِقةُ حِينَ تَأْكُلِيني/ لَم يَبْقَ مِنِّي غَيْرُ السِّنديانِ / بَعْدَ أن أكَلَني الوَسْوَاسُ القَهْرِيُّ / لا ذِكْرَياتٌ وَرَائي / وَلا دَوْلةٌ أمامي /
     أنا دُودةُ القَزِّ التي تَكْسو الآخَرِينَ / وَتَظَلُّ عَاريةً في المدى / مَقتولةً تَحْتَ خُيولِ المواكِبِ الملَكِيَّةِ / والأوسمةُ العَسكرِيَّةُ مَنْسِيَّةٌ في صُحونِ المطبخِ/ أُشْفِقُ عَلى الذِّكرياتِ / وأُطْلِقُ عَلَيْهَا رَصَاصَةَ الرَّحْمةِ / والأدغالُ التي تَسْقُطُ في عَرَقِي هِيَ اسْمُ أوْسِمتي / بَعْدَ هَزيمتي في المعركةِ /
     لا أعْرِفُ لِمَاذا أقِفُ في طَابُورِ السَّبايا / لَكِنَّ الطُّرُقَاتِ مُغْلَقَةٌ في وَجْهي / والذِّكرياتُ مَزروعةٌ بالحواجزِ العَسكرِيَّةِ / فَاخْتَرِعْ قِنَاعاً لأُنوثةِ الأنقاضِ / ولا تَسْقُطْ ضَحِيَّةَ أحْمَرِ الشِّفاهِ للهَيَاكِلِ العَظْمِيَّةِ / أتناولُ المجازِرَ بالمِلْعَقةِ / أُمْنِيَّاتُ العَناكبِ هِيَ مَنْفَايَ الاختيارِيُّ / ونافذةُ السِّجْنِ تُطِلُّ عَلى جُلودِ الأسْرَى/ أنا السَّرابُ / أهْرُبُ مِنِّي نَحْوَ أُغْنِيَاتٍ تَهْرُبُ مِنِّي إلى أحلامٍ تَغتالُنا ضَاحِكَةً / اكْتَشَفْتُ وَطَني في صَفَّاراتِ الإنذارِ / وعَرَفْتُ الرُّومانسِيَّةَ في قَانونِ الطوارِئِ / أنذِرْني أيُّها الْحُلْمُ قَبْلَ أن تَغتالَني / أعْطِني فُرصةً ثانيةً أيُّها المطَرُ / كَي أدْفِنَ أبي في أشِعَّةِ القَمَرِ /
     لَسْتُ عَرْشَاً يَبْحَثُ عَنِ الْمَلِكِ الْمَجْرُوحِ عَاطِفِيَّاً / لَسْتُ مَلِكَاً يَبْحَثُ عَن وَرِيثٍ / أنا القاتِلُ والمقتولُ / أنا الملِكُ المخلوعُ بَيْنَ الشُّموعِ والدُّموعِ / أَرِثُ نفْسي بَعْدَ مَوْتِها / وأرْثِيها في مَرْفَأ القُلوبِ المكسورةِ / لا رَايَةٌ لِمَمْلَكَتِي / وَلا دُسْتُورٌ لأشلائي / جَسَدي هُوَ الأثاثُ الْمُسْتَعْمَلُ في غُرفةِ الإعدامِ بالكُرْسِيِّ الكَهْربائِيِّ / ألْقَيْتُ القَبْضَ عَلى رُومانسِيَّةِ الشَّوارعِ بَعْدَ مَوْتِ قَلْبي / فَشُكْراً للذينَ لا يَنَامُونَ مَعَ زَوْجَاتِهِم إِلا بِمُوَافَقَةٍ أمْنِيَّةٍ ! / وشُكراً للذينَ لا يَرَوْنَ وُجوهَ زَوْجَاتِهِم إِلا أثناءَ الجِمَاعِ /
