13‏/06‏/2021

داريو فو والمسرح الساخر

 

داريو فو والمسرح الساخر

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.............

وُلد الكاتب المسرحي الإيطالي داريو فو ( 1926_ 2016) في منطقة لومبارديا شمال إيطاليا بمنطقة عُمَّالية مُعادية للفاشية . حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1997.

يُعتبَر من أيقونات المسرح الاحتجاجي الغاضب . تناولت مسرحياته قضايا العُمَّال والبسطاء ، ومُنع من دخول بلدان عِدَّة بينها الولايات المتحدة، بسبب توجُّهه الاشتراكي وانتقاداته لواشنطن. كما حُورِبَ داخل بلده وخارجها مِن طرف المتضرِّرين مِن مسرحه الساخر ، وانتقاداته اللاذعة .

تابعَ دراسته في مجال الهندسة المعمارية ، غَير أن عِشقه للمسرح تَحَوَّل بِه بعيدًا عن مجال الهندسة. وقد نشأ وترعرع مع مسرح الشارع ، ودَشَّنَ مسارَه المسرحي مُنذ خمسينيات القرن العشرين ، حيث أَلَّفَ بعض المسرحيات التي غلب عليها الطابع الارتجالي والاحتجاجي .

ويقول المتخصِّصون إِن أعمال داريو فو ذات النَّفَس النقدي الاحتجاجي مُستوحاة من تراث الكوميديا الْمُرْتَجَلَة ، إلى جانب تجارب حديثة بينها تجربة الكاتب الألماني بريخت .

وناقشت مسرحياته قضايا سياسية شهيرة بينها : حرب فيتنام ، واغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي ، والقضية الفلسطينية ، إلى جانب قضايا المافيا والفساد .

تزوَّج الممثلة فرانكا رامه عام 1954، وشَكَّلَ برفقتها ثنائيًّا شهيرًا ، وأسَّسا مَعًا عِدَّة فِرَق مسرحية بينها : " لا كومونه " ، و "المشهد الجديد " . وسَبَّبت وفاتها عام 2013 أزمةً كبيرة له .

اشْتُهِر داريو فو بتوجهه الاشتراكي ، وتَبَنِّيه لقضايا العُمَّال . وما لبث أن اخْتِير لتنشيط برنامج تلفزيوني عام 1956، بعد سيطرة اليسار على الحكومة ، غَير أن أصحاب مصانع اللحوم سارعوا إلى المطالبة بمنعه مِن الظهور على التلفزيون بعد توجيهه انتقادات لاذعة لهم ، إِثر تفجُّر سلسلة فضائح كان مِن أبرزها : تعليب لحم بشري لسيدة جاءت تزور قريبًا لها بأحد المصانع ، فسقطت في آلة لتقطيع اللحم .

وبعد شَد وجذب داخل المحاكم ، نجح أصحاب المصانع في استصدار حُكم يمنع داريو فو وزوجته مِن الظهور على التلفزيون لمدة أربعة عشر عامًا .

قَدَّم داريو فو أعمالاً مسرحية كثيرة ، حَظِيَت باهتمام كبير مِن أهل الفن ، لعل مِن أهَمِّها  :   " الوصية السابقة : يجب أن لا تسرق أقل من ذلك " ، و " دائمًا اللوم على الشَّيطان "، و" الفتاة الكبرى ". وتُعتبَر مسرحية " السر الكوميدي " مِن أبرز أعمال داريو فو .

ومُنذ عام 1969، قَدَّمَ ألف عَرْض مِنها، أحدها عام 1986بنيويورك ، وهي المسرحية التي أثارت غضب الفاتيكان الذي وصفها بأنها " أكثر عمل مسرحي فيه كُفر وإلحاد " . وهذا ليس غريبًا ، إذ إِن داريو فو شخصيًّا كان مُلْحِدًا .

وقد مُنع داريو فو لفترة طويلة من دخول الولايات المتحدة لتوجهه الاشتراكي وانتقاداته لواشنطن ، ولَم يَنته المنع سِوى عام 1984، كما تَمَّ اتهامه أيضًا بتأييد العنف ، وهي التهمة التي نُفِيَت عنه لاحقًا .

وقَدَّمَ داريو فو أيضًا : " من الطارق ؟ إنها الشرطة " ، و " لا يُمكننا ألا ندفع .. لن ندفع "   ( 1974). وقد تحدَّثت عن إضرابات المواطنين في مُدن الجنوب الإيطالي .

واشْتُهِر أيضًا بمسرحية " موت مُفاجئ لفوضويٍّ " ( 1970) التي تُعتبَر نموذجًا في السُّخرية السَّوداء الهادفة، كما قَدَّمَ أيضًا " قصة نمر "( 1978)، و" ميديا " ، و" القصة القديمة نفسها "، و" امرأة عربية تتكلم " ، وهي مسرحية ألَّفها بعد زيارته لمخيم فلسطيني بلبنان ، حيث بَعثت إليه سيدة بشريط تحكي فيه قصتها، فأنتجَ مونولوجًا تُؤدِّيه زوجته، مُسْتَلْهِمًا ما جاء في الشريط ، وسُرعان ما تَحَوَّلت القصة إلى مسرحية بعنوان " فدائيون " ( 1972) .

ولعب داريو فو أدوارًا هامة في أكثر من 70 مسرحية ، جمعت بين الكوميديا والتراجيديا والنقد الساخر ، حاكى مِن خلالها مُعاناة ومشكلات الشعوب .

تَمَيَّز داريو فو بقدرته الفائقة على الارتجال ، وتناول القضايا اليومية بكثير مِن السُّخرية اللاذعة التي تشدُّ انتباه المشاهدين . وقد تُرْجِمت مسرحياته إلى 30 لغة .

وأُعلِن يوم الخميس 13 أكتوبر / تشرين الأول 2016وفاة داريو فو ، عن عُمر ناهز التسعين عامًا ، بعد أن قضى في مستشفى " ساكو ميلانو " 12يَوْمًا جرَّاء مُعاناته مِن مشكلات في الرِّئة . وأعربَ رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي عن حُزنه الشديد وأسفه لفقدان إيطاليا أحد أهم ركائزها الثقافية ، مُوَضِّحًا أن " نقده الساخر وبحثه وعمله في التصميم المسرحي وأنشطته الفنية المتعدِّدة ستظل إِرْثًا عالمِيًّا لِعَظَمَة إيطاليا " .