12‏/11‏/2020

إدموند سبنسر وملكة الجن

 

إدموند سبنسر وملكة الجن

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...........

     وُلِد الشاعر الإنجليزي إدموند سبنسر ( 1552_ 1599) في إيست سميثفيلد في لندن ، ودرس في صِغره في مدرسة ميرشانت تايلور بلندن ، ثم في كلية بمبروك في كامبردج .

     يُعتبَر سبنسر أحد أهم رواد الشِّعر الإنجليزي المعاصر ، وهو صاحب قصيدة " مَلِكة الجِن" التي تُعَدُّ أعظم أعماله على الإطلاق وأكثرها شُهرة.وهي ملحمة شِعرية رمزية غير مكتملة ، نُشِر الجزء الأول مِنها عام 1590 ، والجزء الثاني 1596 . وتتميز القصيدة بأنها مكتوبة على المقطع السبنسري ، وهو نظام جديد ابتدعه سبنسر في قصائده ، وهو أن تسير القصيدة على نمط ثمانية سطور في المقطع الواحد ، وكُل سطر عبارة عن تفعيلة شِعرية ذات مقطعين : مقطع قصير يتبعه مقطع طويل ، أي مقطع غير مُشدَّد وآخر مُشدَّد . وترجع شهرة ملحمة " ملكة الجن " لِكَوْنها من أطول القصائد في الأدب الإنجليزي بعد ملحمَتَي الإلياذة والأوديسة. وقَدَّمت هذه القصيدة _ في جُملة ما قَدَّمت_ تبريرًا للمذهب البروتستانتي.وقد بشَّرت كذلك بالدفاع عن الموقف البيوريتاني تجاه الكنيسة . وكان ذلك بالنسبة إلى المفكرين آنذاك بالغ الأهمية ، ويدخل في اهتماماتهم . والبيوريتانية جماعة بروتستانتية في إنجلترا ونيوإنغلند في أمريكا ، في القرنين السادس عشر والسابع عشر ، طالبت بتبسيط طقوس العبادة ، وبالتمسك الشديد بأهداب الفضيلة . وقد بلغت موهبة سبنسر الشعرية أوجها في هذه القصيدة التي تتألف مِن ستة كتب وشذرات أخرى ، وهي مديح لفرسان غلوريانا، مَلِكة أرض الجن الخيالية التي ابتكرها سبنسر، ويُمثِّل كُل فارس فضيلة إنسانية . وتظهر براعة سبنسر في هذا العمل الملحمي ، في انسجام الصور والإيقاع الموسيقي والقافية والعنصر القصصي ، والرموز ، والإرث الشعبي (الفلكلور)، وفي تقديم المواعظ الأخلاقية والصور الإنسانية. وقد غطَّت هذه القصيدة على أعماله الشِّعرية . وفي حِين يَذكر الكثيرون هذه القصيدة، فإن القليلين يَعرفون أن نتاجه الشِّعري كان ضخمًا ، حتى في عصر تميَّزَ بالنتاج الشِّعري الضخم . وقد أدَّى نشر " مَلِكة الجن " ورواجها إلى مطالبة الكثيرين بمطالعة أعماله الشعرية الأخرى. كَتب سبنسر في أثناء دراسته الجامعية بعض القصائد التي قلَّد فيها الشاعرَ الإيطالي بتراركا، كما كتب في بواكير شبابه " أربع ترانيم "( لَم تُنشَر إلا عام 1596 ) ، تُعبِّر عن عواطف أفلاطونية . نشرَ سبنسر في عام 1579 " تقويم الراعي " الذي تَلَقَّاه النُّقاد بحماسة . وفي عام 1580، عُيِّن أمينًا لسر اللورد آرثر غراي ، وذهب إلى إيرلندا نائبًا عنه . وحصل في عام 1586 على قلعة كيلكولمان في مقاطعة كورك ، واستقرَّ فيها ، وانهمك في التأليف الأدبي ، وكتب قصيدة بعنوان " آستروفيل "، وبدأ بإعداد " ملكة الجن " فأودع ثلاثة أجزاء منها للطباعة عند زيارته لندن عام 1589 ، ثم كتب قصيدة «كولن كلاوتس " ، وتَمَّ طبعها عام 1595 .

     تزوَّجَ إليزابيث بويل في عام 1594 ، وهي التي كان قد كتب لها قصائد " عشقيات " ، واحتفلَ بالزواج في قصائد " أغاني الزواج " ( 1595) .

     نشر في عام 1596 كتابًا نثريًّا بعنوان " وجهة نظر عن واقع أيرلندا الآن "، وهو كتاب يدل على سَعَة اطلاع ، وإن كان مُنحازًا أحادي الجانب، إذ كان سبنسر أمينًا لسر الحاكم لمدة خمس سنوات ، وتعلَّقَ بإيرلندا وشعبها ودافع عنها في كتابه . وفي عام 1597 عاد إلى قلعته وهو مكتئب نفسيًّا ، وقد ساءت صحته . وقد أحرق هذه القلعةَ الثوارُ الأيرلنديون عام 1598، فخسرَ أحد أبنائه بين ألسنة اللهب ، وهرب مع زوجته وأطفالهما إلى إنجلترا ، وقد هَدَّه الحزن والألم ، ورُبَّما احترقت مع القلعة بعض الأجزاء المفقودة مِن " مَلِكة الجن " . وتُوُفِّيَ بعد فترة قصيرة ، ودُفِن في كاتدرائية وستمنستر ، مثوى العظماء .

     دافع سبنسر عن مكانة الشاعر في المجتمع باعتباره واعظًا أخلاقيًّا اجتماعيًّا مستقلاً ، إنساني النَّزعة، ومُمَجِّدًا للبطولة، ومُنَافِحًا عن الشِّعر بوصفه قمة البلاغة ، وذلك في عمله النقدي " دفاع عن الشِّعر " ( 1595) .

     في أواخر القرن السادس عشر ، كان الباحثون يتذمَّرون مِن الفساد في الكنيسة والدولة وتضاؤل الرعاية . وقد جاء سبنسر وغيره من شعراء عصر النهضة بعد مُدة من الجفاف اعتمد فيها الأدباء على تقليد تشوسر ، وبدؤوا على استحياء في تجديد لغة غير ثابتة وآخذة بالتغير .

     عاش سبنسر في مرحلة تكوين ، كانت اللغات الأوروبية، ولا سِيَّما الإيطالية والفرنسية ، قد بدأت تستقل عن اللاتينية ، وكانت إنجلترا تنتظر شاعرًا يَجمع بين التيارات الفكرية والدينية والفلسفية الجديدة باستلهام تشوسر من جهة، والمشاعر الوطنية الجيَّاشة من جهة أخرى، مع النَّزعة الإنسانية والمثاليات الأفلاطونية من جهة ثالثة .

     وهكذا قُيِّض لسبنسر أن يكون الشاعر الجديد الذي يجمع هذه الخيوط ، كما ظهر ذلك في قصيدته" تقويم الراعي " التي تُعَد انتصارًا لتقنية استخدام تقليد الرَّعويات لمواضيع أخلاقية وغرامية وبطولية ، وفيها تقليد لشاعر الملحمة الروماني فرجيل ، ومحاولات التعليم عن طريق القصص الرمزية ذات الطابع الديني التي سادت العصور الوسطى .