06‏/10‏/2019

رسائل إلى أرملتي الشابة / قصيدة

رسائل إلى أرملتي الشابة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

     أنا أَمُوتُ كَي أتحرَّرَ مِنَ الموْتِ / هَذِهِ نَظَّارتي الشَّمْسِيَّةُ شَاهِدُ قَبْرٍ للصَّنَوْبَرِ / افْرَحْ يَا أبي / سَيَكُونُ لِي بَيْتٌ عَلى ظَهْرِ رَصاصةٍ طَائشةٍ / نَمشي في مَملكةِ الفَجْرِ الكَاذِبِ أَسْرَى يُغَازِلُونَ الجواري / لا بُوصَلَةَ لَنا سِوَى بُكائِنا / بَعْدَ أن تَقَاسَمْنَا جُثمانَ الأمواجِ /
     يُشَاهِدُ الأسْرَى السِّينما في الزَّنازين / ومُسْتَنْقَعَاتُ الدَّمِ هِيَ الْمُوسِيقى التَّصْوِيرِيَّةُ / وأكوامُ الْجُثَثِ هِيَ السِّيناريو الرُّومانسِيُّ / وَالقِطَطُ العَمْيَاءُ تَحْتَ المطَرِ / أخْبِزُ جُوعِي / وأُطْعِمُ قُضْبَانَ السِّجْنِ / وذَلِكَ المساءُ يَنْزِفُ حَتَّى الموْتِ/ فاعْبُرْ جِسْرَ الأشلاءِ يَا لَمَعَانَ مَساميرِ النُّعوشِ / سَتَمْشِي الفَراشاتُ تَحْتَ جُسُورِ مُدُنِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / خُذُوا مَجْدَكُم في رَعْيِ السُّنونو يَا لُصوصَ الذِّكرياتِ/ أتجوَّلُ في سُعالي/ أُهَرْوِلُ إلى جُثماني/أركضُ في خُيوطِ أكفاني الوَهَّاجةِ/ أجفاني لا تَعْرِفُ الطريقَ / لَكِنَّ ضَوْءَ أظافري هُوَ الدَّليلُ السِّياحِيُّ /
     تُمَارِسُ العَناكِبُ رِيَاضَةَ الْمَشْيِ عَلى أكفانِ القَمْحِ / والعَواصِفُ تَسْكُبُ اليَانسُونَ عَلى عِظَامِ المطَرِ / كَي تَصْعَدَ الأحلامُ مِن قَبْرِهَا / نَنتظِرُ مَقْتَلَ النَّسْرِ كَي نُزَيِّنَ رِيشَهُ بالأوسمةِ / كُحْلٌ في عُيُونِ الزِّنزانةِ / وَالسَّنابلُ أُصِيبَتْ بِالْمَغْصِ في لَيْلةِ الدُّخْلةِ / حِيطانُ غُرْفَتي تَنتقِمُ مِنِّي / حِبْرُ الأمطارِ يَثأرُ لِمَقْتَلِي / وَتَنامُ إِشَاراتُ الْمُرُورِ في أمْعَائِي / وأنامُ في أمْعَاءِ العَاصِفَةِ / لأنَّ الفَرَاشَاتِ سَرَقَتْ خِيَامَ اللاجِئين / صَارَ دَمْعي هُوَ الاسمَ الْمُستعارَ للكَرَزِ / أنا وأنتَ يا وَطَني ننامُ في الشَّارعِ / وَالسَّادةُ يُقَرِّرُونَ مَصِيرَ الإِمَاءِ /
     أيَّتُها البِلادُ الغَامِضَةُ كَاليَاقُوتِ / اكتشفَ اليَمامُ قَبْراً غَامِضاً تَحْتَ شَجَرَةِ الْحُلْمِ الغامِضةِ / الْحُزْنُ أخي غَيْرُ الشَّقيقِ / وَالذبابُ الْمُتَجَمِّدُ في عَرَقِ الرَّاقِصَاتِ هُوَ شَقيقُ الصَّدى / وَالضَّبابُ مُحَنَّطٌ عَلى جَدَائِلِ الأمطارِ / أشْرَبُ الشَّايَ الأخضرَ تَحْتَ أشجارِ الكُوليرا / وَأنتظِرُ الفُرْسَانَ القَتْلَى لِيَحْرُسُوا رُمُوشَ السَّبايا /