     أنكِرْني عِندَما تَرَاني أبيعُ عُمودي الفِقرِيَّ عَلى إشاراتِ المرورِ / لأدْفَعَ رَاتِبَ حَارِسِ ضَريحي / ارْمِ عَيْنَيْكَ في الكَهْرَمانِ كَأنَّكَ لَم تَرَني/تَختفي الزَّنابقُ في أدغالِ الطاعونِ لِتُضَمِّدَ جُرُوحَهَا المعدنِيَّةَ/ والنَّزيفُ صَارَ مَدينةً بِلا فَتَيَاتٍ / وشُموعاً بِلا حِكَايَاتٍ / أنا السَّجينُ في لَحْمِ الْمَجَرَّاتِ / وَالْمَوْتُ سَيُحَرِّرُني كالنَّيازكِ في لَيْلِ العَاشِقِين/ أتَشَظَّى كأجنحةِ العَصافيرِ في مَملكةِ السُّلِّ/ والإعصارُ يَضْرِبُ سُدُودَ الوَطَنِ الْمَنْسِيِّ / صِرْتُ تاريخاً غَامِضاً للسُّيولِ / وسَوْفَ يَعُودُ الحليبُ إلى ثَدْيِ البُحَيرةِ / وتَصْعَدُ الأمطارُ إلى الغُيومِ/ الطُّرُقَاتُ جَثَامِينُ صَمْغِيَّةٌ / فَمَاذَا سَنَفْعَلُ بالنَّظاراتِ السَّوْداءِ يَا جَارتي / نَرْكَبُ سَيَّاراتِ المرسيدسِ / لَكِنَّنَا نَعيشُ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ /
     القِيثَارَةُ المكسورةُ / يَظَلُّ بُكائي وَشْمَاً عَلى الرَّصاصةِ / أطْبُخُ أحزانَ الغروبِ كَي تَأكُلَ البِحَارُ اليَتيمةُ / جُوعِي أرشيفٌ لِمَنَادِيلِ الملِكَاتِ بَعْدَ انتحارِ الحضارةِ / أيُّها الشَّلالُ الأعْوَرُ / تَتناولُ الشُّوكولاتةَ لِتَكْسِرَ الاكتئابَ / وأنا أتناولُ دَمَ الزَّيتونِ لأعْرِفَ اتِّجاهَ الرِّياحِ بَيْنَ أشجارِ مَقْبَرتي /
     دَمعاتُ الكَرَزِ هِيَ اكتئابُ الفُؤوسِ في مَوْسِمِ حَصَادِ المشنوقين / والسَّنابلُ تُغَطِّي الْجُثَثَ الْمُضيئةَ / نَسِيتُ خَارطةَ قَلْبي حِينَ مَاتَ الليلُ بِأزْمَةٍ قَلْبِيَّةٍ / فَشُكْراً للذينَ يُقَدِّسُونَ الوَحْدَةَ الوطنيةَ بَعْدَ انتحارِ الوَطَنِ ! /
     أيَّتُها الذِّئبةُ الشَّقراءُ/ اكْرَهِيني / مَا فَائِدَةُ قِصَصِ الْحُبِّ وَقَد سَرَقَ العَسْكَرُ أحلامَ طُفُولَتِنَا ؟/ أنا تاريخُ النَّوارسِ الْمُشَرَّدَةِ / وجُغرافيا جَسَدِ البَحْرِ / لَكِنَّ خَارِطَتي مُنهارةٌ / ورَايَتي مُنَكَّسَةٌ / يَبْحَثُ الجنودُ في المعركةِ عَن رَايةٍ / إِنَّ جُثتي هِيَ الرَّايةُ /
