08‏/10‏/2019

سأعيش مع السبايا / قصيدة

سأعيش مع السبايا / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     أيَّتُها اللبُؤةُ المذبوحةُ / تَنْزِفِينَ ذَهَبَاً عَلى أسْلاكِ الْمُعْتَقَلِ النُّحَاسِيَّةِ/ فَاسْكُبِي البنادقَ في فَراغي العاطفِيِّ / سَيَمُوتُ العُمَّالُ الفُقَراءُ في مَنَاجِمِ الذهبِ / مُحَاصَرِينَ تَحْتَ الأرضِ/ سَتُثْمِرُ الأشجارُ في شِتاءِ الرَّصاصِ جَمَاجِمَ نِسَاءٍ / وَتَرْتَدِي البَغايا مَلابِسَ عَسكرِيَّةً في أعياد الاحتضارِ / ويَشُدُّ جَيْشُ الزَّبَدِ البُحَيرةَ مِن شَعْرِها / وَيَمضي إلى تَاجِ الْهَاوِيَةِ / نَحْنُ الْمُهَرِّجِينَ نُضْحِكُ الجواري في أسواقِ النِّخاسةِ / والفَتَيَاتُ الْمُتَّشِحَاتُ بالسَّوادِ يَغْتَسِلْنَ في النَّهْرِ/ الذي يَرْفَعُ الرَّايةَ البَيْضَاءَ / وَيَعِيشُ رَمْلُ البَحْرِ في أسنانِ الْمُسْتَنْقَعِ ضِفْدَعَاً مَنْبُوذاً /
     عَرِيسَ المشانقِ / عَرُوسَ المقاصِلِ / يَتَشَمَّسُ المشنُوقونَ عَلى أعمدةِ الكَهْرباءِ/ وَتَقْطِفُ السَّنابِلُ حَنَاجِرَهُم / والرِّمالُ تُمَارِسُ الجِنسَ في ضَوْءِ القَمَرِ / وَهَذِهِ عِظَامي دُسْتورُ قَطيعِ الغَنَمِ بَعْدَ اغتيالِ الرَّاعي / سَآتِي مِن كَهْرَمَانِ الْجُرْحِ / وَيَتَقَمَّصُ جُثْمَانُ الضَّحِيَّةِ قِنَاعَ القَاتِلِ / نَحْنُ رُومَانسِيُّونَ مُنذُ سُقوطِ الأندلسِ / نَبْحَثُ عَن جَثامينِ آبائِنا في حِصَارِ بَيْرُوت / نُفَتِّشُ عَن ضَفائرِ أُمَّهَاتِنا في حِصَارِ سَرَاييفو / لا وَطَنٌ في الوَطَنِ / ولا مَنْفَى في الْمَنْفَى / فَعِشْ تَحْتَ الأرضِ مِثْلَ فِئرانِ التَّجَارُبِ / وَلْتَمُتْ تَحْتَ الأرضِ مِثْلَ عُمَّالِ المناجِمِ / كَيْفَ أبتسِمُ أمامَ النَّيازكِ ؟ / حِجَارةُ النَّيازكِ هِيَ حِجَارةُ ضَريحي/ تَدَهْوَرَتْ صِحَّةُ الأمواجِ / وَدَخَلَ الغَسَقُ في غَيْبُوبَةٍ / أَطْلَقْنَا عَلى البُحَيرةِ الرَّصاصَ الْحَيَّ في الشِّتاءِ البَعيدِ / وبَكَيْنَا عَلَيْهَا في إِجَازَةِ الصَّيْفِ /
