07‏/11‏/2019

أسبح في دمي ضد التيار / قصيدة

أسبح في دمي ضد التيار / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     عُشْبُ المقابِرِ يُغَيِّرُ مَجْرَى دَمِي/ كَمَا تُغَيِّرُ الذِّكرياتُ مَجْرَى النَّهْرِ/ رَمَيْنا جُثَثَ آبائِنا في النَّهْرِ/ وَافْتَخَرْنا بِحُرُوبِ القَبائلِ تَحْتَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ/ العَصَافيرُ الْمُلَوَّنةُ تَنْقُرُ جُثَثَ الأطفالِ في القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ/وسَوْفَ تَظَلُّ جُمْجُمتي في مِخْلَبِ نَسْرٍ أعْمَى/لا يَكُفُّ عَن الطَّيَرَانِ/والجماجِمُ في الْمَخَالِبِ/ والذِّكرياتُ لا تَرْحَلُ مِنَ الهياكِلِ العَظْمِيَّةِ/ رَاحِلٌ أنا إلى الصَّدى السَّحيقِ / وسُعالُ اليَتيماتِ إِشارةُ مُرُورٍ حَمْرَاءُ في شَوَارِعِ الطاعون/ فَكُنْ رُومانسِيَّاً حَالِمَاً/حِينَ يَسِيلُ مِكْيَاجُ النِّساءِ في حُفَرِ المجاري/
     لماذا نركضُ يا أبي إلى قَبْرِ أُمِّي في لَيالي الصَّقيعِ ؟/ عِظَامُ الضَّحايا عَلى أراجيحِ الحديقةِ الخاليةِ / وأجنحةُ النُّسورِ تُغَطِّي جُثَثَ الأطفالِ الباردةَ / اغْتَصَبَ الإعصارُ أشْرِعتي / فَاجْمَعي حُطَامَ سَفينتي يَا كُرَيَاتِ دَمِي تِذْكَاراً/ سَرَقَ القَرَاصنةُ أشلائي / فَاكْتُب النَّشيدَ الوَطَنِيَّ عَلى عِظَامِ النَّوارسِ يا نَهْرَ المساءِ / أَكْتُبُ عَن الْحُبِّ / والآخَرُونَ يَعِيشُونَهُ / فَعِشْ حَيَاتَكَ كالنَّسْرِ الجريحِ في غَابةِ الجثامين / وَلا تَجْرَحْ أحاسيسَ الثلجِ عَلى أكواخِ الصَّفيحِ / وَلا تَكْسِرْ أثاثَ الْمَنَافي في لَيْلِ الخريفِ / وَعِشْ مَوْتَكَ في حَيَاتِكَ / وَاسْتَمْتِعْ باحتضارِكَ في ذِكْرَيَاتِكَ / وَلا تَحْزَنْ عَلَيَّ حِينَ تَسْرِقُ دَمِي أحزانُ الطفولةِ / وُلِدْتُ مَيْتاً/ وَعِشْتُ مَيْتاً/ فَلا تَسْأَلْ عَن مَواعيدِ مَوْتي / لَم أَعِشْ حَتَّى أموت/ أنا المِلْحُ في دُموعِ أبي / وأنا الْمَيْتُ الذي يَنتظِرُ الْمَوْتَ /
     طُفُولةُ النَّهْرِ جِيفَةٌ للنَّسْرِ العَاجِزِ جِنسِيَّاً / وَطُيُورُ البَحْرِ تَبْكي بَيْنَ الحواجزِ العَسكريةِ وَمَلاقِطِ الغسيلِ / فَكَيْفَ نَصِلُ إلى البَحْرِ أيَّتُها البُحَيرةُ اليَتيمةُ ؟ / كُلُّ الطُّرُقَاتِ تُؤَدِّي إلى أشلائِنا / وَأشلاؤُنا تُؤَدِّي إلى أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / ويَجُرُّ الأطفالُ جُثَثَ أُمَّهَاتِهِم بَيْنَ المحاكمِ العَسكريةِ ومَلاقِطِ الحواجِبِ/ وَالقَرَاصِنَةُ يَزْرَعُونَ المارِيجوانا في جُثَثِ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ/ فَاكْسِرْ صَلِيبَكَ أيُّها المصلوبُ/ وَكُنْ وَاثِقَاً بِدَمْعِ السُّنونو في الحِكَاياتِ/ وَابْدَأْ حَيَاتَكَ مِنْ مَوْتِكَ / وَلْيَكُنْ مَوْتُكَ حَياةً / وَكُنْ مَوْتاً لا قِيامةَ بَعْدَهُ / وَنَمْ بَيْنَ دَبَابِيسِ الذِّكرياتِ المنثورةِ عَلى مَقَاعِدِ مَحطةِ القِطَاراتِ/ نَسِيَت الرَّاهباتُ حُبُوبَ مَنْعِ الْحَمْلِ عَلى مَقَاعِدِ الكَنيسةِ / والشَّاطِئُ يَرْكُضُ مَعْصُوبَ العَيْنَيْنِ إلى مَحَاكِمِ التَّفتيشِ/ كُحْلُ النِّساءِ هُوَ النَّعناعُ في ثِيَابِ الحِدَادِ/ والأضرحةُ تَخْرُجُ مِن شُقُوقِ جِلْدي كالسَّنابلِ/ هَل أنا القَاتِلُ أَم الضَّحِيَّةُ ؟ / وَهَل أنا رَقْمٌ بَيْنَ الضَّحَايا أَمْ نَجَوْتُ مِنَ الْمَذْبَحَةِ ؟ /
     في لَيْلِ الشِّتاءِ/ تُولَدُ أحزانُ الطفولةِ بَيْنَ الزَّيْتِ والزَّعْتَرِ/ فَيَا نَزيفي الأخضرَ/ أَعْطِ البَحْرَ فُرْصَةً كَي يَعتذِرَ للبَحَّارةِ الغَرْقى/أَعْطِ الأمواجَ فُرصةً كَي تَجْمَعَ حُطَامَ السُّفُنِ في مَتْحَفِ الذِّكرياتِ .