11‏/11‏/2019

لمن تتعطر الجثة في المساء ؟

لمن تتعطر الجثة في المساء ؟ / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........

     بُرْجُ الكَنيسةِ مِن عِظَامِ الرَّاهباتِ / والقَنَّاصُ عَلى سَطْحِ الدَّيْرِ انتصرَ على الفَرَائِسِ والعَرَائِسِ/ والأعلامُ مُنَكَّسَةٌ بَيْنَ الكَنَائِسِ والعَوَانِسِ/ والموْجُ يَرْعَى قَطِيعاً مِنَ الهياكِلِ العَظْمِيَّةِ/ السَّفينةُ تَغْرَقُ / لَكِنَّ البَحَّارةَ يَتَغَزَّلُونَ بِابْنَةِ القُرْصَانِ / رَمْلُ البَحْرِ هُوَ النَّخاسُ الحزينُ/ يَبْكي في سُوقِ النِّخاسةِ بَعْدَ بَيْعِ الجواري / كالْمُهَرِّجِ الوَحيدِ الذي يَبْكي بَعْدَ رَحيلِ لاعباتِ السِّيرك /
     دُمُوعُ أُمِّي في المزهرِيَّةِ / والمزهرِيَّةُ تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / وَالمرايا الكريستالِيَّةُ مِن شَظَايا جَمَاجِمِ الأطفالِ / والنُّسورُ تَرْحَلُ مِن أعلامِ الدُّوَيْلاتِ اللقيطةِ إلى أكوامِ القُمامةِ / بَحْثاً عَن جُثَثِ القَتْلى الْمَنْسِيَّةِ / وَالْجُثَثُ في الشَّوارعِ أكثرُ مِن سَيَّاراتِ التاكسي / وَدَاعاً يَا حَفَّارَ القُبورِ / ذَهَبْتَ إلى دِيدانِ التُّرابِ والنَّعناعِ حَوْلَ شَوَاهِدِ القُبورِ / وَنَسِيتَ طَيْفَكَ عَلى أجسادِ النِّساءِ البَاكياتِ عِندَ سُورِ المقبرةِ / أيُّها المنبوذُ في الأحكامِ العُرْفِيَّةِ وَقَوَانِينِ الطوارئِ / أشجارُ المقابرِ لا تَحْفَظُ كَلِمَاتِ النَّشيدِ الوَطَنِيِّ / وَحُكومةُ الوَحْدةِ الوَطنيةِ لَن تَضَعَ صُورَتَكَ عَلى طَوَابِعِ البَريدِ / كَمْ أنتَ وَحيد /
     يَا شَجَرَ الغابةِ اللازَوَرْدِيَّةِ / احْتَرَقْتَ بالصَّدَمَاتِ العَاطِفِيَّةِ / وَذَهَبْتَ إلى الاحتضارِ الأُرْجُوَانِيِّ / وَلَم تَتْرُكْ للعُشَّاقِ تِذْكَاراً / مَا فَائِدةُ أَن نُعَلِّقَ سَاعَةَ الحائِطِ عَلى أشجارِ المقابرِ ؟ / مَا فَائِدَةُ رَبطةِ العُنُقِ الْمُلَوَّنةِ بَيْنَ حِيطانِ الزِّنزانةِ العَمْياءِ ؟ /
     يَا حَفَّارَ القُبورِ / كُلُّ أصدقائِكَ مَاتوا / فَمَن سَيَحْفِرُ قَبْرَكَ عِندَما تَمُوتُ ؟ / كُلَّمَا نَظَرْتُ في المِرْآةِ رَأَيْتُ صُورَةَ قَاتِلِي / فلا تُشْفِقْ عَلَيَّ يا رَمْلَ البَحْرِ / ولا تَرْحَمْنِي يا شَاطِئَ الوَدَاعِ / كُلُّنا نَبْحَثُ عَن رَصاصةِ الرَّحمةِ بَيْنَ أكوامِ الْجُثَثِ/ سَتُكَفِّنُ الفَراشةُ العَمْياءُ النَّسْرَ القَتيلَ بَيْنَ النَّيازكِ والدَّبابيسِ / فلا تَحْزَنْ عَلى الضَّحِيَّةِ يَا مَرْفَأ السَّرابِ / سَوْفَ تَتَقَمَّصُ الضَّحِيَّةُ قَاتِلَهَا / ويَكْسِرُ الخريفُ المرايا لِكَيْلا يَرَى وَجْهَهُ / سَتَظَلُّ ضَفائرُ أُمَّهَاتِنا في مَزْهَرِيَّاتِ الشِّتاءِ / وتَظَلُّ جَثامينُ آبائِنا على الأثاثِ الْمُسْتَعْمَلِ / فَاشْرَب الشَّايَ الأخضرَ يَا دَمي الأخضرَ بَيْنَ وُجوهِ المساءِ وأقنعةِ البَحْرِ /
     وَدَاعاً يَا طَيْفَ الشِّتاءِ في الليلِ السَّحيقِ / وُجوهُ القَتيلاتِ تَلتصِقُ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / وضَوْءُ القَمَرِ يَأكُلُ لُحُومَ الأراملِ في المِيناءِ البَعيدِ/ ظِلالُ أشجارِ المقابرِ عَلى خُدودِ النِّساءِ / واليَمامُ يَصطادُ الكُحْلَ الأزرقَ مِن عُيونِ اليتيماتِ/اكْسِرِي مِرْآتَكِ أيتها الْمُسَافِرَةُ قَبْلَ أن يَكْسِرَها البَحْرُ/ مَا فَائِدةُ المِرْآةِ والاحتضارُ يَنْزِعُ وَمِيضَ عَيْنَيْكِ زَهْرَةً زَهْرَةً ؟ / اكْتُبِي وَصِيَّتَكِ بِأُسْلُوبِ المحكومِ بالإعدامِ/الأمطارُ تَشُمُّ رَائحةَ الجثثِ المحترِقةِ في أبجديةِ الزَّوابعِ/وَعِطْرُ أبي القَتيلِ يَسِيلُ عَلى أصابعي.