27‏/01‏/2021

إيفو أندريتش ومعاداة الإسلام

 

إيفو أندريتش ومعاداة الإسلام

للكاتب / إبراهيم أبو عواد

.......

    وُلد الأديب والسياسي البوسني اليوغسلافي إيفو أندريتش( 1892_ 1975) في مدينة ترافنيك في البوسنة . هو بوسني الأصل ، ولكنه أعلن أنه صِربي بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب انتمائه إلى صرب البوسنة .

     تُوُفِّيَ والده وهو ابن عامَيْن، وأنهى دراسته الثانوية بصعوبة في مدينة سراييفو (عاصمة البوسنة والهرسك )، ودرس الأدب والتاريخ في زَغْرِب ( عاصمة كرواتيا ) في الفترة ( 1912_1913)،وفيينا ( عاصمة النمسا ) في الفترة ( 1913 _ 1914 ) .

     نشأ أندريتش في بيئة متمازجة من المسلمين والمسيحيين واليهود، وهذا الأمر ترك بصمةً مُؤثِّرة في رواياته. بدأ حياته سياسيًّا في خدمة الأهداف التوسعية لمملكة صربيا . وأسَّس في أواخر عام 1911 " منظمة الشبيبة السِّرية " التي عُرفت لاحقًا باسم " البوسنة الفتاة " بعد أن تمكنت من اغتيال ولي عهد النمسا في سراييفو(1914).وكان ذلك سببًا في اندلاع الحرب العالمية الأولى.

     في نهاية الحرب ، وتقديرًا لخدماته ، تَبَوَّأ أندريتش مكانةً سياسيةً في الدولة الجديدة (مملكة يوغسلافيا ) التي كانت قد توسَّعت عن مملكة صربيا . وفي عام 1920 ، انتقل إلى العمل الدبلوماسي في الخارج ، وتنقَّل في بلدان كثيرة .

     حصل على الدكتوراة من جامعة غراتس النمساوية عام 1924عن أطروحته " تطور الحياة الروحية في البوسنة تحت تأثير الحكم التركي " . وفي عام 1937 ، أصبح نائبًا لوزير الخارجية . واختير في عام 1939سفيرًا ليوغسلافيا في برلين . وفي عام 1941 ، عاد إلى بلغراد ( عاصمة صربيا ) بعد الغزو الألماني ليوغسلافيا ، وعاش هُناك في عُزلة تامة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية ، مُفضِّلاً أن يتفرَّغ لكتابة رواياته ، لئلا يُؤخَذ عليه أي موقف من الحرب الدائرة .

     في عام 1946، حصل على جائزة الدولة عن روايته" جسر على نهر درينا ". وفي العام نفسه، أصبح رئيسًا لاتحاد الكُتَّاب في يوغسلافيا . وتُعتبَر روايته " الفناء الملعون " ( 1954) أهم رواياته على الإطلاق ، وهي التي ساهمت بشكل كبير في منحه جائزة نوبل للآداب ( 1961) . وهي رواية تتَّسم بالواقعية الفلسفية والتاريخية ، إلى جانب النَّزعة الإنسانية ، مع التأكيد على القيم الروحية ، وأهمية الحضارات القديمة والحديثة . وتحكي الرواية قصة راهب مسيحي مسجون في سجن تركي في إسطنبول(عاصمة الخلافة الإسلامية)، حيث يتعرَّف إلى باشا تركي مسكون بهاجس أحد السلاطين القدماء ، كما تُقدِّم الرواية شخصيات متنوعة مِثل : اليهودي المتشكِّك ، وقراقوش التركي غريب الأطوار ، والرُّهبان الحاسدون في الدَّير البعيد في البوسنة .

     لاقت رواياته رواجًا عالميًّا بعد فوزه بجائزة نوبل . وبعد عام 1967 ، أُثيرت أسئلة كثيرة حول نقاط غامضة في نشاطه السياسي المشبوه ، وحول مواقفه المعادية للإسلام والمسلمين في يوغسلافيا ، سواءٌ أثناء عمله في الخارجية ( 1937_ 1939) أم في رواياته .

     تتميَّز رواياته،وخاصة"جسر على نهر درينا" ( 1945). و" وقائع مدينة ترافنيك "( 1945)، باعتمادها على مصادر تاريخية مُتحيِّزة وانتقائية وغَير مَوثوقة، تخدم الخط السياسي للمؤلف . ويَبدو هذا الموقف واضحًا في أُطروحته للدكتوراة التي رَفض أندريتش أن تُترجَم أو تُنشَر وهو حَي. وهذا الرفض يحمل دلالة شديدة الخطورة ، ويُثير أسئلة حول مَصادره ومواقفه الفكرية وطبيعة كتاباته . لقد كانت العلاقة بين الشرق والغرب هي الموضوع الأساسي في كتابات أندريتش . ومن الواضح أن هذا الموضوع كان يُسيطر على تفكيره وتفاصيل حياته . وقد كانت كلمة " الجسر " مُهيمنة على أعماله الأدبية ، وكأنه يَقصد ذلك الجسر الرمزي الواصل بين الحضارات والأمم والشعوب . لقد أرادَ صناعة جسر يصل بين الشرق والغرب ، ولكنَّ المشكلة تَكمن في طبيعة هذا الجسر ، حيث إِنَّه شَيَّده وفق أفكاره الذاتية ووجهة نظره الشخصية ، دُون تقديم أفكار الآخرين بشكل صحيح ، ولا عَرْض وُجهة نظر الطرف الآخَر بأمانة ودِقَّة . والتحيُّز الواضح وغيابُ الموضوعية جَعلاه عُرضةً لسهام النقد ، والتشكيك في مصادره الفكرية والتاريخية .

     وقد كان التاريخُ قيمةً أساسية في أعماله الأدبية ، تُسيطر على تفكيره . وهذا يُفسِّر اهتمامه الشديد بالرواية التاريخية ، والعودة إلى الماضي . فعلى سبيل المثال لا الحصر ، رواية " الفناء الملعون " تَدور أحداثها في عام 1432م ، وتَحكي عن رَجل تُخيِّل نَفْسُه تناسخًا روحيًّا مع جمشيد ( ابن السلطان محمد الفاتح ) . وروايته " وقائع مدينة ترافنيك " تدور أحداثها في عام 1560م ، وتحكي عن الثورات التي قامت في المدينة للانفصال عن الحكم العثماني في تلك الفترة . وروايته " جسر على نهر درينا " تدور أحداثُها عام 1571، وتحكي عن الأحداث التي شهدتها مدينة فيتشيغراد . وهذا الجسر الحجري الشهير أُقيم على نهر درينا بمدينة فيتشيغراد ، وكان الغرض من إقامته أن يربط بين البوسنة والصرب ، وهما يومئذ إقليمان من أقاليم الإمبراطورية العثمانية .