     أنا الألِفُ واليَاءُ / لَكِنَّ أبْجَدِيَّتي ضَائعةٌ / فلا تَكْرَهُوني يَا ضُبَّاطَ الْمُخَابَرَاتِ / إِنَّ الموْتَ سَيُرِيحُكُم مِنِّي يَا إِخْوَتي/ تُقَطِّرُ الأحزانُ دَمي كالوِيسكي في مَمالكِ السُّلِّ / كَي تَزدادَ أرْصِدةُ السَّناجبِ في بُنوكِ المذْبَحةِ/ أُصَفِّي مَاءَ عُيوني مِن حُطامِ السُّفُنِ/ دِمائي زَنبقةُ الاحتضارِ / وتاريخي مُشْرِقٌ بَيْنَ القُبورِ الْمَطْمُوسَةِ / فَابْحَثْ في جَسَدِ الزَّنابقِ عَن شَيْءٍ أكثرَ عُمْقَاً مِنَ الجِنْسِ /
     في ثَلاجَةِ الموتى يَقضي الجرادُ شَهْرَ العَسْلِ / وَالبَعُوضُ يَرْقُصُ في عُرْسِ القَتْلَى / الْحُزْنُ صَهيلُ المسافاتِ / وَالحواجِزُ الأمْنِيَّةُ في عُروقي تَمْنَعُ وُصولَ الذاكرةِ إلى الذِّكرياتِ / والْمُدُنُ لا يَتكاثرُ فِيها غَيْرُ الشَّحَّاذِينَ وصَفَّاراتِ الإنذارِ /
     سَأرْحَلُ مَعَ الإِمَاءِ حِينَ يَتقاعَدُ الْمُهَرِّجُ مِن سِيركِ البُكاءِ/ نَحْنُ الْجُثَثُ المجهولةُ في الإِسْطَبْلاتِ/ والزَّوبعةُ لَم تَجِدْ فُرسانَ الْحُلْمِ لِيُدَافِعُوا عَن خَلاخِيلِ السَّبايا / تَحترِقُ أخشابُ البيانو في دُموعِ الرَّاهباتِ/ نَزِيفُ الغاباتِ الضَّوئيةِ يَغْسِلُ بَلاطَ الزَّنازينِ البلورِيَّةِ / سَيَنْبُتُ اللوْزُ في سَقْفِ الزِّنزانةِ / وتَبكي حَبَّاتُ المطَرِ في سَقْفِ حَلْقي / ضَاعَ الوَطَنُ وَالْمَنْفَى في لُعبةِ قِمَارٍ / وَصَارَت القَصيدةُ وَطَنَاً لِعِظَامي ومَنْفَىً لأشلائي / وَالبَاعةُ الْمُتَجَوِّلُونَ يَبيعُونَ الذِّكرياتِ في الشَّوارعِ /
     مُنْدَهِشَاً كالدُّبِّ القُطْبِيِّ الخارِجِ مِنَ البَياتِ الشَّتَوِيِّ كَانَ صُداعي / فيا أيَّتُها الرِّياحُ الْمُلَوَّنةُ بالأشلاءِ / سَأُهْدِيكِ مِقَصَّ أظافري كَي تَقُصِّي أظافِرَكِ / فَاذْكُرِيني بَعْدَ اغتيالي / وَقُولِي إِنَّ الغريبَ مَرَّ مِن هُنا / وَرَحَلَ إلى الشَّفقِ البَعيدِ /
     شُكراً لِمَتَاحِفِ الأمواتِ / عِشْقُكِ أيَّتُها الفَراشةُ مِنَ النَّوْعِ القَاتِلِ / أرى في عِظَامِ الغَيْمِ صُورةَ أبي / وَالبَرَاوِيزُ الخشَبِيَّةُ امتدادُ سُعالي بَيْنَ السُّنونو والبَقِّ/ الذي يَأكلُ أخشابَ تابوتي / لَن أفتخِرَ بِفُحُولةِ الزَّبَدِ أمامَ البَحْرِ الأعْرَجِ / كُلُّنا سَبَايا نَتَقَاتَلُ عَلى سَريرِ الخليفةِ / وبُكاءُ أُمَّهَاتِنا صَارَ دَليلاً سِيَاحِيَّاً / يُرْشِدُ عُرُوقَنا الكِلْسِيَّةَ إلى أضرحةِ السَّرابِ /
