31‏/01‏/2021

إيمري كيرتيش وصناعة الهولوكوست

 

إيمري كيرتيش وصناعة الهولوكوست

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

........

    وُلد الروائي المجري إيمري كيرتيش ( 1929_ 2016) في بودابست لأسرة يهودية فقيرة. واعْتُقِل خلال الحرب العالمية الثانية عام 1944 ، وهو في الخامسة عشرة، وتَمَّ ترحيله إلى معسكر الإبادة النازي في أوشفيتز ( بولندا )، ثم إلى معسكر اعتقال في بوخنفالد في ألمانيا الشرقية،حيث حَرَّرت القوات الأمريكية المعتقلين الموجودين فيه عام 1945. ثم عاد إلى المجر،وعمل صحفيًّا ، لكنه خسر وظيفته عندما انتهجت الصحيفة خط الحزب الشيوعي .

     عكس كيرتيش في إبداعه تجربة "أوشفيتز" و"بوخنفالد". واستغل التجارب التي مَرَّ بها في هذين المعسكرَيْن كمادة ثرية في أعماله .

     وفي ظل الحكم الشيوعي في المجر مَرَّ الكاتب ببعض المعاناة الحادة ، وركَّز في رواياته ومقالاته _ التي طُبِعَت في مجلدات _ على الشيوعية الشمولية التي عايشها في وطنه . وتقوم كتاباته على ثلاثة أركان : المحرقة النازية ( وكان أحد الناجين مِنها ) ، والدكتاتورية ، والحرية الشخصية .

     حصل على جائزة نوبل للآداب عام 2002، وذلك" لنتاجه الذي يروي تجربة الفرد الهشة في مواجهة تعسُّف التاريخ الوحشي "، حَسَبَ بيان الأكاديمية السويدية .

     وقد فاز كيرتيش بجائزة نوبل عن مُجمَل أعماله التي قال عنها المحكِّمون إنها تُصَوِّر معسكرات الموت النازية على أنها حقيقة مُطْلقة عن مدى إذلال المستضعفين .

     وكان أول مجري يحصل على جائزة نوبل على الإطلاق ، بل إن وطنه بخل عليه بالتقدير وقتًا طويلاً . عاش كيرتيش فترات طويلة في برلين ، مُنذ عام 2000 ، ثم انتقل عام 2012إلى بودابست ، وكان آنذاك مُصابًا مُنذ عدة سنوات بمرض الشلل الرعاش ( الباركنسون ) ، وهو المرض الذي قَلَّصَ كثيرًا مِن إبداعه. وأخيرًا، حصل كيرتيش عام 2014 على وسام " ستيفان " ، وهو أعلى وسام مجري . حِين خرج من معتقل بوخنفالد نهاية الحرب بما يُشبِه الأعجوبة ، قَرَّرَ كيرتيش أن يَكتب ، لاعتقاده أن الكتابة قد تُخلِّصه من جحيم معسكر المعتقلات النازية التي انساق إليه مُرَاهِقًا . وكأن الكتابة مُعادِل آخَر للحياة . بدأ حياته في الصحافة ، لكنه سُرعان ما تخلى عنها ، بسبب هيمنة النظام الشمولي في المجر ( هنغاريا ) . بَيْدَ أن سَطوة الكلمة لازمته ، فوهبَ نفسه للأدب ، كاتبًا ، ومسرحيًّا ، ومُترجِمًا .

     تُعتبَر " كائن بلا مصير " ( 1973) هي روايته الأشهر على الإطلاق . كتبها بعد سنوات من التفكر والتأمل في تجربته وتجارب المحيطين بِه . تحوَّلت إلى فيلم مِن إنتاج ألماني _ مجري في العام 1998. تغوص الرواية في عالَم المعتقلات والعنف والهولوكوست على لسان فتى في الخامسة عشرة ، هو ليس إلا قرين الكاتب نفسه. واستقى كيرتيش عنوان روايته من إحساس داخلي عاشه خلال تلك المرحلة بأنه إنسان مُجرَّد من مصيره ، والأصح قَولاً من إنسانيته بالمعنى الأوسع .

     عُرف عن الكاتب عشقه لألبير كامو الذي يجد فيه صورة المفكِّر الشاب ، والمتمرِّد ، ومُمثِّل الرواية الفلسفية الحقيقية ، وأُعجِب بأعمال نيتشه التي اشتغل على ترجمتها .

     مِن أبرز أعماله : كائن بلا مصير ( 1973) . الراية الإنجليزية ( 1991). يوميات العبودية ( 1992). اللغة المنفية ( 2001) . التصفية ( 2003) .

     وصدرت محاضراته ومقالاته في شكل مجموعات " الهولوكوست كثقافة " ( 1993) .