03‏/02‏/2021

باتريك وايت ورفض الجوائز

 

باتريك وايت ورفض الجوائز

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.............


    وُلد الروائي الأسترالي باتريك وايت ( 1912_ 1990) في لندن ، في أثناء زيارة والديه لها، وتُوُفِّيَ في مدينة سيدني .  عمل في يفاعته في مزرعة أبيه التي كانت تُعنَى بتربية الأغنام . ثُمَّ عادَ إلى إنجلترا في فترات مُتعاقبة للدراسة ، فدرس اللغات الحديثة في جامعة كامبردج . خدم في أثناء الحرب العالمية الثانية في سلاح الجو الملكي . عاد بعدها إلى أستراليا ليستقر فيها ، وتَخَلَّلت ذلك فترات إقامة مُتقطِّعة في كُل مِن إنجلترا والولايات المتحدة .

     بدأ وايت الكتابة شِعرًا ، إلا أنَّه وَجد أن ذلك يُقيِّده ، فالتفتَ إلى النثر . وكانت " الوادي السعيد " ( 1939) أُولى رواياته التي ظهر فيها تأثره الواضح بديفيد هربرت لورنس وتوماس هاردي ، وتَعَلَّمَ عن طريقها صنعة الكتابة . عاد في كتاباته اللاحقة إلى بيئة بلاده الأصلية ، وجعلها محورها ، فصار الكاتب الأسترالي الأبرز بامتياز . ويُمكن تشبيه هذا التطور لديه بحال الروائيين الأمريكيين اللاتينيين الذين جعلوا من قارَّتهم رمزًا للغموض والرَّوعة ، فجعلَ وايت من أستراليا رمزًا للبهاء والعَظَمة ، بَيْدَ أنَّه لَم يَتغاضَ عن تَطَفُّل المدنية ، وتَعَدِّيها على طبيعة القارَّة البدائية المتوحِّشة لِتَخل بتوازنها . ويُمكن تشبيهه أيضًا بكونراد الذي جعل من قارَّة أخرى رمزًا للوُلوج إلى قلب العَتَمة لكشف خفايا النَّفْس البشرية . وقد تَبَدَّى كُل هذا في أُولى رواياته المهمة " قصة العَمَّة " ( 1948) ، وهي دراسة لحياة امرأة عادية جدًّا ، وتتجلى المفارَقة حين يُؤدِّي نجاحها الشخصي إلى جنونها . وأيضًا في روايات " شجرة الإنسان " ( 1955) وهي الأهم ، و " فوس " ( 1957)، و " راكبو العربة " ( 1961) ، و" دائرة الكَون " ( 1966) ، و " قضية توايبورن" ( 1979) ، التي تستمد كُلُّها موضوعاتها من أستراليا التي تُجسِّد ثيمتها المركزية.وقد وجد وايت في شخصية المستكشِف الألماني ( فوس ) المعادِل الموضوعي له ، فهو مُهرِّج وحكيم . عبقري وأحمق في آنٍ واحد ، ويسقط في النهاية ضحية لِفُضوله وللقارَّة البِكْر التي يُحاول استكشافها . ويُقدِّم الكاتب في " دائرة الكَون " التناقض حتى في التَّوأم ، فأحدهما مجنون ، والآخَر عاقل . وتكمن المفارَقة في استحالة التمييز بينهما . وكتب وايت في المسرح أيضًا، فعرض مسرحية "الموسم في سارسابَرِيلا " ( 1962) ، التي نُشرت لاحقًا من مجموعة " أربع مسرحيات "( 1965)، و" ليلة على الجبل الأقرع " التي عُرضت عام 1964 ، وغَيرها . وكتب أيضًا القصة القصيرة ، وسيرته الذاتية بعنوان " صَدْع في الزجاج " ( 1981) .

     تحفل مؤلفات وايت بالأساطير والرموز التي تتعلق بقارَّته الساحرة . وقد عالج فيها مسائل الغربة ، والبحث عن معنى الوجود ، والتساؤلات الحياتية المليئة بالتناقضات . كُل ذلك بأسلوب تيار الوعي ، الذي جعل مؤلفاته عَصِيَّةً على بعض القُرَّاء ، وهي على ما يَشُوبها من تشاؤم ، إيجابية ومُفعَمة بِفِكْره الناقد وخياله الشِّعري.

     كان رافضًا للجوائز ، ورفض مِن قَبْل جائزة ( البوكر ) . وتَمَّ ترشيحه لنفس الجائزة بعد وفاته،لأنَّه لا يستطيع رفضها لوجوده في الدار الآخِرة. وعند فَوزه بجائزة نوبل للآداب ( 1973) خَشِيَت اللجنة أن يَرفض الجائزة ، فأبلغت صديقته الرَّسَّامة ( سيدني نولان سيدي ) الأسترالية ، لِتُخبره بفوزه بالجائزة من أجل قبولها على شرط أن تذهب صديقته لاستلام الجائزة . ولَم يتم عمل محاضرة كما هو المعتاد بالأكاديمية السويدية لغياب الفائز بالجائزة . وألقت ( سيدني نولان سيدي ) خُطبة قصيرة كتبها وايت ، مُبْدِيًا فيها سعادته بالجائزة ، التي ذَكَّرَته بزيارته القصيرة لاستوكهولم ومالمو السويديتين ، وهو في السادسة عشرة مِن عُمره .

     وقد جاء في تقرير الأكاديمية السويدية عن سبب منحه جائزة نوبل للآداب : (( لطريقته الرائعة والمؤثِّرة نفسيًّا في فَن السَّرْد ، والتي قامت بتقديم محتوى جديد للأدب )) .