     لا جَيْشٌ يُدَافِعُ عَنَّا سِوى الوَهْمِ / وَلا حُلْمٌ يَضْحَكُ عَلَيْنَا سِوى الجرادِ / مَا فائدةُ أن أكُونَ رُومانسِيَّاً بَيْنَ الأضرحةِ اللوْزِيَّةِ ؟/ فَقَدَ الزَّعترُ قُوَاهُ العَقْلِيَّةَ/وتَاهَت الذِّكرياتُ بَيْنَ أجنحةِ الجرادِ وعُيونِ اليَتامى / فيا أيَّتُها الضِّباعُ التي تَقْفِزُ في الشَّفقِ الدَّامي / لَم يَعُدْ في أوْرِدتي شَمْسٌ / كَي يَخْطِبَ الزَّنابِقَ الوَحْلُ النَّبيلُ / يَخَافُ الطاعونُ أن يَنْظُرَ في المِرْآةِ / فَكُوني يَا قَاتِلَتي عَاطِفِيَّةً عِندَما يَخْرُجُ مِن ثُقوبِ رِئتي الدُّودُ / وَمِن حُسْنِ حَظِّ الغُبارِ أنَّ الصَّحراءَ تَرْمِي حَوَاجِبَهَا في الأنهارِ /
     أيَّتُها الحضارةُ التَّائهةُ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ ومَلاقِطِ الحواجِبِ / لَم أسْتَفِدْ مِنَ الكِيمياءِ غَيْرَ صَداقةِ الْجُثَثِ الْمُتَحَلِّلَةِ/ فَلا تَسْأل الأمطارَ عَن جُثمانِ أبيكَ/ الذي تَتَقَاتَلُ عَلَيْهِ القَبائلُ/ يا صَديقي المقتول / إِنَّ الأجْوِبَةَ تَنْبُعُ مِن عِظَامِكَ / فَابْحَثْ في جَبينِكَ عَن مَدينتِكَ الذبيحةِ / تتكاثرُ الضَّفادعُ في فُوَّهَاتِ جُرُوحي / مَا الفَرْقُ بَيْنَ أقفاصِ الحيَوَاناتِ في الحدائقِ / وأقْفَاصِنَا الصَّدْرِيَّةِ عَلى حِيطانِ الزَّنازين ؟ / يَحْرُثُ المساءُ أجفاني / فَتَنَامُ الْخُيُولُ الْمُرْهَقَةُ في أوْرِدَتي / أسألُ النَّوارِسَ في جِنازتي عَن أحلامِ الطفولةِ / وأنا الغريبُ / سَأظَلُّ غَامِضَاً مِثْلَ دُموعِ البُوسنِيَّاتِ تَحْتَ جُسُورِ سَراييفو /
     لا تُطْلِقُوا الرَّصاصَ عَلى قَلْبِ الشِّتاءِ / لا تُزْعِجُوا قَيْلُولَةَ السَّنابلِ / زَهْرَةُ الخرابِ هِيَ وَرْدَةُ السَّرابِ/ تَسْكُبُ أشجارُ المدافِنِ دِمَاءَهَا اللزِجَةَ في الغَسَقِ / وتَلْتَهِمُ الدِّيدانُ أعضائي وأنا أضْحَكُ/ ضَعْ ثِقَتَكَ في المرأةِ الْمَيْتَةِ / فَلَن تَقْدِرَ عَلى خِيَانَتِكَ /
