23‏/02‏/2021

بول فون هايس وخيانة أستاذه

 

بول فون هايس وخيانة أستاذه

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...........

     وُلِدَ الكاتب الألماني بول فون هايس ( 1830 _ 1914) في برلين ، وكان والده أستاذًا مُشاركًا في فقه اللغة الكلاسيكية واللغويات العامة . وكانت عائلته مُثقَّفة وغَنِيَّة . وهذه المناخ المنْزلي أدخلَ هايس في قلب المجتمع المثقَّف الذي يهتم بالأدب والموسيقى والفن .

     خاض هايس مجالاتٍ أدبية متعددة ، ولَم يحصر نفْسه ضمن مجال واحد . فله إسهامات متعددة في الشِّعر والمسرح والترجمة . فقد درس اللغات،وترجم أعمال عدد من الشعراء الإيطاليين.وحصل على جائزة نوبل للآداب عام 1910. ليكون بذلك أول كاتب ألماني يحصل على هذه الجائزة العالمية عن أعماله الأدبية الخيالية ، وثالث ألماني يحصل عليها بعد المؤرِّخ وعالِم الآثار تيودور مُومسِن ، والفيلسوف رودلف أوكن .

     كان هايس طالبًا نموذجيًّا ، وقد بدأ محاولاتِه الشعرية وهو في المدرسة الثانوية ، وشاركَ في إنشاء النوادي الأدبية التي تهدف إلى تبنِّي المواهب الشابة في الأدب عمومًا ، والشِّعر خصوصًا . وقد استغل مكانة عائلته الاجتماعية والفكرية في الوصول إلى الصالونات الفنية في برلين .

     في عام 1847 ، بدأ هايس دراسة فقه اللغة الكلاسيكية في برلين . وبعدها بسنة ، نشر أوَّل قصيدة شِعرية يُعبِّر فيها عن حماسه للثورات الأوروبية ، أو ما سُمِّيَ بربيع الشعوب . وهي سلسلة من الاضطرابات السياسية، حدثت في عام 1848 في جميع أنحاء القارة الأوروبية ، مدفوعةً بالثورة الفرنسية ( 1848 ) . وقد أطلقَ البعض اسم " ربيع الشعوب " على ثورات العالَم العربي        ( 2011 ) مُتأثِّرين بما حدث في أوروبا .

     وبعد عامين من الدراسة في برلين ، التحق بجامعة بون لدراسة تاريخ الفن ، والتعمق في الدراسات الرومانسية . وتُعتبَر جامعة بون من أبرز الجامعات الألمانية . ومن أشهر خِرِّيجيها : الأمير ألبرت ( زوج الملكة فكتوريا ) ، والبابا بندكت السادس عشر ، والقيصر فريدرش الثالث ، والفيلسوف كارل ماركس ، والفيلسوف نيتشه .

     وفي عام 1850 ، قرَّر بشكل نهائي أن يكون شاعرًا، ورسم حياته وفق هذه الأساس. وأعدَّ أطروحةً علمية في فقه اللغة . وبسبب علاقة غرامية مع زوجة أحد أساتذته ، اضْطُرَّ للعودة إلى برلين في عيد الفِصْح . لقد غرق في خيانة أحد أساتذته مع زوجته ، واعتبر هذه العلاقة العاطفية جزءًا لا يَتجزَّأ مِن حياته الشخصية ، ومسيرته الأدبية .

     قام مشروع هايس الشِّعري على الأغنية . فقد اعتبرَ الأغنيةَ الشِّعرية أفضل وسيلة لتمرير الأفكار ، والوصول إلى الجماهير .

     وفي عام 1851 ، بدأ حياته كمترجم ، وقد أقام علاقات متعددة مع وسطاء في الأدب الإيطالي من أجل ترجمته . وبعد سنة ، حصل على الدكتوراة في شِعر الشعراء المتجوِّلين ، بعد منحة دراسية من الدولة البروسية ( الألمانية ) . كما أنه زار إيطاليا لدراسة المخطوطات القديمة في الفاتيكان .

     لَم يَكتفِ هايس بكتابة الشِّعر والترجمة ، بل أيضًا راح يكتب القصص . وقد اعترفَ في سيرته الذاتية أنه يكتب القصص بعد تخطيط دقيق للتخلص من عبء العمل اليومي ، ثم يقوم بتصحيح الأخطاء الكتابية ، ثم يستبدل بعض الكلمات بأخرى مُلائمة ومُناسِبة . وهو يهدف إلى تجنب الوصف السطحي ، والتخلص من التَّطويل الممِل . وفي قصصه تظهر مفاهيم غير سياسية ، تتعلق بمثالية الفن ، والرحلة إلى السعادة ، والحساسية الروحية ، والمثالية المعنوية .

     وفي عام 1910 ، عَيَّنت مدينة ميونخ هايس مواطنًا فخريًّا بمناسبة عيد ميلاده الثمانين ، وأيضًا منحه أحد الأمراء لقب شخصية من طبقة النبلاء ، وفي نهاية ذلك العام فاز بجائزة نوبل للآداب عن أعماله الأدبية ذات النَّزعة الخيالية . وقد تُوُفِّيَ في عام 1914 ، قبل عِدَّة أشهر من اندلاع الحرب العالمية الأولى ( 1914_ 1918) .

     كان هايس من أصول يهودية. وهذا الأمر جعله منبوذًا ومرفوضًا مِن قِبَل الكثيرين ، خصوصًا أن عقود ما بعد الحرب العالمية الأولى ، قد كَوَّنت بيئةً مليئة بمشاعر الانتقام والحقد والكراهية والتمييز العنصري .

     مِن أبرز أعماله الأدبية : قصص قصيرة ( 1855 ) ، كتاب الأغاني ( 1860 ) ، مأساة هادريان ( 1865) ، كلمات لا تُنسَى ( 1883) ، ذكريات الشباب واعترافات / سيرة ذاتية ( 1900) .