17‏/11‏/2019

الزوابع تغسل الملح في دموع الضحايا / قصيدة

الزوابع تغسل الملح في دموع الضحايا / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     ذَهَبَتْ أُمِّي إلى الموْتِ / وَبَقِيَ عِطْرُها في الْمَمَرَّاتِ الْمُعْتِمَةِ / ذَهَبَ أبي إلى الاحتضارِ / وَبَقِيَتْ ضَحِكَاتُهُ في سَرَادِيبِ القَلْبِ المكسورِ / رَائِحَةُ المطَرِ تَختلِطُ بِرَائِحَةِ الْجُثَثِ الْمُتَفَحِّمَةِ / والأطفالُ يَرْكُضُونَ في بَراري الكُوليرا تَحْتَ قَمَرِ الخريفِ /
     يَا رَاياتِ القَبَائِلِ الْمُنَكَّسَةَ بَيْنَ صُحُونِ المطبخِ وَثَلاجَةِ الموتى / أقْوَاسُ النَّصْرِ بَيْنَ نُهُودِ الإِمَاءِ / والأغاني الوَطَنِيَّةُ تَذُوبُ كالشُّوكولاتةِ تَحْتَ شَمْسِ الشِّتاءِ / وَكُلَّمَا بَحَثَ الفُقَرَاءُ عَن الْخُبْزِ في حَاوِيَاتِ القُمامةِ/ وَجَدُوا الْجُثَثَ المجهولةَ في حَاوِيَاتِ القُمامةِ/فانتظِريني على سَطْحِ بَيْتِنا المهجورِ/ حِينَ يَختلِطُ صَوْتُ الرَّصاصِ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ / سَنَمُوتُ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ / وَنُولَدُ طِفْلَيْنِ بَيْنَ الشَّهيقِ والزَّفيرِ / وَتُولَدُ رَائِحَةُ المطَرِ بَيْنَ الصَّوْتِ والصَّدى / سَيَرْكُضُ الأطفالُ في حُقُولِ السُّلِّ / ويَمُوتُ الجنودُ في الخندقِ الفَاصِلِ بَيْنَ الرِّئَتَيْنِ /
     يَتَّسِعُ صَوْتُ المطَرِ لِبُكَاءِ أرَامِلِ الْحُرُوبِ / بَيْنَ مُلوكِ الطوائفِ وشُيوخِ القَبائلِ / فابْحَثْ عَن رَايةٍ تُظَلِّلُ نَعْشَ البَحْرِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ / يا أيَّتُها التِّلالُ المقتولةُ بَيْنَ مَناديلِ الوَدَاعِ وَحُبُوبِ مَنْعِ الْحَمْلِ / نامَ النَّهْرُ المذبوحُ في مَزْهَرِيَّاتِ غُرفةِ الاعترافِ / وصَوْتُ الرَّصاصِ يَنبعِثُ بَيْنَ بَناتِ آوَى وبَناتِ أفكاري/سَتَبكي عَلَيْكَ أُمُّكَ أيُّها القَتيلُ/وَلَن تُفَرِّقَ بَيْنَ مِلْحِ دُمُوعِهَا والمِلْحِ في خُبْزِ أعدائِكَ/
     في لَيالي الشِّتاءِ القُرْمُزِيَّةِ / يَنبعثُ صَوْتُ الرَّصاصِ مِنْ صَوْتِ البيانو / جَدَائِلُ القَتيلاتِ في المزهرِيَّاتِ / ونَحْنُ نَمشي إلى أطيافِ الموتى عَلى زُجاجِ النوافذِ / والمساءُ يَرْكُضُ إلى أقنعةِ المطَرِ في المرايا / والرِّيحُ تَكْتُبُ أسماءَ الضَّحايا على زُجاجِ القِطَاراتِ / والثلجُ يَعْرِفُ وَقْعَ أقدامِ الْمُخْبِرِينَ / الذينَ جاؤُوا كَي يَغتالُوا رَمْلَ البَحْرِ /
     سَوْفَ يَرَى الغريبُ وَجْهَهُ بَيْنَ الشَّاطئِ والشَّفَقِ / سَوْفَ يَتَذَوَّقُ المنبوذُ مِلْحَ دُمُوعِهِ بَيْنَ الرِّجالِ الآلِيِّينَ والبَنادِقِ الآلِيَّةِ / وعَلَى القَاتِلِ أن يَختارَ الضَّحِيَّةَ بَيْنَ الرَّصاصةِ وقَصيدةِ الرِّثاءِ / تَقتسِمُ الزَّوابعُ دُموعَ أُمَّهَاتِنا / قَبْلَ أن يَقتسِمَ الجنودُ الغنائِمَ في مَعركةِ الذِّكرياتِ /
     أيَّتُها البُحَيرةُ الأُرْجُوَانِيَّةُ المقتولةُ بَيْنَ شَهيقي وأزرارِ قَمِيصي / ماذا نَفْعَلُ بِرَايَاتِ القَبائلِ بَيْنَ قَميصِ عُثمانَ ورَأْسِ الْحُسَيْنِ ؟ / نَزيفي يَتَدَفَّقُ نَهْرَاً بَنَفْسَجِيَّاً / وأخشابُ النُّعوشِ تَطْفُو عَلى دَمْعِ عُيوني / كَمَا تَطْفُو الْجُثَثُ المجهولةُ على سَطْحِ النِّفْطِ / الرِّيحُ تَخْلِطُ الأوراقَ/ والقَتْلَى يَلْعَبُونَ/ وَيَبْني الأيتامُ القُصُورَ الرَّمْلِيَّةَ / والموْجُ يَهْدِمُها / ونَكْتُبُ رَسَائِلَ العِشْقِ / والْحَمَامُ الزَّاجِلُ يُضَيِّعُها .