20‏/05‏/2021

جون كيتس والرومانسية الضائعة

 

جون كيتس والرومانسية الضائعة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..........

     وُلد الشاعر الإنجليزي جون كيتس ( 1795_ 1821) في مورجيت في لندن . لَم يتمكن والداه من تحمل تكاليف دراسته في مدارس راقية، لذلك أُرسِل في صَيف 1803 إلى مدرسة عادية قريبة من منزل جَدِّيه، وعاشَ في عائلة فقيرة جِدًّا في لندن ، وأُصيب بمرض السُّل باكرًا ، وهو المرض الذي أودى بحياته عام 1821 . وقد أُعْجِب بالإغريق وحيَّاهم بصفتهم مُلهميه .

     لَم يَحْظَ في حياته إلا بالتجاهل والاحتقار مِن قِبَل النُّقاد والشعراء الآخرين . مات أبوه وعُمره ثماني سنوات فقط ، وهجرت أمه المنزل ، وتزوَّجت بعد شهرين فقط مِن موت زوجها ، وعهدت بأولادها لجدتهم ، إلا أنها عادت إليهم عند طلاقها ، وأُصيبت بمرض السُّل ، فقام كيتس على العناية بها حتى وفاتها في 1810. وهكذا أصبح كيتس حَسَّاسًا جِدًّا إلى حد المرض . ولَم يعد يثق بالحياة ومصائبها، وأصبح يُعاني من القلق الوجودي، ولَم يجد أمامه إلا الكلمات كعزاء .

     وبالتالي ، أصبح كيتس شاعرًا رغمًا عنه . يُعتبَر من شعراء المدرسة الرومانسية ، ومِن أهم رُوَّادها الإنجليز . ورغم أن أعماله لَم تُنشَر إلا قبل أربع سنوات من وفاته ، وأن حصيلته الشعرية كانت بشكل أساسي نتاج ست سنوات فقط ، ورغم أن قصائده لَم تلفت نظر النُّقاد آنذاك ، إلا أنه يُعتبَر اليوم مِن أكثر الشعراء دراسةً . وتُعَد سلسلة الأغنيات القصيرة التي كتبها كيتس في وقتنا الحالي تُحَفًا فنية ، ولا تزال مِن أكثر الشِّعر الإنجليزي انتشارًا . وتُعتبَر رسائل كيتس عن نظريته الجمالية في القدرة السلبية أكثر الرسائل الْمُحتفَى بها لأيِّ كاتب .

     تعرَّفَ كيتس على إيزابيلا جونز في مايو 1817 ، حين كان يُمضي إجازة في إحدى القُرى الصغيرة. وكانت إيزابيلا امرأة جميلة ومَوهوبة وواسعة الاطلاع . ومع أنها لَم تكن من صفوة المجتمع، إلا أنها كانت مُقتدرة مَالِيًّا . وقد صارت هذه الشخصية الغامضة جُزءًا من محيط كيتس.

     لاحقًا ، أحب كيتس امرأة تُدعى " فاني براون "، تغنَّى بها في قصائد مؤلمة ، وزيادةً على ذلك، فقد انهال عليه النُّقاد شتيمةً واستهزاء . وكان من الممكن أن يقتلوا رغبة الشعر فيه . ولكن نقدهم قَوَّى عزيمته مثلما فعلت المصائب والمحن . كان كيتس شديد الإحساس بمآسي العالَم ، وبؤس الوضع البشري ، كيف لا وهو الذي عاش حياته القصيرة في المآسي والفواجع ، ولَم يستطع أن يتزوج المرأة التي أحبها حتى درجة الجنون بسبب مرضه . لقد حرمته الحياة من كل شيء سِوى الشعر . وقد قال عنه أحد النُّقاد إنه مع شكسبير في الصف الأول من الشعراء ! .

     في عام 1819، نشر كيتس قصيدته الرائعة " المرأة الجميلة بلا شفقة " ، وفيها يَتحسَّر على المرأة التي أحبها ، ولَم يستطع أن يتزوجها ، ويقول فيها : (( أيتها النجمة الساطعة / هل أستطيع أن أثبت مِثلك في مدار وأستريح ؟ )) .

     وعلى الرغم من أن قصائده لَم تنل استحسان النُّقاد أثناء حياته ، إلا أن سُمعته نمت بعد وفاته. وفي نهاية القرن التاسع عشر أصبح مِن أكثر شعراء اللغة الإنجليزية شعبيةً . وكان له تأثير كبير على مجموعة متنوعة من الشعراء والكُتَّاب. حتى إِن الكاتب بورخيس قال إِن أول لقاء مع كيتس يُمثِّل تجربةً أدبية أهم مِن حياته .

     عانى كيتس من مرض السُّل كثيرًا، فنصحه الأطباء بتغيير الجو الإنجليزي إلى جو أكثر دِفئًا ، فرحل إلى إيطاليا، إلا أن إقامته فيها لَم تدم سوى بضعة أشهر . وتُوُفِّيَ في روما ، ودُفن في مقبرة البروتستانت . وكان طلبه الأخير أن يُدفَن تحت شاهد قبر لا يَحمل أيَّ اسم أو تاريخ ، ويُكتَب عليه الكلمات التالية : (( وهنا يقبع شخص اسمه مكتوب على الماء )) .