28‏/10‏/2019

الحب الضائع بين ظلال السيراميك / قصيدة

الحب الضائع بين ظلال السيراميك / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     يَرْكُلُ الأيتامُ جُمْجُمَتي في حَدائقِ الطاعونِ مِثْلَ كُرَةِ القَدَمِ / وَحيدٌ أنا في زَحْمَةِ أشلائي / حُزني يَخْلَعُ أنابيبَ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ كأنظمةِ الْحُكْمِ / أنا المقتولُ في المساءِ الخريفِيِّ الغامضِ/ أركضُ إلى شَاطِئِ الوَهْمِ كَي أَسْأَلَ قَاتِلِي/ ظِلِّي الأوَّلُ هُوَ دَمِي الثاني ؟/ طَيْفُ القَتْلَى يُطَارِدُنِي في أحلامِ الطفولةِ / أخشابُ سَفينتي الغارقةُ هِيَ صُلْبَانُ الرَّاهباتِ العَمْيَاواتِ / والذُّعْرُ يَرْكُضُ في أجفانِ الصَّبايا/ والرِّيحُ تُرَتِّبُ التوابيتَ عَلى سَطْحِ كُوخي / أنا مَقبرةٌ مُتَنَقِّلَةٌ بَيْنَ صَهيلِ الزَّنابقِ / مَشَاعِري مَكْسُورةٌ كَبَلاطِ الزَّنازين / قَلْبي مَهجورٌ كأعشاشِ النُّسورِ / التي مَاتتْ في رِئَةِ البَحْرِ / وَقَعْتُ في آبارِ رُوحِي / سَقَطَ قَلْبي في حُفرةِ الدَّمْعِ / أركضُ إلى احتضاراتِ البُحَيرةِ / أرى الطيورَ الجارحةَ تأكُلُ جَوَارِحِي/ أبكي عَلى شَاطئِ العَارِ وَحيداً/ وَكَانَ الغُزاةُ يَمْشُونَ تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ/ وَكُنْتُ أَجْمَعُ عِظَامَ الغَرْقى كَطَوَابِعِ البَريدِ/ سَيَكُونُ قَبْري تَحْتَ شَجَرَةِ الصَّنَوْبَرِ البَاكِيَةِ/ فَلا تَخَفْ مِن هَيْكَلي العَظْمِيِّ/ حِينَ يَعْقِدُ هُدْنةً بَيْنَ القَبائلِ الْمُنْقَرِضَةِ/ لا بُدَّ مِنَ الْمَحْرَقَةِ كَي يَتَحَرَّرَ الكَبْشُ مِن نَفْسِهِ / كُلُّنَا رَهَائِنُ في ذَاكرةِ الغَيْمِ / سَتَمُوتُ البُحَيرةُ فِدْيَةً عَن البَحْرِ / يَغتالُنَا المطَرُ نِيَابَةً عَن الزَّوابعِ / سَوْفَ تَصْعَدُ جَدائلُ السَّبايا مِن بَخُورِ القَرَابين / وأشلاءُ القَمَرِ تَصْعَدُ مِن شُقوقِ الليلِ / سِحْرٌ قَديمٌ يَشُدُّنِي إِلى عَيْنَيْكِ يَا قَاتِلَتِي / سِحْرٌ سَمَاوِيٌّ يَشُدُّني إِلى ضَريحي السَّابِحِ في الغروبِ / نَمْتَلِكُ نَفْسَ قَارُورةِ العِطْرِ المكسورةِ / نَمْتَلِكُ نَفْسَ فَصيلةِ الدَّمِ الْمَسْمُومِ / نَمْتَلِكُ نَفْسَ خَارِطَةِ المقبرةِ/ نَمْتَلِكُ نَفْسَ بَصمةِ الموْتِ / وَسَنَمُوتُ مَعَاً / وَنَسْبَحُ في الشَّفَقِ الغامِضِ إلى الأبَدِ / أنا وقَلْبي وَصَلْنا إلى نُقطةِ اللاعَوْدَةِ / وَافْتَرَقْنَا إلى الأبَدِ /
