07‏/02‏/2021

باول تسيلان وكابوس معسكرات الاعتقال

 

باول تسيلان وكابوس معسكرات الاعتقال

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...........


    وُلد الشاعر الروماني باول تسيلان ( 1920_ 1970) في تشيرنوفيتس في رومانيا ، وهي تقع حاليًّا في أوكرانيا . وتُوُفِّيَ في باريس . اسمه الحقيقي باول أنتشيل . واختار أن يكتب بالألمانية.

     كانت عائلته يهودية تتحدث اللغة الألمانية . وكان الابن الوحيد لوالدَيْه . التحق في البداية بالمدرسة الأساسية الألمانية ثم بالمدرسة اليهودية ، ثم بالمدرسة الثانوية الحكومية الرومانية لمدة خمس سنوات، حتى حصل على الشهادة الثانوية في يونيو 1938 من المدرسة الثانوية الأوكرانية. وفي نفس العام شرع في دراسة الطب في تورس ، غير أنه عاد بعد عام إلى رومانيا لدراسة العلوم الرومانية هناك .

     وفي عام 1940 ، قامت القوات السوفييتية باحتلال شمال بوكوفينا بما فيها مسقط رأسه تشيرنوفيتس . استطاع تسيلان في البداية مواصلة الدراسة، غير أنه لَمَّا احتلت القوات الرومانية والألمانية منطقته في عام 1941، أُجبِر اليهود على العيش داخل جيتو . وقد تم ترحيل والديه في عام 1942 . أمَّا والده فقد مات في معسكر في ترانسنيسترين جرَّاء مرض التيفوس، وأمَّا والدته فقد أُعْدِمت رَمْيًا بالرصاص .

     قضى تسيلان الفترة ( 1942_ 1943 ) مسجونًا في معسكرات العمل الرومانية ، وأُجبِر على القيام بالأعمال الإجبارية في شَق الطرق في جنوب مولدوفا . وبعد التحرير ( حين استولت القوات السوفييتية على تشيرنوفيتس في أغسطس 1944 ) ، عاد تسيلان إلى تشيرنوفيتس مرة أخرى ، واستأنف دراسته بها .

     وفي عام 1947 رحل عبر المجر إلى النمسا ، ووصل إلى باريس عام 1948 . وصدرت في نفس السنة في فيينا مجموعة أشعاره الأول"الرمل من الأوعية"التي لَم تجد في البداية أدنى اهتمام بها.

     التقى تسيلان في أغسطس مِن عام 1948 إنجيبورج باخمان ، وربطت بينهما علاقة حب ، لكنها لَم تدم إلا قليلاً.وقد حاول الاثنان في خريف 1950 العيش معًا من جديد،ولكن محاولتهما باءت بالفشل ، " لأننا لأسباب شيطانية مجهولة لا نستطيع التنفس ونحن معًا " ، كما كتبت باخمان في إحدى رسائلها .

     وفي باريس تعرَّف تسيلان في نوفمبر 1951 على الفناة جيزيل دو لسترونج، وتزوَّجها بعد عام واحد ، وتعاونا معًا في بعض الأعمال .

     وفي عام 1952 صدرت عن دار نشر أنشتالت الألمانية مجموعته الشعرية " الخشخاش والذاكرة " ، التي تضم قصيدته المشهورة " أنشودة الموت " التي تتخذ القتل الذي تعرَّض له يهود أوروبا على أيدي النازيين موضوعًا لها . وتُعتبَر هذه القصيدة من القصائد السهلة مُقارنةً ببقية قصائده الغامضة. وهي برأي النُّقاد أبلغ ما كُتب عن مأساة الهولوكوست ، وأشهر قصائد تسيلان، وهي التي ساهمت في ربط تسيلان بالتراجيديا اليهودية في القرن العشرين .

     حصل تسيلان على الجنسية الفرنسية في عام 1955 . وفي عام 1960 ازدادت حِدَّة الاتهامات غير المبرَّرة من جانب كلير جول ، أرملة الشاعر اليهودي إيفان جول، تجاه تسيلان بأنه ينتحل ويسرق قصائد زوجها الشاعر الراحل، وكانت قد ربطت بينهما الصداقة ، وقام تسيلان بترجمة العديد من قصائده . وقد ظلت تلك الاتهامات بالانتحال تلاحق تسيلان حتى آخر أيام حياته، وكانت تلك الاتهامات تُسمَّى أيضًا " قضية جول".

     أُدخِل تسيلان المستشفى أكثر مِن مَرَّة . وعلى سبيل المثال ، مِن 28 نوفمبر 1965 حتى 11 يونيو 1966 ، لأنه اعتدى وهو في حالة جنون كامل على زوجته وأراد قتلها بالسكين . وحدث الانفصال بينهما في نوفمبر من عام 1967 ، وانفصل كلاهما عن الآخر في المسكن ، إلا أنهما بَقِيَا على اتصال دائم .

     أحاطَ الغموض ظروف وتاريخ موت تسيلان . فالمرجَّح أنه قد انتحرَ في العشرين من أبريل 1970 بإلقاء نفْسه من فوق جسر ميرابو إلى نهر السين.وانتُشِلت جثته من نهر السين في الأول من مايو 1970 قرب كوربفوا ، والتي تبعد 10 كيلومترات عن باريس . وتم دفنه في الثاني عشر من مايو 1970 في مقبرة تييس في فالدومارن .

     ولتكريم تسيلان الذي اشْتُهِر بترجمة الشعر ، فقد أنشأ صندوق الأدب الألماني في عام 1988 جائزة باول تسيلان لتكريم أعمال الترجمة البارزة . والجدير بالذِّكر أن تسيلان يُعتبَر أحد أعلام الشعر الألماني في النصف الثاني من القرن العشرين .

     مِن أبرز أعماله : الرمل من الأوعية ( 1948) . الخشخاش والذاكرة ( 1952 ) . مِن عتبة لأخرى  ( 1955 ) . قضبان اللغة  ( 1959) . الظهيرة ( 1961 ) . وردة الوَحدة ( 1963) .