28‏/01‏/2021

إيمانويل كانت ونقد العقل الخالص

 

إيمانويل كانت ونقد العقل الخالص

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...........


     وُلد الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت ( 1724 _ 1804 ) في مدينة كونجسبرغ بألمانيا ( بروسيا آنذاك ) . كان والده يَعمل في صناعة سُروج الخيل ، وأُمُّه شديدة التدين .

     التحقَ بمعهد فريدريش التعليمي خلال الفترة ( 1732 _ 1740 ) ، ثم بجامعة كونجسبرغ عام 1740 حيث تخرَّجَ . لَم يُسافر في حياته كُلها قَط . عاش حياته كُلها دون أن يرى جبلاً أو بحرًا ، معَ أن بحر البلطيق كان على مسافة ساعة فقط من مدينته. ويعتقد البعض أن هذه الأوصاف والعادات ذات صلة بمرض التَّوَحُّد .

     كان كانت في شبابه طالبًا قويًّا في دراسته ، ضعيفًا في بُنيته . تربى في بيت أهله مُتديِّنون بشدة. وتربَّى تربيةً دينية متشددة ، وعلى التفاني والإخلاص في خدمة الدِّين، وعلى التواضع مع الناس . وقد نشأ على التفسير الحرفي "للكتاب المقدَّس". اضْطُر كانت إلى العمل مُربيًّا لبعض الأسر الثرية ، ثم صار مُدَرِّسًا غير رسمي بجامعة كونجسبرغ في مجال القانون الطبيعي والأخلاق واللاهوت الطبيعي، ثم بعد ذلك في علم الإنسان والجغرافيا الطبيعية .

     لَم يُفلِح في أن يكون أستاذًا رسميًّا لعدم اتصاله بأصحاب النُّفوذ السُّلطوي، لكنه سُرعان ما تولى كرسي المنطق والميتافيزيقا عام 1770 ، ثم صار عُضْوًا في الأكاديمية الملكية للعلوم ببرلين عام 1787 . وهكذا أصبح أستاذًا في جامعة كونجسبرغ ابتداء من عام 1770، فمديرًا للجامعة، فعميدًا للكلية خمس مرات .

     طرحت فلسفة كانت أربعة أسئلة أساسية وحاولت الإجابة عنها، وأول هذه الأسئلة هو: ما الذي أستطيع أن أعرفه ؟ . وهو سؤال المعرفة الذي لا ينفصل عند كانت عن بيان شروط إمكان المعرفة وبيان حدودها .

     فأمَّا شروط إمكان المعرفة ففيها ما هو قَبْلي مُسبق ، لا تتم المعرفة إلا بوجوده ، والقبلي منها هو : الإطاران (الزمان والمكان) ، والمقولات العقلية ، ومبادئ العقل البشري . كل هذه تسبق المعرفة لتجعلها مُمكنة .

     تتمثل الشروط البَعْدية في المعطيات التي تُزوِّد بها الإنسانَ حواسُّه (المعطيات الاختبارية). فعنده أن لا معرفة حِسية تكون خالصة (عكس النَّزعة الحسية)، ولا معرفة عقلية تكون بحتة (عكس النَّزعة العقلية ) ، وإنما المعرفة هي ما شاركَ في إنشائه الحِس والعقل معًا .

     أمَّا عن حدود المعرفة عند كانت ، فهي أن المعرفة البشرية تجد نفسها محدودة بِحَدَّيْن: داخلي وخارجي . أمَّا الحد الداخلي فيتعلق بأن الإنسان لا يَعلم مِن الأشياء إلا ظواهرها، بِحُكم أنه يرفد هذه المعرفة _ شاء أم أبى _ بما عنده من سوابق معرفية ، فلا يُدرك الظواهر في ذاتها ، وإنما يُدركها بحسَب ما تظهر به لذاته . الحد الثاني خارجي، ويتمثل في أن الإنسان لا يستطيع أن يُدرك بالعقل الحقائق الميتافيزيقية (الغيبية ) : الله والعالَم والحرية ، وإنما هذه تُدرَك بالعمل ( الإيمان ) . السؤال الثاني مِن أسئلة كانت هو : ما الذي يجب عليَّ أن أفعله ؟. ويتعلق هذا السؤال بمسألة العمل الأخلاقي. والذي عند كانت أنه إذا كان العقل النظري الخالص لا يُسعِف الإنسان في إدراك مبادئ الحياة العملية الأخلاقية ، فإن له عقلاً عمليًّا خاصًّا بذلك ، وِمن شأنه أن يكتشف في أعماق ذاته "آمِرًا قطعيًّا" أخلاقيًّا يدعوه إلى الالتزام بالمبادئ الْخُلُقية، مثل مخاطبة ضمير الإنسان لصاحبه : " لا تقتل ! " . السؤال الثالث عند كانت هو : ما الذي يمكنني أن آمَلَه ؟ . ويتعلق هذا السؤال بالمسألة الدينية ، أي : هل مِن أمل أرجوه إذا أنا فعلتُ ما ينبغي عليَّ فِعله أخلاقيًّا ؟ . يرى كانت أن لا سبيل للعقل لإثبات الحقائق الغيبية ( الله ، العالَم ، ... ) ، وإنما يمكن للعقل فَحَسْب أن يتفهم ما يدعو إليه الدين، لكنه ليس "الدين المزيَّف" القائم على عبادة الله عبادة منفعة وإنما "الدين الأخلاقي" القائم على عبادة الله عبادة محبة . مع العلم بأن كانت هو أول فيلسوف غربي يجعل الأخلاق أساس الدِّين ، وليس الدين أساس الأخلاق .

     السؤال الرابع من أسئلة كانت هو : مَن هو الإنسان ؟ . هذا هو سؤال " الأنثربولوجيا الفلسفية " . والذي يقوله كانت هو : إن الإنسان " كائن مُتناهٍ هشٌّ" مقارنة بالخالق، لأن الإنسان له المقدرة على تصوُّر أمور ، لكنه لا يستطيع تحقيقها .

     أُطْلِقَت على فلسفة كانت أسماء عِدَّة (المثالية الذاتية ، المثالية النقدية ، .. إلخ ) ، لكن الاسم الذي ارتضاه لها صاحبها هو " الفلسفة الترنسندنتالية "، أي تلك الفلسفة التي تبحث في "الشروط القَبْلِيَّة" للمعرفة البشرية. فلا تهتم بالمعارف ذاتها ، وإنما بطريقة معرفة الإنسان بها ، أي بشروط التجربة ، وما يَسبق التجربة منطقيًّا مِن مُقتضيات تجعلها مُمكنة .

     يُعتبَر كانت أحد أبرز الفلاسفة الألمان الْمُحْدَثين ، ومِن أعظم فلاسفة عصر التنوير الأوروبي، كما يُعَدُّ مِن أكبر الفلاسفة تأثيرًا في الفلسفة الغربية الحديثة .

     مِن أبرز مؤلفاته : نقد العقل الخالص ( 1781 ) . نقد العقل العملي ( 1788 ) . نقد القُدرة على التحكيم ( 1790 ) . الدين ضمن نطاق العقل فقط ( 1793 ) .