17‏/02‏/2021

بوريس باسترناك وإلهام العشيقات

 

بوريس باسترناك وإلهام العشيقات

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..........

     وُلد الكاتب والشاعر الروسي بوريس باسترناك(1890_1960)لأب كان يهوديًّا ثُمَّ تَحَوَّل إلى الكنيسة الأرثوذكسية،وهو رسَّام وأستاذ في معهد الفنون. ووالدته كانت عازفة بيانو مشهورة.

     نشأ في عائلة فنية ومنفتحة على الثقافات ، وهذا الأمر دفعه إلى دخول كونسرفتوار موسكو عام 1910 ، لكنَّه تركه ليدرس الفلسفة في جامعة ماربورغ الألمانية . ورغم نجاحه الدراسي، رفض العمل في مجال تدريس الفلسفة ، وترك الجامعة عام 1914 .

     وفي نفس السنة أصدر ديوانه الأول ، الذي احتوى على قصائد واقعة تحت تأثير أفكار الفيلسوف الألماني كانت ، ومكتوبة بلغة يومية ذات كلمات مُتشابهة ( نوع معروف في الشِّعر الروسي كالسَّجْع عند العرب، ولكن التشابه يكون في بداية الكلمات ) .

     خلال الحرب العالمية الأولى ، عمل باسترناك في مختبر للكيمياء في الأورال. وهذه التجربة الشخصية سَتَكون مادةً أولية سيستخدمها لاحقًا في رواية " دكتور جيفاغو " .

     في صيف 1917 ، بينما كان باسترناك في سهل ساراتوف ( جنوب شرق روسيا ) ، عاش قصة حب ملتهبة مع فتاة يهودية، كانت مُلْهِمَتَه الأولى. وهذه التجربة الغرامية أوحت له بمجموعة شعرية كتبها خلال ثلاثة أشهر، وامتنع عن نشرها_إحراجًا_ لمدة أربع سنوات. وقد نُشرت في عام 1921 بعنوان " حياتي الشقيقة "، وأحدثت تأثيرًا هائلاً على الشِّعر الروسي. وصار باسترناك مثالاً يُحتذَى لصغار الشعراء ، حتى إِنَّه أثَّرَ على كبار الشعراء الرُّوس في عصره . وتُعتبَر " حياتي الشقيقة " من أهم المجموعات الشِّعرية التي كُتبت باللغة الروسية في القرن العشرين .

     في أواخر العشرينيات، بدأ باسترناك يشعر أن أسلوبه الشِّعري يتعارض مع المناخ الأدبي الناتج عن الواقعية الاجتماعية التي كان الحزب الشيوعي السوفييتي يَدعمها ويَنشرها ، فحاولَ باسترناك أن يُبسِّط شِعره حتى يصل إلى القارئ العادي . وفي عام 1932 ، غَيَّرَ أسلوبَه الشِّعري بشكل جذري ليتوافق مع المفاهيم السوفييتية الجديدة. وأصدر مجموعته الشِّعرية " الولادة الثانية " التي كانت كارثيةً . وأُصيب مُحِبُّوه في الخارج بخيبة أمل. ثُمَّ اعتمدَ بشكل كُلِّي على التبسيط والمباشَرة في الوطنية في مجموعته التالية" قطارات مُبكِّرة" ( 1943). فكانت النتيجة سَيِّئة للغاية، وتعرَّضَ لهجوم حاد من النُّقاد . في أواخر الثلاثينيات ، قادت السُّلطةُ السوفييتية حَملات تطهير واسعة في أوساط الأدباء والمفكرين الروس، فشعر باسترناك بالخيبة والخذلان من الشعارات الشيوعية ، ورفضَ نشر شِعره ، وتَوَجَّه إلى ترجمة الشِّعر العالمي إلى الروسية . وقد أنقذته عبقريته اللغوية من الاعتقال ، حيث مُرِّرت قائمة أسماء الذين صدرت أوامر باعتقالهم أمام ستالين ، فحذف اسْمَه قائلاً : " لا تلمسوا ساكن الغيوم هذا " .

     أبرز ما كتبه باسترناك خلال مسيرته الأدبية رواية " دكتور جيفاغو " . وتحكي قصة حياة طبيب وُلد في أواخر القرن التاسع عشر. وقد أعطى المؤلف صُورًا عن الحياة في روسيا ، قبل الحرب العالمية الأولى وأثناءها ، وأثناء الحرب الأهلية وبعدها. لقد كان باسترناك مُحِبًّا للحياة ومُتفائلاً، وهذا انعكس في تجسيده للشخصية الأساسية في هذه الرواية ، أمَّا بطلة الرواية " لارا " ، فالنقادُ يقولون إنها تُمثِّل عشيقته أولغا إيفنسكايا. وبسبب انتقاده الشديد للنظام الشيوعي، لَم يجد ناشرًا يقبل بنشر الرواية في الاتحاد السوفييتي . لذلك فقد هُرِّبت عبر الحدود إلى إيطاليا ، ونُشرت في عام 1957، وأحدثت تأثيرًا سلبيًّا في الاتحاد السوفييتي ، وإيجابيًّا في الغرب .

     وقد كتب باسترناك هذه الرواية، وهو واقع تحت تأثير فرحه بانتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتصار شعبه فيها ، وأمله بانتشار الحرية والديمقراطية في المجتمع السوفييتي ، وأن تتوقف أعمال القمع والمحاكمات التي يتعرَّض لها المثقفون وغيرهم . لكن هذا الأمل لَم يكن سوى سراب .

     وفي عام 1958 مُنح جائزة نوبل للآداب . لكن السُّلطة السياسية في بلاده أجبرته على رفضها . ولَم يتم الاكتفاء بهذا ، فقد فُصل من اتحاد الكُتَّاب ، وأُوقف إصدار ترجماته ، وفُرض حظر عليه ، وتُرك بلا راتب . والجديرُ بالذِّكر أن السُّلطة السوفييتية كانت قد وضعته تحت المراقبة منذ مطلع الثلاثينيات ، وصَوَّرته إنسانًا معزولاً عن العالَم ، غارقًا في الذاتية والانطوائية والعدمية . ثُمَّ أطلقت عليه لقب " المرتد " و" عدو الشعب " .

     تتميَّز كتابات باسترناك بعمق نفسي ( سيكولوجي ) وفلسفي ، وإدراك عميق للعالَم والروح الإنسانية ، مع الحفاظ على بساطة التعبير وعمق الرؤية ووضوحها . وتُعتبَر الغنائية سِمةً بارزة في كتاباته،وهي غنائية قائمة على الأصوات والألفاظ المتناغمة المثقلة بالأحاسيس والصور والإيقاعات المتنوعة . كما تتميَّز قصائده بالدِّقة ، وتداعي الأفكار ، والتراكيب المعقَّدة . ويتَّصف مُعجمه اللغوي بالضخامة والغِنى . وصُوَره الفنية تمتاز بالتكثيف ، والأداء الجمالي ، وقوة التعبير .

     من أبرز أعماله الشِّعرية : خلال الحواجز ( 1916) . حياتي الشقيقة ( 1921) .

     ومن أبرز كُتبه النثرية : في الصيف الماضي ( 1934) . الطفولة ( 1941).