     في كُلِّ خَريفٍ / أرى امرأةً تَدُسُّ لِيَ السُّمَّ في عَصيرِ الذِّكرياتِ / قَبَّلَتْنِي الشُّموسُ التي تَغِيبُ في مُدُنِ الملاريا/ والحمَامُ الزَّاجِلُ يَنتحِرُ في الخنادِقِ / وَمَجْدُ الجيوشِ يُكْتَبُ في الوَحْلِ/ الذي سَارَتْ عَلَيْهِ الرَّاهباتُ الْمُغْتَصَبَاتُ / انتظِرْني أيُّها الوَهْمُ في دِمَاءِ الملوكِ المخْلُوعِين / أَشْرَبُ عَصيرَ الليْمُونِ مَعَ حَارِسِ قَبْري / لِتَرْتاحَ أعصابي قَبْلَ الاحتضارِ / أنا والبَحْرُ نَحْرُسُ أشجارَ المقبرةِ / والموْتُ يَحْرُسُنا/ وَيَجْمَعُ ذِكْرَيَاتِنا كالعُملاتِ النَّادرةِ / كُنتُ أُرَتِّبُ أثاثَ قَبْري/ وَرَأَيْتُ الدُّودَ يَأكُلُ لَحْمي بالمِلْعَقةِ والسِّكين / قُتِلْتُ في الرَّبيعِ / لَكِنَّ الحمَامَ الزَّاجِلَ كَفَّنَني في الخريفِ / أَهْرُبُ مِنَ النِّساءِ اللواتي يَعْشَقْنَ الْحُزْنَ في عُيُوني/ أحزاني هِيَ مُعَادَلَةُ الرِّياضياتِ بَيْنَ صَوْتِ المطَرِ وَصَوْتِ الرَّصاصِ/ أَقْرَأُ اسْمِي في صَفحةِ الوَفَيَاتِ/ ثُمَّ أَذْهَبُ إلى مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ /
     بَيْنَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ وَطُيُورِ الكُوليرا/ تُولَدُ نَخْلَةٌ عَمْيَاءُ كأحزاني/ حُزني لا يُفَرِّقُ بَيْنَ حَبْلِ المِشْنقةِ وَحَبْلِ الغسيلِ / سَأَشْنُقُ نَوَارِسَ البَحْرِ بِحِبَالِي الصَّوتيةِ / وأموتُ على خُدودِ الشاطئِ كالقُصورِ الرَّمليةِ / التي بَنَاهَا الأيتامُ / وَرَحَلُوا إلى البُكاءِ السَّحيقِ / يَزْرَعُ الرَّملُ مُغامَرَاتِهِ العاطفِيَّةَ في نُقطةِ اللاعَوْدَةِ / سَوْفَ يَشْرَبُ الْمَوْجُ القِلاعَ الْمَبْنِيَّةَ مِن عِظَامِ الفُقَراءِ / والصَّدى الماحي يَسْرِقُ صَوْتَ الرُّبَّانِ الغريقِ/ كُلُّ حِكَاياتِ الْحُبِّ تَمْشي إلى الفَراغِ بَعْدَ اغتيالِ الشُّموعِ / وكُلُّ شُطآنِ الذِّكرياتِ تَسِيرُ إلى الوَهْمِ بَعْدَ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ /
     أيُّها النَّسْرُ المشلولُ / ابْسُطْ جَنَاحَيْكَ عَلى جِيفةِ الحضارةِ / انْثُرْ أحلامَ طُفُولَتِكَ عَلى أوْتَارِ الكَمَانِ المكسورِ / تُهَرْوِلُ السَّنابلُ في نَعْشي / الوَطَنُ تُفاحةُ الرَّمادِ / وَالْمَنْفَى رَمَادُ التُّفاحةِ / أَمُوتُ في غَابةِ اللازَوَرْدِ مَنبوذاً / لا تاريخٌ وَرائي / ولا حَضارةٌ أمامي / مَا تَبَقَّى مِن دِماءِ العُشَّاقِ عَلى صُخورِ الشَّاطئِ / أحْرَقَ الضِّفْدَعُ اليَتيمُ جُثةَ البُحَيرةِ / ورَمادُ الْجُثةِ في عَصيرِ البُرتقالِ أوْ قَارورةِ الحِبْرِ / يَخْرُجُ مِن احتكاكِ عِظَامي ضَوْءٌ / يُرْشِدُ السُّفُنَ الضَّالةَ في دِمَاءِ الشَّفقِ / والأراملُ يَحْتَفِلْنَ بِذِكْرَياتِ الغَرْقَى/ والمطَرُ هُوَ المِصْبَاحُ المكسورُ عَلى سُورِ المقبرةِ/ أرَى فِرَاشَ الموْتِ في لَيْلةِ الدُّخلةِ/ أرَى الموْتَ في كُلِّ زَهْرَةٍ تَتَفَتَّحُ / أَكَلَ الجرادُ أوْسِمَتِي العَسكرِيَّةَ / وتَبْحَثُ بَناتُ آوَى عَن رَاتِبي التَّقَاعُدِيِّ / لَكِنَّ عُشْبَ المقبرةِ جَرَّدَنِي مِنْ جِنسِيَّتي / وصَارَتْ جِنْسِيَّتِي نَهْراً مَحْكُوماً بالإعدامِ / وأنا الْمَنْفِيُّ بَيْنَ طُبُولِ الْحَرْبِ وَمُوسِيقَى الوَدَاعِ الأخيرِ/ أنا الْمُهَاجِرُ بَيْنَ الرَّايات البَيضاءِ وأُغْنِيَاتِ البَدْوِ الرُّحَّلِ/ شَبِعْتُ مَوْتاً / وَالْتَقَيْتُ بأصدقائي القَتْلَى في طَريقِ البَحْرِ قُرْبَ نِقَاطِ التَّفتيشِ / والبَحْرُ خَرَجَ مِنْ جِلْدي وَلَم يَعُدْ /
     أيُّها النَّهْرُ المجروحُ عَاطفِيَّاً / جَسَدُكَ مَعَ الكَاهِنَةِ / وَقَلْبُكَ مَعَ السَّاحِرَةِ / وَلَم تَعْرِف الرَّاهباتُ الطريقَ إلى الأدْيِرَةِ القَديمةِ تَحْتَ الأمطارِ/ يَا شُطْآنَ الدَّمْعِ/اقْتُلي الْحُبَّ في قَلْبِ البُحَيرةِ كَي تَرتاحَ/ كُسِرَت التِّيجانُ / وَسَقَطَت الْمَمَالِكُ / والْمَلِكُ المخلوعُ يَلْعَبُ الشِّطْرَنجَ مَعَ الجواري/ اللواتي يَغْتَسِلْنَ بِمَاءِ عُيُونِهِنَّ في لَيْلةِ الرَّحيلِ / والرَّاهبةُ العَمْياءُ تَهُزُّ ثَدْيَيْهَا في سَراديبِ مَحاكمِ التَّفتيشِ /
     الكِلابُ البُوليسِيَّةُ تَلتهِمُ نُهُودَ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ عِندَ الحواجِزِ العَسكرِيَّةِ / مَاتَ الْمَلِكُ / وانتَهَتْ لُعبةُ الشِّطْرَنجِ / وَالملِكَةُ لَم تَسْتَفِدْ مِنَ الأشعارِ الرُّومانسِيَّةِ في مُمَارَسَةِ الجِنْسِ / أنظرُ إلى المرايا / وَأَسْأَلُ الصَّدى بَعْدَ اغتيالِ الصَّوْتِ / مَن أنا ؟ / أَرْحَلُ إلى طُفولةِ الزَّوابعِ / الأراجيحُ مُعَلَّقَةٌ عَلى حِبَالِ المشانقِ / يَبْني الأطفالُ القُصورَ الرَّمْلِيَّةَ / وَيَبْحَثُونَ عَن جُثَثِ آبائِهِم في الزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ / يَلْعَبُ الأيتامُ كُرَةَ القَدَمِ / وَيَبْحَثُونَ عَن جَثامينِ أُمَّهَاتِهِم في الأمطارِ الْمُضيئةِ / ذَهَبَتْ رُومانسِيَّةُ النِّساءِ إلى فِرَاشِ الموْتِ / وَبَقِيَتْ حَمَّالاتُ الصَّدْرِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / (( يَا بِنْتُ أَهلوكِ قَد جَعَلُوا جَمَالَكِ سِلْعةً / تُشْرَى وَبَاعَ بَنُو أبِي أوطاني )) /
