09‏/11‏/2019

الموت البطيء في مطعم الوجبات السريعة / قصيدة

الموت البطيء في مطعم الوجبات السريعة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........

     المطرُ الأخضرُ وَراءَ النَّوافِذِ / يَخِيطُ أكفانَ البَجَعِ / وأكفانُ آبائِنا تُغَطِّي أثاثَ الْمَنَافِي / في مَوْسِمِ الرَّحيلِ إلى لَمَعَانِ عُيونِ الأيتامِ / فَكُنْ أرشيفَ البَحْرِ في مَتْحَفِ الضَّحايا / حِينَ يَطْفُو خَشَبُ النُّعوشِ عَلى سَطْحِ البَحْرِ / الرِّيحُ تَسْكُبُ أزيزَ الرَّصاصِ في صَهيلِ الغَيْمِ / وتَسْكُبُ اليَتيماتُ دُمُوعَهُنَّ في هَديلِ الْحَمَامِ/ نَجْلِسُ عَلى صُخورِ الشَّاطئِ/ نَشْرَبُ عَصيرَ البُرتقالِ الْمُحَلَّى بالجثامينِ الطازَجةِ / ونَنتظِرُ القَرَاصنةَ الرُّومانسِيِّين / والبَحْرُ القَتيلُ لا يُفَرِّقُ بَيْنَ رَاياتِ القَبائلِ ورَاياتِ القَرَاصنةِ / لا فَرْقَ بَيْنَ الأضدادِ / لأنَّ الموْتَ يُوَحِّدُ العَناصِرَ / لا فَرْقَ بَيْنَ الزَّمانِ والمكانِ / لأنَّ الأوسمةَ العَسكرِيَّةَ لَن تُحَنِّطَ الجنودَ المهزومين / وسَوْفَ أعْثُرُ عَلى مِشْطِ أُمِّي تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / 
     نُعَبِّئُ دُمُوعَنا البلاستيكيةَ في مُسَدَّسَاتِ آبائِنا / بَعْدَ انكسارِ الرَّصاصاتِ في قَارُورةِ العِطْرِ / نَسْكُبُ دَمَ الرِّياحِ الحامِضَ في قَارُورةِ السُّمِّ / وَنَرْمي الأزهارَ الصِّناعيةَ عَلى فِرَاشِ الْمَوْتِ / وَنَنتظِرُ عَوْدَةَ جَثامينِ الجنودِ مِن مَعركةِ اللازَوَرْدِ/ نَصْعَدُ إِلى هِضَابِ الحِبْرِ والدَّمْعِ / نُخَبِّئُ أشلاءَ آبائِنا في عُلَبِ المشروباتِ الغازِيَّةِ / وَنُخَزِّنُ جَمَاجِمَ أُمَّهَاتِنا في أكياسِ الطحينِ الفارغةِ / والنَّهْرُ يُفَصِّلُ أكفانَ اليَمَامِ / وَفْقَ مَقَاسِ أحلامِ الطفولةِ الضَّائعةِ /
     أجنحةُ الْحَمَامِ تَرْتَطِمُ بِزُجَاجِ القِطَاراتِ/ وَالزَّوابعُ الأُرْجُوَانِيَّةُ تَلْتَقِطُ صُورَةً تِذكارِيَّةً لِجُثتي تَحْتَ الأنقاضِ/ يَخْتَلِطُ صَوْتُ الرَّصاصِ بِصَوْتِ المطَرِ/لَكِنِّي أرى صَوْتَ أُمِّي في مَزْهَرِيَّاتِ بَيْتِنا المهجورِ/ وأبحثُ عَن دُموعِ النِّساءِ في صُحونِ المطبخِ / يَذْهَبُ الرِّجالُ مَعَ نِسَائِهِم إلى مَطْعَمِ العَائِلاتِ / وَأَرْكُضُ في طُرُقَاتِ الصَّقيعِ وَحِيداً / لأنَّ قَلْبِي وَحِيدٌ / أنا وَالقِطَطُ الضَّالةُ وَكِلابُ الحِرَاسةِ نَنتظِرُ رَصَاصَ القَنَّاصِ/ الذي يَخْتَبِئُ في بُرْجِ الكَنيسةِ / في الْمُدُنِ الْمَصْلُوبةِ بِلا صَلِيبٍ /
     امْشِ وَرَائِي أيُّها البَحْرُ / كَي أُرْشِدَكَ إلى ضَرِيحِكَ النُّحَاسِيِّ / سَنَفْتَرِقُ عِندَما يَظْهَرُ الضَّوْءُ في النَّفَقِ / سَأَتْبَعُ ضَوْءَ الجِنازةِ في أحلامِ الطفولةِ البَعيدةِ / فَاتْبَعْ رَايَاتِ القَبائلِ مِنْ رَعْيِ الغَنَمِ حَتَّى بَيْعِ فِلِسْطِين/ لا تَحْزَني عَلَيَّ يَا أشجارَ الصَّنَوْبَرِ في المساءِ البَارِدِ/ سَيَصِلُ ضَوْءُ القَمَرِ إلى قَاعِ الْمُسْتَنْقَعِ/ وَنَلْتَقِطُ الصُّوَرَ التِّذكارِيَّةَ تَحْتَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ في الدُّوَيْلاتِ اللقِيطَةِ /
     أيُّها المطَرُ الْمَطْعُونُ بِسَكَاكِينِ المطبخِ الوَرْدِيَّةِ / أرْشِدْني إلى ضَريحِ أبي في حُقولِ البُرتقالِ / مَاتَ العُشَّاقُ/ والحشَراتُ أَكَلَت الذِّكرياتِ/ والْجُثَثُ مُحَنَّطَةٌ في الشَّايِ الباردِ/دَمِي بِطَعْمِ الجوَّافةِ/ ودَمْعِي يَحْمِلُ رَائحةَ النَّعناعِ / لَكِنِّي أُنَقِّبُ عَن شَظايا جُمْجُمتي في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ .