12‏/11‏/2019

دمي يحرس بوابة المقبرة من الصدأ / قصيدة

دمي يحرس بوابة المقبرة من الصدأ / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     يَنتظِرُني مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ في المقبرةِ / بَيْنَ دِيدانِ التُّرابِ والشَّايِ بالنَّعناعِ / الذي يَشْرَبُهُ حَفَّارُ القُبورِ في استراحةِ الْمُحَارِبِ / وَلَم يَعُدْ هُناكَ مُحَارِبُون / ضَاعَتْ قُرْطُبَةُ بَيْنَ أُمَرَاءِ الْحُرُوبِ وأُمَرَاءِ الطوائفِ / والعَبيدُ يَكْتُبُونَ رَسائلَ الغرامِ للجَوَاري / والأغاني الوَطَنِيَّةُ هُدْنَةٌ بَيْنَ القَبَائلِ والطوائفِ/
     اكْرَهِيني أيَّتُها الفَرَاشَةُ / وتَزَوَّجِي صَقْرَاً / أنا حَشَرَةٌ تَأْكُلُهَا الكِلابُ البُوليسِيَّةُ بَيْنَ صَفَّاراتِ الإنذارِ والحواجِزِ العَسكرِيَّةِ / بِلادي مَنْذُورةٌ لأشباحِ المرافئِ البَعيدةِ / ورَاياتُ القَبائلِ مَنْذُورةٌ لأعلامِ القَرَاصنةِ / وَجِلْدي مَنْذُورٌ للحَمَامِ الزَّاجِلِ / وَرَسَائِلُ العُشَّاقِ لَن تَصِلَ / والرَّاهباتُ يَزْرَعْنَ المارِيجوانا في حَديقةِ الدَّيْرِ/ فَانثُرْ أيُّها البَعُوضُ الذهبِيُّ الأزهارَ الصِّناعِيَّةَ عَلى الأضرحةِ الزُّجاجيةِ /
     مَوْجُ البَحْرِ يَعْمَلُ في العُطْلةِ الصَّيفيةِ نَجَّاراً / يَصْنَعُ نُعُوشَ الأطفالِ الذين بَنَوا القُصورَ الرَّمليةَ وَهَدَمُوهَا / أنا الْمُحَارِبُ الخاسِرُ في مَعَارِكِ العِشْقِ / جُثماني استراحةٌ لِسَائِقي الشَّاحِنَاتِ عَلى الطريقِ الصَّحراوِيِّ / دَمِي هُدْنةٌ بَيْنَ قَلْبي وَرِئَتي / أظافري تُقَاتِلُ جِلْدِي / وَجِلْدي يُقَاتِلُ شَرَاييني / حَرْبٌ أهْلِيَّةٌ في قَلْبي المكسورِ / لَكِنَّ نَزِيفي يَقْطِفُ الأزهارَ مِن تِلالِ القُوقازِ / وكُحْلُ الشَّركسياتِ يَتَزَوَّجُ قَطَرَاتِ المطَرِ عَلى الأزهارِ / جُثتي مُعَطَّرةٌ بِدُمُوعِ البُوسنِيَّاتِ تَحْتَ جُسُورِ سَرَاييفو / جِئْتُ وَحيداً / أَعُودُ وَحِيداً / الذِّكرياتُ جَوَازُ سَفَرِي / لَكِنَّ دُودَ التُّرابِ أَسْقَطَ جِنسِيَّةَ الزَّوابعِ عَن أعشابِ المقبرةِ/ لا فَرْقَ بَيْنَ النَّزيفِ الأخضرِ والنَّزيفِ الأزرقِ/ لأنَّني جُثةٌ تَذُوبُ في أحلامِ الطفولةِ/
     عَلى أزرارِ قَميصي / أَرْسُمُ وَجْهَ البَحْرِ مِن نافذةِ سِجْني / وَصَوْتُ المطَرِ يَفْرُشُ حِيطانَ زِنزانتي بِشَقَائِقِ النُّعمانِ / قَميصُ النَّوْمِ مَنْقُوعٌ في عَصيرِ التُّوتِ / الذي لَن يَشْرَبَهُ العَاشِقُ / لأنَّهُ مَات / والْمَلِكُ المخلوعُ يَحْمِلُ عَرْشَهُ عَلى ظَهْرِهِ/ والملِكَاتُ يَبِعْنَ دَمَ الْحَيْضِ عَلى إِشاراتِ المرورِ كالبَاعَةِ الْمُتَجَوِّلِين/ سَتَصِيرُ عُرُوشُ الملوكِ أثاثاً مُسْتَعْمَلاً أمامَ مَوْقَدَةِ الخريفِ/ في لَيَالي الكُوليرا والذِّكرياتِ/
     احْفَظْ جَدْوَلَ الضَّرْبِ يَا شَجَرَ المقابرِ / كَي تُفَرِّقَ بَيْنَ أرقامِ الأضرحةِ وأرقامِ الزَّنازين / أَمْشِي إلى المقبرةِ في لَيْلَةٍ خَرِيفِيَّةٍ بَارِدَةٍ / وَضَوْءُ القَمَرِ يُشَرِّحُ جُثتي نَهْرَاً نَهْرَاً / والإعصارُ يَقُصُّ ضَفَائِرَ الأراملِ عَلى شَاطئِ الوَدَاعِ / ويَخْلَعُ قِرْمِيدَ كُوخي مِثْلَ قَارورةِ الحِبْرِ / تَبْكِي شُموعُ الاحتضارِ تَحْتَ نوافذِ الشِّتاءِ / كَمَا يَمُوتُ الفُقَراءُ في طَوَابيرِ الْخُبْزِ / فيا أيُّها الإعصارُ / زَيِّنْ غُرفتي بالأزهارِ الصِّناعيةِ / وَافْرَحِي يا أُمِّي/ إنَّ نَعْشِي الْمُسْتَعْمَلَ هُوَ أثاثُ بَيْتِنَا الجديدُ/ أنا وَعَشِيقتي البُحَيرةُ ذَهَبْنا إلى الجفافِ العَاطِفِيِّ / ذَهَبَ العَاشِقَانِ إلى الْمَوْتِ / وَصَارَ الشَّايُ عَلى طَاوِلَةِ الْمَطْعَمِ بَارِدَاً.