01‏/02‏/2021

بابلو نيرودا والذكريات الضائعة

 

بابلو نيرودا والذكريات الضائعة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...........

     وُلد الشاعر التشيلي بابلو نيرودا ( 1904_ 1973) في قرية بارال بوسط تشيلي ، وتُوُفِّيَ في سانتياغو  ( عاصمة تشيلي ) . اسْمُه الحقيقي " نفتالي ريكاردو رييزوالد " . كانت والدته تعمل بمهنة التدريس، أمَّا والده فكانَ عاملاً في سِكَك الحديد. حصلَ على جائزة نوبل للآداب 1971.  كتب نيرودا قصائد عندما كان في العشرين مِن العُمر ، قُدِّرَ لها أن تنتشر أوَّلاً في أنحاء تشيلي، ثُمَّ تنتقل بعدها إلى كافة أرجاء العالَم ، لتجعل منه الشاعر الأكثر شُهرة في القرن العشرين من أمريكا اللاتينية .

     بَدأت إبداعاته الشِّعرية في الظهور قبل أن يُكمِل عامه الخامس عشر . وتحديدًا عام 1917. وفي عام 1920، اختار لنفْسه اسْمًا جديدًا هو بابلو نيرودا . وفي مارس 1921، قَرَّرَ السَّفر إلى سانتياغو ، حيث استقرَّ هناك في بيت الطلبة، لاستكمال دراسته في اللغة الفرنسية التي كان يُجيدها مِثْلَ أهلها. وفي نفْس العام، اشتركَ في المظاهَرات الثورية التي اندلعت في البلاد آنذاك .

     نشر نيرودا ديوانه الأول " غسقيات " ( 1923) ، وتلقَّى اعتراف أبرز نُقَّاد تشيلي بموهبته. وتلاه في العام التالي ديوان " عشرون قصيدة حُب وأغنية يائسة " . وسيطرت على هذا الكتاب أجواء الكآبة القاتمة . وقد طُبعت مِن هذا الديوان منذ صدوره ملايين النُّسخ ، وما زال مِن أوسع أشعار الحب انتشارًا في البلدان الناطقة بالإسبانية .

     في عام 1924، هَجر نيرودا دراسة اللغة الفرنسية ، وتَخَصَّصَ في الأدب . وكَتب ثلاثة أعمال تجريبية ، وذلك قبل أن يبدأ رحلة تعيينه سفيرًا في العديد من البلدان ، تنتهي بِكَونه سفيرًا في الأرجنتين عام 1933، أي بعد زواجه من الهولندية الجميلة " ماريكا " بثلاث سنوات ، والتي انتهى زواجه منها بإنجاب طفلته " مارفا مارينا " ، التي وُلدت في مدريد في الرابع من أكتوبر 1934.

     وفي نفس العام ، وتحديدًا بعد شهرين ، تَزوَّج نيرودا من زوجته الثانية ديليا ديل كاريل الأرجنتينية الشيوعية، والتي تَكبره بعشرين عامًا .

     في عام 1933، نشر ديوانه " رامي المِقلاع المتحمِّس " ، وهي قصائد شَكَّلت فيما بعد جُزءًا مِن ديوانه " إقامة في الأرض " ، حيث ظهر أسلوبُه الشخصي المتفرِّد الذي منحه مكانة نهائية وحاسمة في عالَم الأدب .

     ومَعَ نُشوب الحرب الأهلية الإسبانية ، وفي أثناء عمله قُنصلاً في مدريد عام 1936، تأثَّرَ بِعُمق لمصرع صديقه الشاعر الإسباني لوركا ، على يد القوى الفاشية . وأدَّى تضامنه مع الجمهوريين إلى عزله من منصبه الدبلوماسي،فكتبَ في أثناء ذلك قصائد ديوانه "إسبانيا في القلب". وبدأ فيه تَحَوُّلَه عن الغموض والفردية ، إلى شِعر ذي تَوَجُّه اجتماعي وملحمي وسياسي .

     تُوُفِّيَ والده عام 1938، وزوجته الأولى عام 1942.

     وفي عام 1952، نشر ديوانه " أشعار القُبطان " ثُمَّ " الأعناب والريح "، و" أغنيات بدائية " ( 1954) . ثُمَّ أتبعها بديوان آخَر بعنوان " أغنيات بدائية جديدة " ( 1956)، ثُمَّ "كتاب الأغنيات الثالث" ( 1957) .

     وفي عام 1958، ظهر ديوانه " شاذ "، الذي يُمثِّل تحوُّلاً جديدًا في شِعره ، استعادَ فيه مزاج بعض كُتب شبابه ، وإن كان بِنَفَس أقل دراميةً. وعاد شِعره ليرتبط بالتَّوجهات الطليعية حتى السريالية، في " إبحارات وعَودات " ، و"مئة سونيتة حُب"، و" أغنية مفخرة " الذي أصدره عام 1960 تكريمًا للثورة الكوبية .

     وفي عام 1965، منحته جامعة أكسفورد البريطانية دُكتوراة شرف ، وأصدر كتابًا مُشترَكًا مع ميغيل أنخل أستورياس ، بعنوان " بينما نحن نأكل في هنغاريا " .

     وفي عام 1968، أُصيب الكاتب بمرض أقعده عن الحركة .

     وفي 21 أكتوبر 1971، فاز نيرودا بجائزة نوبل للآداب . وعندما عادَ إلى تشيلي ، استقبله الجميع باحتفال هائل ، في ستاد سانتياغو ، وكان على رأس الاحتفال الرئيس التشيلي سلفادور الليندي ، الذي لَقِيَ مصرعه بعد ذلك على يد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال بينوشيه .

     لقد قضى هذا الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخَب ، وآلاف المواطنين التشيليين ، وعلى الديمقراطية في البلاد .

     وقد جاء جنود بينوشيه إلى بيت بابلو نيرودا، وعندما سألهم الشاعر: ماذا تُريدون ؟.قالوا له : جِئنا نبحث عن السلاح في بَيتك . فردَّ قائلاً : إنَّ الشِّعر هو سلاحي الوحيد .

     وبعدها بأيام ، تُوُفِّيَ نيرودا في 23 سبتمبر 1973متأثِّرًا بمرضه ، وبإحباطه من الانقلابيين . حتى إِنَّ آخر الْجُمَل ، ولعلَّها آخر جملة في كتابه " أعترف بأنني قد عِشْتُ " والذي يروي سيرته الذاتية ( صَدر بعد وفاته ) هي: " لقد عادوا لِيَخونوا تشيلي مَرَّةً أخرى".