     في لَيْلَةِ الدُّخلةِ تُنادي السُّنبلةُ عَلى أُمِّهَا / وَحِينَ تَنْتَحِرُ جُدرانُ السِّجْنِ احْتَفِظُوا بِطَقْمِ أسناني تِذْكاراً لِخِيَاناتِ الإِوَزِّ / كُلُّنا لاجِئُونَ في قِطَارِ الليلِ / لا ضَوْءَ في آخِرِ النَّفَقِ / أَجُوعُ وألْتَهِمُ أشلائي/ أسْقُطُ في مَجاعةِ اللازَوَرْدِ / وأُصَدِّقُ هَزيمةَ الذاكرةِ تَحْتَ مَطَرِ الذِّكرياتِ / خَبَّأْنا النُّعوشَ في أكياسِ القَمْحِ / والنَّهْرُ قَد أوْصَى بالتَّبَرُّعِ بأعضائِهِ لِعَشِيقَتِهِ بَعْدَ انتحارِهِ / يَتَوَكَّأُ عَلى جُثتي الْمُنْتَصِبَةِ البَحْرُ الْمَشْلُولُ/ والزَّوابعُ تُؤلِّفُ النَّشيدَ الوَطَنِيَّ للدَّولةِ اللقيطةِ / نَحْنُ مَشْغُولُونَ بِدِرَاسَةِ عِلْمِ الاجتماعِ السِّيَاسِيِّ مَعَ الزَّوجاتِ الخائناتِ / وتَنْقَعُ الإِمَاءُ في مَاءِ عُيُونِهِنَّ ثِيَابَ الأسْرَى /
     مَن هَذِهِ الدُّمْيَةُ التي تَشْرَبُ الْخَمْرَ في جُمْجُمَةِ زَوْجِهَا ؟/ لا وَقْتَ للحُزْنِ يَا سَجَّاني/ لا الزَّمانُ زَمَاني / وَلا الطريقُ طَريقي / وَقَفَ الليْلُ عَلى بَابِي / فَلَم أعْرِفْ أصابعي إِلا في لَمَعَانِ الخريفِ / أدْرَكْتُ حُزْناً يَتَقَمَّصُ الأشجارَ / وَبَكَيْتُ كالسُّنونو في أعالي الصَّليلِ / قَلبي ماتَ / لكنَّ الجرادَ يُعَلِّمُني الرُّومانسِيَّةَ / والأمطارُ عَلى الرَّصيفِ هِيَ مُذَكَّرَاتُ أبي المقتولِ / بَيْنَ رَاياتِ القَبائلِ وأبراجِ الحمَامِ/ أيُّها الصَّنَوْبَرُ الآتِي مِن ألواحِ صُدورِنا كألواحِ التَّوابيتِ/ إِنَّ الموْجَ يَكْسِرُ أجفانَ المشنُوقِينَ/
     ذَهَبَ الضُّيوفُ إلى الضُّيوفِ / احتفلَ الأسْرَى بالأسْرَى / وبَقِينا يا وَطَني غَرِيبَيْنِ في مَرَافِئِ الْهَلَعِ / وَصَايا القَاتِلِ هِيَ تُراثُ القَتيلِ / وَالدَّولةُ دُمْيَةٌ في مَسْرَحِ العَرائسِ / يَحْتَرِقُ في غَاباتِ الصَّهيلِ / والنَّشيدُ الوَطَنِيُّ هُوَ مُهَرِّجٌ في سِيركِ الأحجارِ غَيْرِ الكَريمةِ /
     شَجَرَةُ الزَّيتونِ الوَحيدةُ سَتُغَسِّلُ الليلَ بَعْدَ وَفَاتِهِ / أظَلُّ أمُوتُ في كَهْفِ الشُّموعِ / يُضِيءُ احتضاري طَريقَ السُّنونو نَحْوَ الأغاني الحزينةِ / افْرَحِي يَا أُمِّي / قَد أثْمَرَتْ عِظَامُ الموْتَى زَعْتَراً وفَرَاشَاتٍ / والعَناكبُ سَتُطْلِقُ اسْمي عَلى الشَّارعِ / الذي سَوْفَ أُقْتَلُ فِيهِ / 
