09‏/11‏/2019

الوجود والشعور في حياة الفرد والمجتمع

الوجود والشعور في حياة الفرد والمجتمع

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

................

1
    إن التصورات الذهنية عن البيئة الواقعية مرتبطة بثقافة المجتمع والتاريخِ الشخصي للفرد . وكُل فرد يبحث عن صورته الخاصة في أنساق المجتمع ، ويُصدِر أحكامَه وَفْقًا لتجربته الذاتية في الحياة . لذلك ، تختلف أحكامُ الناسِ وتتعدَّد قناعاتهم حول القضية الواحدة . وهذا يدل على أن بُنية تفسير الأحداث خاضعة للأفكار الذهنية المسبقة ، والمصالحِ الشخصية ، وتعدُّد زوايا الرؤية . وإذا أردنا تحديد الخصائص الجوهرية للتحولات الاجتماعية ، فلا بُد مِن تحليل البُنى الإنسانية رمزيًّا ، لأن الرمز الاجتماعي عابر لحدود الزمان والمكان وطبيعة الناس ، كما أن الرمز الاجتماعي لا يتأثر باختلاف الأمم والشعوب ، لأنه مُرتبط بالصيغة الإنسانية، ولا يرتبط بالعقائد والعادات والتقاليد . وكُلُّ البشر مُتشابهون في التكوين الإنساني والتركيب العاطفي ، ولكن الاختلاف يَظهر في العقائد والثقافات، كما أن البنية الإنسانية سابقة على البنية العقائدية ، وكُل إنسان يأتي إلى هذا العَالَم بدون عقيدة ، ثُمَّ بعد ذلك يعتنق العقيدةَ التي يَقتنع بمبادئها وتعاليمها ، ويطمئن إليها ، ويَفرح بها . وأسبقيةُ الوجود الإنساني على الوجود العقائدي ينبغي أن تُوضَع في سياق التعاون بين البشر لإعمار الأرض ، والنهوض بالإنسان، وصناعة الحضارة ، بعيدًا عن القهر والإذلال والاحتقار . واختلافُ الأديان والعقائد والثقافات لَيست عقبةً في طريق صناعة عَالَم جميل ، وحضارة إنسانية راقية ، لأن قوانين الدنيا تختلف عن قوانين الآخِرة . والدنيا قائمة على السُّلوك الاجتماعي، والتعامل الحَسَن، والاحترام المُتبادل، والسُّمُو الروحي،والنهضة المادية. أمَّا الآخِرة فتقوم على أساس العقيدة الدينية التي مَحَلُّها القلب ، وكُل إنسان حُر في اختياره ، ويتحمَّل مسؤولية اختياره أمام الله تعالى . والإنجازاتُ البشريةُ والثورة التكنولوجية والنظريات العِلْمية لا دِينَ لها .
2
     لا يُمكن تحليل الشعور الإنساني اعتمادًا على الحالات الوهمية العابرة في المجتمع ، لأن الشعور الإنساني كُتلة حقيقية واحدة قائمة بذاتها ، وشديدة الاستقطاب ، ومُؤسَّسة على المنطق الذاتي المركزي الذي يَملك القدرة على الانبعاث الدائم والتَّشَكُّل المُستمر . وهذا يعني أن تحليل الشعور الإنساني يجب أن يعتمد على القيم المُطْلقة اليقينية، والقيم النِّسبية الحقيقية . وهذه الثنائية القِيَمِيَّة ( المُطْلقة / النِّسبية ) تُمثِّل كيانًا فِكريًّا فِعليًّا ، وتُجسِّد تيارًا اجتماعيًّا محسوسًا ، وتقوم على أرضية منطقية صلبة ومتماسكة ، بعيدًا عن الأوهام والشُّكوك والشُّبهات . والشعورُ الإنساني يجب أن يتأسَّس على اليقين والحتمية ، من أجل تحليله بشكل عِلمي منهجي ، ورَبْطه بعناصر التفاعل الاجتماعي ، لإيجاد حُلول واقعية لمشكلات الفرد وأزمات المجتمع . واليقينُ يُغلِق الطريقَ أمام الشُّكوك والظُّنون والمُكوِّنات الفاسدة ، وما قامَ على باطل فهو باطل . أمَّا الحتميةُ فتُغلِق الطريقَ أمام الاحتمالات والمتاهات . وما طَرَأه الاحتمال ، سَقط به الاستدلال. وكما أن العمارة تُبنَى على أساس قوي ومتين، يَقْدِر على حَمْلها ، كذلك المنهج العِلْمي يُبنَى على الأدلة القاطعة ، التي لا مكان فيها للشكوك والاحتمالات وأنصاف الحُلول . ولا معنى للحِياد حين يتعلَّق الأمر بالحقيقة والوهم .