19‏/11‏/2019

الشركسية التي علمتني الكفاح المسلح / قصيدة

الشركسية التي علّمتني الكفاح المسلّح / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     لَم أَكْفُر بالرُّومانسيةِ أيَّتُها الأمواجُ القُرْمُزِيَّةُ / لَكِنِّي آمَنْتُ بالكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ / اعْشَقِي مَوْتي بَيْنَ رُموشِ الإعصارِ وأجفانِ الغُروبِ / واهْدِمِي مَجْدِي / سَأَصْعَدُ إلى هَاوِيَةِ الأحجارِ الكَرِيمةِ حَجَرَاً غَيْرَ كَرِيمٍ / فَكُونِي مَوْتي وَمَجْدي / نَسْبَحُ في دِمَائِنا / ونَنتظِرُ مَوْتَ البَحْرِ كَي نَرِثَهُ ونَرْثِيَهُ /
     أيُّها الغريبُ بَيْنَ غُربةِ الدُّموعِ وغُربةِ الشُّطآنِ / أيُّها المسافِرُ بَيْنَ انبعاثِ الذِّكرياتِ وقِيَامَةِ الأنهارِ / كَم عَدَدُ الضَّحايا في المجاعاتِ الأُرْجُوَانِيَّةِ ؟/ أنا مُعَادَلَةُ الرِّياضياتِ بَيْنَ دُموعِ الشَّركسياتِ وأشجارِ الغاباتِ / أنا التَّوَازُنُ بَيْنَ مِلْحِ الدُّموعِ ومِلْحِ البَحْرِ /
     في ليالي الخريفِ القديمةِ / تَختلِطُ رَائحةُ المطرِ بِرَائحةِ الْجُثَثِ / نَسِيَ الموتى أن يُقَبِّلوا زَوْجَاتِهِم قَبْلَ الذهابِ إلى الموتِ / نَسِيَ الأسرى أن يُقَبِّلُوا أطفالَهُم قَبْلَ الذهابِ إلى المعركةِ / والنَّهْرُ ضَائِعٌ بَيْنَ أكفانِ اليَتامى / لأنَّهُ نَسِيَ خَارطةَ قَبْرِه / سَتَرْقُصُ بَناتُ آوَى حَوْلَ احتضاري / أَزْرَعُ راياتي في فِرَاشِ الموتِ / وَتَكْسِرِينَ قِناعي / وَتُشَاهِدِينَ وَجْهي قَبْلَ الرَّحيلِ بِلا ذِكرياتٍ / خَسِرْتُ المعركةَ وَرَبِحْتُ الحربَ / وَجَدَائِلُ الرِّيحِ هِيَ استراحةُ الْمُحَارِبِ / أَخُوضُ حَرْبَاً أهلِيَّةً دَاخِلَ جِسْمي / وأنا الْهُدْنةُ بَيْنَ الليالي الماطرةِ وَمَقابرِ الأزهارِ / والبُوسنِيَّةُ اليَتيمةُ تَكْتُبُ قَصيدةً لأُمِّها في لَيالي الشِّتاءِ /
     أَحِبِّينِي يَا شُطآنَ السَّرابِ / حِينَ تَرْكُضُ بَساتينُ الكَرَزِ في الهياكِلِ العَظْمِيَّةِ / أَجْلِسُ عَلى نَعْشِ الأمطارِ / وَتَنمو الجوَّافةُ بَيْنَ مَساميرِ نعشي/ أنتظِرُ القَراصنةَ الذينَ سَيَأكُلُونَ جُثتي/ وأنتظِرُ رَصاصةَ القَنَّاصِ كَي تَغتالَ أحلامَ الطفولةِ/ تَنْبُتُ الطحالبُ عَلى رَصاصةِ القَنَّاصِ/ وأشْرَبُ الشَّايَ الأخضرَ/ وَدَمِي لَيْسَ أزرقَ / لَن تَشْعُرَ النَّوَارِسُ بالوَحْدةِ في الزِّنزانةِ الانفرادِيَّةِ / شَراييني مِنَ البلاستيك / وَبَوَّابَةُ المقبرةِ مِنَ النُّحاسِ / وَكُلَّمَا مَشَيْتُ في طَريقِ قَلْبي / عَرَفْتُ الطريقَ إلى ضَريحي /
     بُوظةُ العُشَّاقِ بَاردةٌ كالْجُثَثِ في ثَلاجَةِ الموتى/ يَأكُلُ البَقُّ أخشابَ نَعْشي/ فَلا أَمُوتُ إلا وَاقِفاً/ يَأكُلُ الصَّدَأُ مَساميرَ نَعْشي / وَأَصِيرُ الْحَدَّ الفَاصِلَ بَيْنَ مِلْحِ الطعامِ وَمِلْحِ دُموعِ أُمِّي/ تأكلُ الفِئرانُ أكفاني/ وَتَكتبُ الزَّوابعُ قَصيدةَ رِثائي / جَسَدي بَيْنَ الذِّكرياتِ والحشَرَاتِ/ وَجُثتي تَحْتَ الشَّفَقِ /
جُثماني حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ الفَراشةِ والذبابةِ/والزَّوابعُ تَطْرُدُ الذبابَ عَن جُثمانِ أبي/ سَيَنْمُو الزَّعترُ في شَظايا الجماجمِ المنثورةِ تَحْتَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ/وأشلاءُ الضَّحايا هُدنةٌ بَيْنَ شُيوخِ القَبائلِ وَمُلوكِ الطوائفِ / جُثةٌ تَنْشُرُ الغسيلَ عَلى سُطوحِ القِطَاراتِ / التي تُسَافِرُ إلى الشَّفَقِ ولا تَعُودُ / والْحَمَامُ الزَّاجِلُ أضاعَ الرَّسائلَ في صَفيرِ القِطَاراتِ/ والتِّلالُ تَبكي بَيْنَ صَفيرِ القِطَارَاتِ وَصَفَّاراتِ الإِنذارِ.