     أيَّتُها الفَراشةُ العَرْجاءُ التي كُسِرَ كَعْبُ حِذَائِهَا / عَلى بَلاطِ الزِّنزانةِ أوْ بَلاطِ صَالةِ الرَّقْصِ / لَسْتُ شَاعِرَ البَلاطِ/ أَحِبِّيني أو اكْرَهِيني/ لا فَرْقَ بَيْنَ الموْتِ والاحتضارِ / كُلُّ الطيورِ الخارِجَةِ مِنْ قَفَصي الصَّدْري إلى أثاثِ المنافي/ تُعِيدُ هَندسةَ شَوَاهِدِ القُبورِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ الْمَغْسُولِ بِالعَارِ / الدُّمَى في مَسْرَحِ العَرَائِسِ مَلِكَاتٌ سَبَايا/ انكَسَرَ الصَّوْتُ في لَيْلِ الشِّتاءِ / وانكَسَرَ الصَّدى في قِطَارِ الوَداعِ/ ذَلِكَ المقتولُ هُوَ أنا/ لَم أتَبَادَل القُبُلاتِ مَعَ لاعباتِ التِّنسِ الصِّرْبِيَّاتِ في حِصَارِ سَرَاييفو /
     أيُّها الليلُ المصْلُوبُ عَلى نَخْلَةِ الرَّحيلِ / كُلَّمَا نَظَرْتُ إلى المِرْآةِ رَأَيْتُ الدَّمْعَ في عُيُونِ أبي / والذبابُ يَختبِئُ في مَزْهَرِيَّةِ الوَدَاعِ / حَاجِزٌ عَسكرِيٌّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ / وَالقَرَاصِنَةُ يَرْفَعُونَ الملابِسَ الدَّاخليةَ النِّسائِيَّةَ أعْلاماً للقَبَائلِ / وَيَرْقَعُونَ أغشيةَ البَكارةِ للأميراتِ السَّبايا بَعْدَ اغتصابِهِنَّ / وَرَاقصاتُ التَّانغو سَائراتٌ عَلى خُطَى غِيفارا / والفَتَيَاتُ خَارِجَاتٌ مِنَ الأحزانِ الْمُفَخَّخَةِ / يَزْرَعْنَ الماريجوانا في جُثَثِ البَحَّارةِ الْمَنْسِيَّةِ عَلى شَاطِئِ الطحالبِ / والنَّعناعُ يَفْرِضُ عَلى رِئَتي الإقامةَ الْجَبْرِيَّةَ / خَسِرَ المساءُ رُومانسِيَّةَ بَناتِ آوَى / والرَّمْلُ الأخضرُ يَكْتُبُ رَسائلَ الْحُبِّ للبُحَيراتِ الْمُطَلَّقَةِ / التاريخُ طَحَالِبُ الحضَارةِ / وثُلوجُ الرَّحيلِ هِيَ هَنْدَسَةُ شَوَاهِدِ القُبورِ في الْمَنَافي / كَسَرَ المساءُ رِئَةَ الطائرِ الآلِيِّ / والرِّيحُ هِيَ المسافةُ الفاصلةُ بَيْنَ بَسَاطيرِ الجنودِ وجُثَثِ الغُرَباءِ / وجُثمانُ الخريفِ هُوَ الحاجِزُ العَسكرِيُّ / بَيْنَ دَمي الأحمرِ وإشارةِ الْمُرُورِ الحمراءِ / والإِمَاءُ يُوَدِّعْنَ أغشيةَ البَكَارةِ في مَحطةِ القِطَاراتِ / قَلْبي يُطْلِقُ الرَّصاصَ الْحَيَّ عَلى ذِكْرياتي / وَالشُّطآنُ خَانَتْ زَوْجَهَا البَحْرَ مَعَ عَشِيقِهَا النَّهْرِ /
     هل أنا مَدْفُونٌ في مَقبرةِ العائلةِ ؟ / هَل نَجَا أحَدٌ مِنَ المجزرةِ ؟ / هَل نَجَتْ طُيُورُ البَحْرِ مِنَ الإِعصارِ ؟ / هَل أنا مِن هُوَاةِ جَمْعِ الطوابعِ النَّادرةِ أَوْ جَمْعِ النُّعوشِ الْمُزَخْرَفَةِ ؟/ أيُّها الْمُسْتَحِيلُ الزُّمُرُّدِيُّ / افْتَحْ ذِرَاعَيْكَ لاستقبالِ دُموعِ النِّساءِ/ التي تَرُجُّ وَحْشَةَ الشِّتاءِ / يَحْمِلُ الأطفالُ جُثَثَ أُمَّهَاتِهِم في الحقائبِ المدرسِيَّةِ / والمقابرُ تَمْتَلِئُ بِرَائِحةِ الشَّمْسِ في لَيالي البُكاءِ/ وأشِعَّةُ القَمَرِ تُوَازِي شَوَاهِدَ القُبورِ / رَأيتُ العَناكبَ الْمُضيئةَ تَتَلاعَبُ بِجِيفَتِي الْمُعْتِمَةِ / وَحِينَ يَهْجُمُ المساءُ / يَسْكُنُ الأمواتُ في الْحُزْنِ الفاصلِ بَيْنَ جِلْدي وَقَميصي / تَرْكُضُ رِمَالُ البَحْرِ إلى الموْتِ في ليالي الخريفِ / والخيولُ التي تَجُرُّ عَرَبَاتِ القَتْلَى / نَسِيَتْ حَوَافِرَهَا عَلى الرُّخامِ / وَسُخُونةُ دَمْعي تَصْهَرُ قُيُودي الجليدِيَّةَ / سَتُزْهِرُ تَوَابِيتُ البَحَّارةِ خَوْخَاً وَصَهيلاً / وَتَظَلُّ آثارُ الْحُقَنِ في ذِرَاعِ النَّهْرِ / وَتَبْقَى ظِلالُ القَتيلاتِ عَلى بَراويزِ غُرفتي / ضَفَائِرُ الزَّوبعةِ مَبْلُولةٌ بالسُّمِّ / وأنا طِلاءُ أظافرِ القَاتِلةِ / وَالكَاهِنَةُ تُخَبِّئُ شَهْوَتَهَا في المزهرِيَّاتِ الأثرِيَّةِ / أرى وُجُوهَ القَتْلَى عَلى قَطَرَاتِ المطرِ/ مَاتَ العُشَّاقُ في مَطْعَمِ الأحلامِ الضَّائعةِ/ وَسَقَطَ البَعُوضُ في عَصيرِ الليْمُونِ / وأنا الغريقُ / لَكِنَّ الْمَوْجَ يُبَلِّطُ زِنزانتي بالسِّيراميك /
     أحزانُ قَلَمِ الرَّصاصِ تَغتصِبُ الحِبْرَ / سَأَصِيرُ خَريطةً في يَدِ سَائحةٍ تَخَافُ الوُصُولَ / كُلُّنا نَمْشي ولا نَصِلُ / والطريقُ إلى البَحْرِ أجْمَلُ مِنَ البَحْرِ / ولا طَريقَ إلا البَحْرُ / قَلْبي أجْمَلُ مَقبرة / وكُلُّ الأشياءِ حَوْلي تَغتالُني/ كُوبُ الشَّايِ مُحَلَّى بالجثامينِ الطازَجةِ/ استراحةُ الملِكَاتِ بَعْدَ الجِمَاعِ/ والجِرْذانُ تَتَجَوَّلُ في شَهيقِ الفَراشةِ / لا تَكْرَهْنِي أيُّها الكَرَزُ الصَّاعِدُ مِنْ فِرَاشِ الموْتِ / أنا خَائِنٌ / قَلْبي مَعَ البُحَيرةِ / وَجَسَدي مَعَ التِّلالِ / أحزانُ الطفولةِ في قَاعِ البَحْرِ / وَمَرَاكِبُ الصَّيْدِ تَعُودُ في المساءِ فَارِغَةً / تَعَالَ إِلَيَّ أيُّها النِّسيانُ الفُسْفُورِيُّ / كَي أنسَى الأمواتَ الذينَ يَسْكُنُونَ في قَفَصي الصَّدْرِيِّ / كَي أنسَى طَرِيقَ الدُّموعِ تَحْتَ قَمَرِ الذِّكرياتِ / الذي لا يُضِيءُ إِلا فَوْقَ المقابرِ / فامْشِ في طَريقِ أشْلائِكَ / لا طَرِيقَ إِلا طَريقُكَ / تاريخٌ يُولَدُ في الدُّموعِ بِلا شُمُوع /
     سَيِّدَتِي / أَكْمِلِي المِشْوَارَ بِدُونِي / يَشتعِلُ المطرُ كَعُودِ الثِّقابِ مَرَّةً وَاحدةً / ثُمَّ يَنطفِئُ إلى الأبَدِ/ نَلْعِبُ بِكُرَيَاتِ دَمِنَا في الوَقْتِ الضَّائعِ / وَلَم يَمْنَحْنَا البَحْرُ فُرصةً للتَّعويضِ أو الثَّأرِ / فَاتْرُكِيني أغَرْقْ في نَهْرِ الأحزانِ / دَرَسْتُ الْجُغرافيا في المقابرِ الجمَاعِيَّةِ / لَكِنِّي لَم أعْرِفْ مَنْبَعَ نَهْرِ الأحزانِ /
      جَسَدُ البُحَيرةِ كالغِرْبَالِ مِن أثَرِ الرَّصاصِ / تَصْعَدُ حَبَّاتُ الكَرَزِ مِن شُقوقِ رِئتي / والأمطارُ مَثقوبةٌ كالبَنادقِ الآلِيَّةِ / سَلِّمِينِي لِذَاكِرَةٍ غَامضةٍ بِلا ذِكْرَياتٍ / سَيَكُونُ ثَلْجُ عَيْنَيْكِ الدَّامي هُوَ الكَاهِنَ والقُرْبَانَ / أنا لَسْتُ لَكِ / أنا للمَوْتِ الوَهَّاجِ /
     يَا إِلَهي / قَلْبي مُنْكَسِرٌ / فَلا تَتْرُكْهُ للهَدْمِ / سَأَظَلُّ سِرَّاً غَامِضَاً كالْمَوْتِ في عُيُونِ الفَرَاشَاتِ / كَالْحُزْنِ في عُيُونِ الشَّرْكَسِيَّاتِ / سَأَظَلُّ مَوْتاً غَامِضاً بَيْنَ حِصَارِ بَيْرُوتَ وَحِصَارِ سَرَاييفو / يُذَوِّبُ الرَّعْدُ جَثَثَ العُشَّاقِ الْمُتَعَفِّنَةَ في عَصيرِ البُرتقالِ الطازَجِ / فَيَا عَشيقةَ الْمَلِكِ الْمَخْلُوعِ / سَيَفْرُشُ الوَحْلُ السَّجَّادَ الأحمرَ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ / وَيَصْنَعُ الكَمَانَ مِن خُيُوطِ العَنْكَبُوتِ / يُصْبِحُ السَّجينُ سَجَّاناً في سِجْنٍ يُطِلُّ عَلى البَحْرِ الأخيرِ / فَلا تَكْرَهْ نافذةَ السِّجْنِ التي تُطِلُّ عَلى أشلاءِ النَّوارسِ / سَتُصْبِحُ الفَريسةُ صَيَّاداً / فَلا تَكْرَهْ غَابةَ الكَهْرَمانِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ / سَتُصْبِحُ الضَّحِيَّةُ جَلاداً / فَلا تَغْسِلْ مَرَاحِيضَ الفَنادقِ الرَّخيصةِ بِصَابُونِ الغُرَبَاءِ وشَامبو الذِّكرياتِ / سَاعَةُ الحائِطِ في زِنزانتي بلا عَقَارِبَ / أَكَلَتْ عَقَارِبُ الصَّحراءِ عَقَارِبَ السَّاعةِ / وَمَاتتْ لَيْلَى / وَالذِّئبُ يَحْرُسُ قَبْرَهَا .