     ضَرِيحٌ كريستالِيٌّ عِندَ البُحَيرةِ العَمْياءِ / سأتنازَلُ عَن عَرْشِ البُكاءِ / فَلا تُشْفِقِي عَلَيَّ أيَّتُها السَّنابلُ/ والبَلُّوطُ يُعَلِّقُ أكفانَ اليَمامِ عَلى جَدائلِ الفَتَيَاتِ / فَاشْكُر الصَّبايا اللواتي يَرْسُمْنَ قُبُورَهُنَّ عَلى سُطوحِ القِطَاراتِ / تَتَحَرَّكُ أشْلائي حَسَبَ بُوصَلَةِ الذِّكرياتِ/ وَلَيْسَت الذاكرةُ سِوى زُجاجةِ عِطْرٍ قَاتِلٍ / أنا المِنْجَلُ الذي نَسِيَ مَوْعِدَ الحصَادِ / وأنا الحاصِدُ والحصَادُ / ذِئْبٌ عَاجِزٌ جِنْسِيَّاً يَضَعُ جُمْجُمتي في دَلْوٍ / تُنْزِلُهُ الفَرَاشَاتُ إلى بِئْرِ الذاكرةِ لِتَشْرَبَ الزَّنازينُ / وَبَعْدَ أن نَمُوتَ / لَن يَجِدَ الذبابُ مَن يُؤْنِسُ وَحْدَتَهُ في بَيْتِنا الخالي /
     أيُّها الشَّجرُ الأعمى / قَد فَشِلْتَ في اكْتِشَافِ بُوصَلَةِ جَسَدِ زَوْجَتِكَ / فَاكْتَشَفَكَ الجرادُ في وَطَنٍ خَرَجَ مِنَ الخارطةِ وَلَم يَعُدْ/ سَتَنْبُتُ بَيْنَ المزهرِيَّاتِ المخْدُوشةِ أشْلاءُ الصَّبايا/ وفِئرانُ التَّجَارُبِ تَبْحَثُ عَن أصنامٍ / والأيتامُ يَبْحَثُونَ عَن جَثامينِ آبائِهِم في شَاحناتِ الْخُضارِ / والأسماكُ تَمْشي في أزِقَّةِ المرفأ / لأنَّ البُحَيرةَ مَاتتْ بِسَرَطَانِ الثَّدْيِ / لَم يَعُدْ هُناكَ مَكَانٌ للحُبِّ / أكَلَ الجرادُ وُجوهَ النِّساءِ / وأكَلَت الطحالبُ ضَفائِرَ الرِّياحِ / اعْتَزَلَت الرَّاقصةُ الحياةَ السِّيَاسِيَّةَ / وأُغْلِقَتْ صَالةُ الرَّقْصِ بالشَّمْعِ الأحمرِ / والحواجِزُ العَسكرِيَّةُ أمامَ السِّيركِ / والْمُهَرِّجُ يَرْكُضُ في طُرُقَاتِ البُكاءِ /
     مِن حُسْنِ حَظِّ عُمَّالِ النَّظافةِ / أنَّ الأسْرَى قَد نَظَّفُوا أثاثَ الصُّداعِ قَبْلَ قَتْلِهِم / مُلُوكُنا يَسْرِقُونَ أجنحةَ الفَراشاتِ ويَسْرِقُونَنَا / ويَتَسَوَّلُونَ بِاسْمِ القَتْلَى والقَتيلاتِ / وَلَم يَعُدْ لِسُعالِ النَّسْرِ اسْمٌ سِوى الغاباتِ الأُرْجُوَانِيَّةِ /   
