08‏/11‏/2019

الإعصار دليل سياحي في مقبرة الذكريات / قصيدة

الإعصار دليل سياحي في مقبرة الذكريات / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     أُمَّاه / مَا فَائدةُ البُكاءِ في طَرِيقِنا إلى جُثمانِ أبي ؟ / نَزرعُ النَّعناعَ في جُثَثِ الأطفالِ/ فَتَنْمُو الذِّكرياتُ في ثُلوجِ الغروبِ / والإعصارُ دَليلٌ سِيَاحِيٌّ يُرْشِدُ السُّنونو إلى ضَريحِ النَّسْرِ في تِلالِ الكَهْرَمانِ / وَصَهيلُ البَحْرِ غَابةُ القُلوبِ المكسورةِ / بَيْنَ الْحُبِّ الأوَّلِ والرَّصاصةِ الأُولَى /
     أَيُّها الملِكُ المخلوعُ / انشُر الدِّيمقراطِيَّةَ البَدَوِيَّةَ بَيْنَ رَعْيِ الغَنَمِ وَبَيْعِ فِلِسْطِين / أَغْلَقَ الليلُ السِّيركَ بالشَّمْعِ الأحمرِ/ والدَّمْعُ يَنْحِتُ قِنَاعَ الْمُهَرِّجِ/ الذي يَبكي تَحْتَ أمطارِ الوَدَاعِ/ لا تَكْرَهِيني يا بُحَيرةَ الوَداعِ / إِنَّ رَائحةَ التُّوتِ البَرِّيِّ تَنْبَعِثُ مِن جُثماني /
     أيُّها المنبوذُ في أرشيفِ الصَّقيعِ / كُن أنتَ الدَّوْلَةَ / حِينَ تَمُوتُ الدَّوْلَةُ في أحضانِ اليَتيماتِ / اللواتي يَبِعْنَ العِلْكَةَ عَلى إِشاراتِ الْمُرُورِ / رِئَتي لَن تَكُونَ لِغَيْرِ الزَّوابعِ / وَجَسَدي لَن يَكُونَ لِغَيْرِ حَفَّارِ القُبورِ / وَأنا لَن أَكُونَ لِغَيْرِكِ يا بُحَيْرَةَ الدِّماءِ / فَافْرَحْ يَا دَمي الْمَسْكُوبَ في حُفَرِ المجاري / كُنْ رُومانسِيَّاً مِثْلَ الكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ/ وَاقْطِفْ فِرَاشَ الْمَوْتِ عَن أغصانِ الرِّيحِ/ حَبَّاتُ الكَرَزِ مَلْفُوفةٌ بِثِيَابِ الحِدَادِ / وَجَاءَ المساءُ قَبْلَ مَوْعِدِ الحصَادِ / فَهَل أنا الحاصِدُ أَم الْمَحْصُودُ ؟ /
     سَأرْحَلُ في لَيْلةٍ مَاطرةٍ / فَلا تَبْحَثْ عَنِّي يا ضَوْءَ القَمَرِ / ضَفائرُ الأُمَّهاتِ في صُحونِ المطبخِ / وسَكاكينُ المطبخِ في قُمصانِ النَّوْمِ/ وجُثمانُ الكَاهِنَةِ هُوَ الحاجِزُ العَسكرِيُّ بَيْنَ الكَنَائِسِ والعَوَانِسِ/ رَحَلَ المساءُ إلى زَهْرِ اللوْزِ / وَبَقِيَ صَوْتُ المطرِ مَزروعاً في صَوْتِ أُمِّي / هَجَمَ المساءُ عَلى هَيْكلي العَظْمِيِّ كَصَقْرٍ أُرْجُوانِيٍّ/ وأخافُ مِن هُدوءِ الليلِ/ لأنَّني أرى وُجوهَ الأمواتِ عَلى زُجاجِ النَّافذةِ /
     ذَهَبَت الأُمَّهَاتُ إلى الْمَوْتِ / والأيتامُ يَنْشُرُونَ الغسيلَ عَلى سُورِ المقبرةِ / فلا تَقْلَقْ عَلى الوَحْدةِ الوَطَنِيَّةِ يا حَفَّارَ القُبورِ / سَيُصْبِحُ رَاعي الغَنَمِ فَيْلَسُوفاً / ويُصْبِحُ اللصُّ قَائداً للثَّوْرةِ / وَتُصْبِحُ البَدَوِيَّةُ لاعبةَ تِنس/ وَتُصْبِحُ المقابِرُ مَتَاحِفَ لأجْمِلِ قِصَصِ الْحُبِّ / حَقَّاً / إِنَّ أَجْمَلَ قِصَصِ الْحُبِّ تَحْتَ تُرابِ المقابِرِ / مَا فَائِدَةُ أن أَكُونَ مَلِكَاً عَلى قَطِيعِ الغَنَمِ ؟ / أَشلاءُ النِّساءِ في صُحُونِ المطبخِ / مَاتت النِّسْوَةُ / وَبَقِيَتْ نُونُ النِّسْوَةِ في أبجديةِ البَحْرِ / سَأَظَلُّ سِرَّاً أُرْجُوَانِيَّاً مِثْلَ دُموعِ الشَّركسياتِ في لَيالي الشِّتاءِ/ سَأَظَلُّ حُلْمَاً غَامِضَاً مِثْلَ بُكاءِ البُوسنِيَّاتِ تَحْتَ جُسُورِ سَرَاييفو / وَالنَّهْرُ الْحَزِينُ يَحْمِلُ خَشَبَةَ الصَّليبِ عَلى ظَهْرِهِ / وَيَبْحَثُ عَمَّن يَصْلُبُهُ في المساءِ الرَّهيبِ / وَالْمَلِكُ الْمَخْلُوعُ يُوَزِّعُ الأوسمةَ العسكريةَ/ عَلى الجنودِ المهزومينَ في أرضِ المعركةِ/ كَمَا يُوَزِّعُ الصَّقيعُ البَطَاطَا الْمَقْلِيَّةَ عَلى العُشَّاقِ المهزومين / في مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ .