16‏/11‏/2019

تفاحة وحيدة في حقول المطر / قصيدة

تفاحة وحيدة في حقول المطر / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     أنا وَجُثتي نَتَنَاوَلُ العَشَاءَ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / جَمَاجِمُ النِّساءِ في صُحُونِ المطبخِ / وَجُثَثُ الأطفالِ في الثلاجةِ / والشُّوكولاتةُ تَذُوبُ تَحْتَ شَمْسِ الخريفِ / جَثامينُ الملوكِ المخْلُوعِينَ في الشَّارِعِ / وَالعَبِيدُ يَغْتَصِبُونَ الملِكَاتِ السَّبايا عَلى رَمْلِ الشُّطآنِ تَحْتَ المطَرِ / والسَّائِلُ الْمَنَوِيُّ يَختلِطُ بالمطَرِ / والحليبُ يَختلِطُ بالرَّمْلِ الذي يُغطِّي بُيُوضَ السَّلاحِفِ /
     عِندَما يَمْسَحُ المطَرُ كُحْلَ عَيْنَيْكِ/ وَيَمْسَحُ الإِعصارُ دُمُوعي/سَنَعْرِفُ أنَّنا ضَحِيَّتَانِ في الذاكرةِ/ قَاتِلانِ في الذِّكرياتِ/ تَحَدِّي الملوكِ هَذِهِ لُعبتي/ فَهَلْ رَأيْتِ السَّبايا يَحْكُمْنَ عَلى شَرِيفَاتِ قُرَيْشٍ ؟/
     سَلامَاً أيَّتُها الأُمَّهَاتُ اللواتي أَنْجَبْنَ أبناءَهُم للقَتْلِ وَبَنَاتِهِنَّ للاغتصابِ / يُولَدُ التاريخُ بَيْنَ طُبولِ الحرْبِ وبيانو الفِرْقَةِ الموسيقِيَّةِ / تُولَدُ الْجُغرافيا بَيْنَ رَاياتِ القَبائلِ والملابسِ الداخلِيَّةِ / مَاتَ الأيتامُ في القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ / وَبَقِيَتْ جُثةُ البَحْرِ عَلى أُرجوحةِ الغُروبِ / دَمي صَابُونٌ لِتَنظيفِ بَلاطِ مَحطةِ القِطَاراتِ الفارغةِ / فيا أيَّهُا الوَطَنُ الذي يَعْتَبِرُ نُهُودَ النِّساءِ مَادَّةً في دُستورِ الوَحْدةِ الوطنيةِ / أيْنَ الوَطَنُ ؟ / أيْنَ النِّساءُ ؟ / أيَّتُها الحضارةُ التي أَنْجَبَت النِّسَاءَ للسَّبْيِ / أيْنَ تَارِيخُ الأُنوثةِ ؟/ المقابرُ الجماعِيَّةُ هِيَ فَرَاشَاتٌ للبَحْرِ عِندَ الغُروبِ / والشَّفَقُ هُوَ الشَّاهِدُ عَلى احتضارِ أشِعَّةِ القَمَرِ / وأنا الشَّهيدُ / أَكَلَ البَقُّ أخشابَ نَعْشي / وأَكَلَت الحشَرَاتُ قُمَاشَ أكفاني / مِتُّ عَارِيَاً / وَبَقِيَتْ جُثتي في الشَّارِعِ تِذْكَاراً للحُبِّ الضَّائِعِ وأحلامِ الطفولةِ / والتَّوابيتُ مَصْفُوفةٌ عَلى سَطْحِ القِطَارِ البَعيدِ/
     سَامِحْني أيُّها البَحْرُ / لَم أكْتُبْ قَصَائِدَ الرِّثاءِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ في الخريفِ البَعيدِ / نَسِيَ القَتْلَى أن يُلَمِّعُوا مَسَامِيرَ نُعُوشِهِم / أجْلِسُ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / أُشَاهِدُ مَرَاسِمَ جِنازتي على شَاشَةِ التِّلفازِ / وحَفَّارُ القُبورِ نَسِيَ مَوْقِعَ قَبْرِهِ / والنَّوارِسُ دَفَنَتْ عِظَامَهَا في رِئَةِ البَحْرِ / وهَاجَرَتْ إلى الشَّفَقِ/ والأيتامُ دَفَنُوا دُمُوعَهُم في القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ/ كَمَا تَدْفِنُ السَّلاحِفُ بُيُوضَهَا في رَمْلِ الشَّاطِئِ/
     أيَّتُها البُحَيرةُ الأُمِّيةُ/ كَيْفَ سَحَرْتِ البَحْرَ الأعمى ؟/ إنَّ البَحْرَ يَبْحَثُ عَن قَبْرٍ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ / ورَائحةُ عِطْرِ الضَّحِيَّةِ تَختلِطُ بِرَائِحَةِ سَجَائِرِ القَاتِلِ / وطَعْمُ المطَرِ يَمتزِجُ بِدِفْءِ فِرَاشِ الموْتِ / أشْهَدُ أنَّني عِشْتُ في المقبرةِ / وَوَجَدْتُ ضَريحي بَيْنَ أشِعَّةِ القَمَرِ وَجَدَائِلِ الفَرَاشَةِ / فلا تَكْرَهِيني أيَّتُها الذُّبَابةُ القُرْمُزِيَّةُ / أنا أوَّلُ مَن سَمِعَ دَقَّاتِ قَلْبِكِ / وآخِرُ مَن يَأكُلُ كُرَيَاتِ دَمِكِ/ أزرارُ قَمِيصِكِ تَنْمُو في ثُقوبِ جِلْدي زَعْتَراً / ودَبابيسُ حِجَابِ أُمِّي تَنْبُتُ عَلى فِرَاشِ الموْتِ نَعْناعاً وذِكْرياتٍ / والْحَمَامُ المذبوحُ لَم يُفَرِّقْ بَيْنَ حَبَّاتِ الذُّرَةِ وحَبَّاتِ المطَرِ .