     أيُّها الْمَلِكُ المخْلُوعُ / عَلِّمْنِي لَحْنَ النِّهايةِ / سَقَطَ السُّلَّمُ الموسيقِيُّ عَلى سُطوحِ الرَّحيلِ / واسْتَعَارَت الفِرْقَةُ الموسيقِيَّةُ طُبُولَ الْحَرْبِ مِن شَاطئِ المساءِ/ يا إِمبراطُورَ الزَّبَدِ/ دَرِّبْنِي عَلى رَقْصةِ الوَدَاعِ الأخيرةِ / أنتَ تَرْقُصُ على الجماجِمِ / وأنا أرْقُصُ عَلى دُموعِ آبائي / أنا الذِّراعُ اليُمْنَى للفَراشةِ العَمْياءِ / أنا الثائِرُ الصَّحراوِيُّ / لَكِنِّي وُلِدْتُ في الشَّفقِ / وَرَضَعْتُ مِنَ الغُيومِ / وُلِدْتُ قَبْلَ مَوْتي/ أُولَدُ بَعْدَ مَوْتي / البَحْرُ ذَاكِرَتي / وأجنحةُ النُّسورِ ضَريحي / والدِّماءُ على أزهارِ الصَّقيعِ/
     شُكراً للنَّوارِسِ التي تَنتشِلُ جُثةَ البَحْرِ مِن تَحْتِ الأنقاضِ / وَقَعَ سَقْفُ الْمَعْبَدِ عَلى الكَهَنَةِ / وانتَهَت الْخُرَافَاتُ الْمُقَدَّسَةُ/ وَالجِرْذَانُ النَّحيلةُ تَعُودُ إلى مُسْتَوْدَعَاتِ الأسلحةِ الصَّدِئةِ/ وفِئرانُ السُّفُنِ تَأكلُ جُثمانَ الرُّبَّانِ / وتَهْرُبُ إلى رَاياتِ الجيْشِ المهزومِ / ونَحْنُ نَرْمِي رُفَاتَ الجنودِ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ/ دَمْعَتي تُطْفِئُ شَمْعَتي/ فَاتْرُكْني يا أنا / كَي أَسْألَ جُثماني الذي يَخْرُجُ مِنهُ الدُّودُ / لِمَاذا تَتَدَخَّلُ في الحياةِ الشَّخْصِيَّةِ للنَّهْرِ ؟ /    
     التَّوابيتُ الأُرْجُوَانِيَّةُ / وأرشيفُ المشنُوقِين / وَالقِطَطُ العَمْيَاءُ تَسْكُنُ في مِعْطَفِ الفَرَاشَاتِ المنبوذةِ / أنا المسافِرُ في نزيفي / المقتولُ في كُوبِ الدُّموعِ / لا أُفَرِّقُ بَيْنَ الدَّمِ الأخضرِ والشَّايِ الأخضرِ / طُحالي أرشيفُ الزَّنابقِ / وشَهيقي حُزْنُ الشِّتاءِ في غَاباتِ الزُّمُرُّدِ / أنا العاري الأبديُّ عَلى شَواطئِ المِقْصَلةِ/ لأنَّ زَفيري يَحْرِقُ مَلابِسَ الزَّوابعِ/ونِكَاحُ الْمُتْعَةِ يَصْعَدُ مِنَ العَمَائِمِ السَّوْدَاءِ/
     لا تَفْضَحُوا أسرارَ الليْمُونِ / لا تَقْلَقِي عَلَيَّ يَا نافذةَ سِجْني / جِئْتُ مِنَ البَحْرِ / وأَعُودُ إلى البَحْرِ/ سَتَظَلُّ تَوابيتُ البَحَّارةِ الغَرْقَى عَلى رَصيفِ المِيناءِ/ والأعاصيرُ تُرَتِّبُهَا مِثْلَ صَناديقِ الْخُضارِ/ سَيَكُونُ ضَريحي بُوصَلَةً لِطُيُورِ البَحْرِ/ والجارِيَةُ تَبكي أمامَ نَعْشِ سَيِّدِهَا / فَلْتَكُن الأمطارُ هُدنةً بَيْنَ نَعْشي وعَرْشي / يَخْرُجُ البَحْرُ مِنَ الجِنازةِ العَسكرِيَّةِ للعَصَافيرِ / وَكَانَ الغُروبُ البلاستيكِيُّ يُطَلِّقُ السَّنابلَ وَيَتَزَوَّجُ الأمطارَ / تفرَّقت أشْلاءُ القَمَرِ في عُرُوقِ النَّيازكِ / وَالْهَيَاكِلُ العَظْمِيَّةُ تَعْزِفُ عَلى الكَمَانِ / يا سَيِّدَةَ المشانقِ / لَم يَعُدْ في أوْرِدَةِ الغُيومِ مَكَانٌ للصَّدى/ قُتِلَ الأطفالُ وَبَقِيَت الأراجيحُ فَارِغَةً / نَقْضي العُطْلةَ الصَّيْفِيَّةَ نُفَتِّشُ عَن جُثمانِ الرِّياحِ المفقودِ / وَالشَّمْسُ تُرَاقِبُ الحياةَ السِّرِّيةَ لأعشابِ المقابرِ /
     خَشَبَةُ الْمَسْرَحِ / وَخَشَبَةُ الإِعدامِ / وَخَشَبَةُ الصَّليبِ / مَاتَ البَشَرُ / وأَكَلَ البَقُّ خَشَبَ الذِّكرياتِ / وجَلَسَتْ أحزانُ الشِّتاءِ عَلى عَرْشِ المساءِ / رَايَتِي مَكْسُورةٌ / وَلا بُوصَلَةَ لِمَعْرَكَتِي / وَهَذِهِ الذاكرةُ كَابُوسُ الضَّحايا / وَالذِّكرياتُ قَامُوسُ الزَّوْجَاتِ الخائناتِ /
     لا تَحْزَنِي عَلَيَّ أيَّتُها الذبابةُ الكريستالِيَّةُ / دُودةُ القَزِّ تَخيطُ أكفاني / والنَّمْلُ يَكْتُبُ دُستورَ الصَّدَمَاتِ العاطِفِيَّةِ / لا تَخَفْ مِنِّي أيُّها البَحْرُ / لَن أَفْضَحَ الحياةَ الجِنسِيَّةَ لِرَمْلِ الشَّاطئِ / انظُري  يَا خَنَاجِرَ الغَسَقِ إلى سَقْفِ غُرْفتي / الذي وَقَعَ عَلى القِطَطِ العَمْياءِ / سَقَطَتْ أجراسُ الكَنيسةِ عَلى قُمصانِ النَّوْمِ للرَّاهباتِ/ وسَقَطَ سَقْفُ الْمَعْبَدِ عَلى أجسادِ الكَهَنَةِ/ والحمَامُ الزَّاجِلُ وَقَعَ في الأَسْرِ/
ومَاتت الأزهارُ الصِّناعِيَّةُ تَحْتَ رُكَامِ القُلوبِ المكسورةِ / وَالجيوشُ تَصْعَدُ إلى تاجِ الهزيمةِ / وَالقَمْحُ يَصْعَدُ مِن جُثةِ أبي / وَمَا زِلْنَا نَجْرَحُ مَشَاعِرَ الأنهارِ بالسَّكاكين /
     أيَّتُها البُحَيراتُ الميكانيكِيَّةُ/ عَادَت الطيورُ الحزينةُ إلى البَحْرِ / أيَّتُها القَصيدةُ التي تَتَحَرَّشُ بِي وتَغْتَصِبُنِي / لَوْ أنِّي أَهْرُبُ مِن أجفاني / لَوْ أنِّي أُهَرِّبُ سُعالي مِن حِجَارةِ قَرْيتي / حَشَرَاتٌ أُرْجُوَانِيَّةٌ عَلى طَاوِلَةِ القِمَارِ / ارْتَدَت العَوانسُ فَساتينَ الزَّرنيخِ / الحطَبُ هُوَ الابْنُ الأصغرُ للغُيومِ / وأنا نَجْلُ الأعاصيرِ / والطِّفْلُ الْمُدَلَّلُ للشُّموسِ المهجورةِ .