     النَّيازكُ التي تَلْمَحُ الْحُزْنَ في عُيُونِ أُمِّي / لَن تُجَهِّزَ الغَدَاءَ للأنهارِ المذبُوحةِ / تمشي الصَّبايا عَلى الْمَرْمَرِ الْخَشِنِ / وَالفِئْرَانُ تَكْشُطُ مِكْيَاجَ وُجُوهِهِنَّ / تَحْبَلُ النِّسَاءُ بالرِّمالِ / وَيَلِدْنَ الصَّحْرَاءَ / يَغْرَقْنَ في مِلْحِ الطعامِ / فَكُن تاريخاً مُحَايِدَاً بَيْنَ مِلْحِ الدَّمْعِ ومِلْحِ البَحْرِ / الرِّمالُ هِيَ أُنوثةُ الْهُدْنةِ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ ومَلاقِطِ الحواجِبِ / والذُّعْرُ قِناعُ كُلِّ الوُجُوهِ / تَنْتَحِرُ السَّنابلُ في الذِّكرياتِ الكِلْسِيَّةِ / فَيَرِثُهَا الشَّعيرُ القُرْمُزِيُّ / آكُلُ السَّرابَ بالمِلْعَقَةِ / وَالنِّساءُ الْمُغْتَصَبَاتُ يَخْتَبِئْنَ في صُحُونِ المطبخِ / الصَّدى نَشيدُ الرِّئةِ الثالثةِ / وتاريخُ البَحْرِ هُوَ الوَجْهُ السَّابِعُ للنَّرْدِ / وفي أوحالِ الْمُخَيَّمِ لَمَحَت العُقْبانُ تارِيخَها العَاطِفِيَّ / فَاضْحَكْ أيُّها الضَّبابُ / صِرْتَ مَلِكَاً عَلى قَطيعِ الغَنَمِ / وسَيِّداً عَلى العَوَانِسِ / وَمُرْشِدَاً سِيَاحِيَّاً للعُمْيان / وَنَحْنُ صَاعِدُونَ إِلى رُفَاتِ الأمواجِ / كَي نُزَيِّنَ سُعالَ الفُقراءِ بالأغاني الوَطَنِيَّةِ / لا ذَاكِرَةٌ للقَوَّادِينَ كَي يَدْرُسُوا مَشَاعِرَ البَغايا/ وَلا حُلْمٌ للنَّخَّاسِينَ كَي يُزَخْرِفُوا أسواقَ النِّخاسةِ / لا وَقْتٌ يَمْلِكُ سُلْطَةً عَلى جَسَدي سِوَى السَّنابل / وَلا حُقُولٌ تَنْزِفُ ضَوْءاً سِوَى الرَّصاصِ الْحَيِّ / صَارَتْ جِيَفُ الضِّباعِ حُبُوباً مُنَوِّمَةً يَتَنَاوَلُها الْمُسْتَنْقَعُ البلورِيُّ لِيَنامَ في زِنزانتي / وَذَلِكَ دَمُ السَّناجبِ الْمَسْفُوحُ في الضَّبابِ/ أبيعُ رُموشي الكِلْسِيَّةَ لأَشتريَ خِيَاماً لليَمَامِ الغريبِ/لأنَّ وَطَني هُوَ الْمَنْفَى/ أفتحُ أوْرِدَتي في الطُّرُقَاتِ الخرْسَاءِ لِكَيْلا يَمُوتَ الليلُ عَطَشَاً/ أجْلِسُ عَلى كُرْسِيٍّ هَزَّازٍ عَلى شَاطئٍ مَنْسِيٍّ أنتظِرُ الطوفانَ / والأمواجُ انتَحَرَتْ وَهِيَ شَابَّةٌ / كَي تَبْقَى إلى الأبَدِ وَرْدَةً بِلا تَجَاعِيد / فَخَامَةُ الرَّئيسِ الأراجُوزِ / وَحَفلاتُ المشانقِ / هذا أنا / أحْمِلُ شِتَاءَ الأراملِ عَلى حَواجبي / والجرادُ يَتَسَلَّقُ طُحَالي / أجْلِسُ أمامَ مَوْقَدَةِ الخريفِ كَالحقولِ المذْبُوحةِ / كَي يَرْسُمَني القَمَرُ / والغُيومُ تُطْلِقُ الرَّصاصَ عَلى العَصافيرِ / مَاتت الأنهارُ اكتئاباً / وَدَخَلَت أشجارُ الغاباتِ في الحِدَادِ/ والأكفانُ مُعَلَّقَةٌ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَالضَّبابُ الأزرقُ يُقَبِّلُ الأضرحةَ البُرتقالِيَّةَ / والقُبورُ تَرْكُضُ في الدُّروبِ القَذِرَةِ / وَالشُّعوبُ فِئْرَانُ تَجَارُبَ بِلا جِنْسِيَّةٍ / تَبْحَثُ عَن فَضَلاتِ الطعامِ / وَأشْلاءُ السُّنونو مَزْرُوعَةٌ في سَقْفِ حَلْقِي / يَا غَرِيبُ / خَزِّن الدِّماءَ الملَكِيَّةَ في حُفَرِ المجاري/ تَرْتَطِمُ النُّسورُ بِحِجَارةِ النَّيازكِ / وَعَرَقُ الكَهَنَةِ أجْرَاسٌ في حُلْمِ الكَسْتَناءِ / نَسِيَ الغُروبُ شَمْسَ الضَّحايا تَحْتَ قَمَرِ الخريفِ / لا حِجَارَةُ سَقْفِ حَلْقِي بَلاطُ صَالَةِ الرَّقْصِ / وَلا دَفَاتِرُ المدرسةِ لِقَاءُ العُشَّاقِ في دُروبِ المذْبَحةِ / خُذْ مَذْبَحَتي طَابَعَ بَريدٍ تِذْكارِيَّاً / وَكُن حَوْلَ مَوْتي نَشيداً للذينَ يَرْمُونَ حَنَاجِرَهُم في مَصَافي النِّفْطِ / وأنا جَالِسٌ عَلى بُرودةِ أعصابي في ثَلاجةِ الموتى/ لَم يَكُن الْحُلْمُ سِوَى نَخْلَةٍ تَمشي عَلى قَدَمَيْها إلى المِشْنَقةِ / وَتُمَزِّقُ شَراييني المعدنِيَّةَ /
     المساميرُ دُستورُ شَعْبِ الأغنامِ / امْنَحْنِي ضَوْءَ النَّخيلِ في أعالي الصَّليلِ / سَأترُكُ أهْلَ الكُوفةِ يَقْتَسِمُونَ دَمَ الْحُسَيْنِ / وَطَنٌ خَالٍ مِنَ الوَطَنِ / بِلادٌ لا بِلادَ فِيها / أزُورُ مُنْتَجَعَاتِ أشلائي / أُزَوِّرُ انتخاباتِ أشجارِ المقابرِ/ حُكُومةُ بَنَاتِ آوَى لَيْسَتْ أذْكَى مِن كَانَ وأخَوَاتِهَا / أيُّها الغَيْمُ القُرْمُزِيُّ/ أنتَ صَنَعْتَ مَجْدَ الفَرَاشَةِ / وَأنتَ مَن سَتُدَمِّرُهَا / الكَاهِنُ سَيَقْتُلُ الملِكَ / والملِكُ سَيَقْتُلُ الملِكَةَ/ لَن يُقَدِّمَ قَوْسُ قُزَحَ عُكَّازةً للرِّيحِ العَمْيَاءِ / فَيَا شَاطِئَ البُكاءِ / لا تَثِقْ بِالْبَحْرِ/ مُذْ وُلِدْتُ وأنا أمشي إلى اللهِ / ذُنوبي تُفَتِّتُ عِظامي / وأنتظِرُ أمطارَ مَكَّةَ تَغْسِلُني / تَغْسِلُ العَبْدَ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلى سَيِّدِهِ .