     بَيْنَمَا كَانت العَصَافيرُ تَنْقُرُ جُثتي في الشَّارعِ / كَانت جَاراتي يَلْعَبْنَ الغولفَ في قَاعِ البَحْرِ / وأنا ألْعَبُ الغولفَ في حُفَرِ المجاري/ أنا الملِكُ المخلوعُ/ وبَلاطُ زِنزانتي هُوَ البَلاطُ الملَكِيُّ/ وَلَن يَجِيءَ الْمَوْكِبُ/ فيا أيَّتُها الْمَمَالِكُ الْمُنهارَةُ بَيْنَ رُعاةِ الغَنَمِ ورُعاةِ البَقَرِ/ أيَّتُها الحضَارةُ المقتولةُ بَيْنَ عُلَبِ المِكْياجِ وعُلَبِ المشروباتِ الغازِيَّةِ / لا أتذكَّرُ سُعالَ أُمِّي في الشِّتاءِ/ أتلاشَى في عَتَمَةِ غُرفتي مِصْبَاحاً مِنَ الكَهْرَمانِ المكسورِ/ لأنَّ أسماكَ القِرْشِ ابْتَلَعَتْ شُموعَ عِيدِ مِيلادي/ أنا في الْعِشْقِ مَقتولٌ أوْ مَقتولٌ/ فاكْتُبوا وَصِيَّتي عَلى أبراجِ الحمَامِ/ وخُذوا عِظَامي قِيثارةً للقَمْحِ / وكُونوا نَشيداً للجُثَثِ الْمَجْهُولةِ الْهُوِيَّة / هَذا البَحْرُ شَهيدُ الذاكرةِ / والبَحَّارُ الغريقُ هُوَ الشَّاهِدُ عَلى اغتيالِ الذِّكرياتِ /
     سَتُوَقِّعُ الرَّاقصاتُ عَلى رَاياتِ القَبائلِ للذِّكرى / حُزْنُ الشَّوارعِ يَأْكُلُهُ البَعُوضُ كالبِيتزا الْمَسْمُومةِ / يَا نَهْراً تَمْشي عَلى جَسَدِهِ الصَّراصيرُ / وَلا يَقْدِرُ أن يَقْتُلَهَا / أكَلَني الدُّودُ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / وأنا القائدُ الفاتِحُ في أدغالِ الصَّدَمَاتِ العاطِفِيَّةِ / يَا وَحْشَةَ الدِّيكِ بَعْدَ انتحارِ الدَّجَاجَاتِ / لا زَوْجَةٌ تُشَارِكُنِي جَسَدي إِلا الرِّمال / ولا عَصيرٌ تَشْرَبُهُ الفَرَاشَاتُ إِلا الرَّماد /  
     يَا قَلَمَ الحِبْرِ الذي يُطْلِقُ الرَّصاصَ على قَلَمِ الرَّصاصِ / لَم يَعُدْ لَدَى العُشَّاقِ مَا يَكْتُبُونَهُ / انكَسَرَتْ أبجدِيَّةُ العِشْقِ في أشِعَّةِ القَمَرِ / وسَقَطَت الأساطيرُ مِن حَقَائِبِ السَّيداتِ / وَسَقَطَ المِكْيَاجُ في كُوبِ النِّسكافيه / سَيَعْرِفُ المساءُ مَهَارَتَهُ في البُكاءِ / عِندَما تَسْقُطُ كُرَاتُ التِّنسِ في سُعالِ اليَتيماتِ / أحلامُ الطفولةِ وَقَعَتْ عَلى سَكَاكِينِ المطْبَخِ / فَيَا أيُّها البَرْقُ فَوْقَ تِلالِ الأحزانِ / خُذْ جُثماني تاريخاً لِطُفولةِ النَّهْرِ/مِشْنَقَتي هِيَ الشُّوكولاتةُ بالفَانيلا/فاترُكْني للرِّيحِ كَي تَأكُلَني/ ولا تَجْرَح أحزانَ الطفولةِ / وُلِدْنا تَحْتَ الأرضِ / وَمِتْنَا تَحْتَ الأرضِ / مُسَافِرٌ أنا / وَضَريحي هُوَ حَقيبتي .