23‏/06‏/2021

رفائيل ألبرتي والجمع بين الرسم والشعر

 

رفائيل ألبرتي والجمع بين الرسم والشعر

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

................

     وُلِد الشاعر الإسباني رفائيل ألبرتي ( 1902 _ 1999 ) في بويرتو دي سانتا ماريا قُرب قادش . كانت عائلته من أصل إيطالي تحترف صناعة النبيذ في قادش . وكان يعيش طفولته بشكل حُر حتى تَمَّ قبوله في الكلية اليسوعية سان لويس غونزاغا ، حيث تلقى تربية صارمة وتقليدية .

     بدأ جو الانضباط يتعارض مع روح الشاب المتحررة ، وهذا أدى إلى ضعف أدائه الأكاديمي ، فتمَّ طرده في عام 1916 بسبب سوء السلوك . ولَم يتجاوز السنة الرابعة من المدرسة الثانوية .

     في عام 1917 ، انتقل إلى مدريد مع عائلته ، وقرَّر متابعة مهنته كرسَّام، وبرهنَ بأعماله عن قدرة كبيرة على التقاط الجمالية الطليعية . واستطاعَ عرض أعماله في أتينيو دي مدريد . وفي عام 1920 ، تُوُفِّيَ والده . وقد كتب أمامَ جُثته الممدَّدة أبياته الأولى .

     يُعَدُّ ألبرتي من أشهر الشعراء السرياليين في إسبانيا وأكثرهم إنتاجًا . وكان الشِّعر عنده تعبيرًا عن المشاعر الإنسانية التي تجمع السعادة والألم، والهناء والعذاب، والسخط والإعجاب .

     تأثرَ ألبرتي بالشعراء الغنائيين في القرن الخامس عشر، وحذا حَذْو الشعراء الذين اختاروا الشِّعر الشعبي . وكان يهدف إلى رفع الأدب الإسباني إلى مصاف الآداب العالمية . وقد جمع بين هوايتَي الرَّسم والشِّعر، فجاءت لوحاته شعرية وقصائده تصويرية ، واتَّسمت كتاباته بالأصالة والعفوية والصدق .

     توجَّهَ ألبرتي في الخامسة عشرة من عُمره إلى مدريد ، وانكبَّ على التصوير باحثًا عن أستاذ له في متحف برادو. وتلقى مبادئ الشعر والموسيقى العصرية عن رُوَّادها .

     واكبَ شِعره تجربته الشخصية ، وكان لنشأته بين اليسوعيين وتأثره بالكاثوليكية أثر في كتابه  " الرَّجل الذي لا تسكنه الأرواح " . وحازت قصائده الأولى التي تناولت قصة حياته في " بَحَّار على اليابسة " ( 1925 ) على الجائزة الوطنية للآداب . وأصبح شخصية بارزة في الشِّعر الغنائي الإسباني . أمَّا كتابه " فجر المنثور " ( 1928 ) فكان مثالاً للشِّعر الشعبي التقليدي .

     أراد ألبرتي أن ينهض بالشعر مقتديًا بأستاذه غونغرا فكتب"الجير الحي" ( 1926_1927). وفي كتابه " مواعظ " ( 1929 _ 1930 ) تحدَّى مجتمعه الذي رأى فيه مصدرًا للشر .

     انتهت أزمته النفسية بزواجه والتزامه السياسي الكامل ، إذ تفرَّغَ لأدب النضال. وأحيا عند اندلاع الحرب الأهلية في عام 1936 ، الأنشودةَ التقليدية التي تجمع بين السرد الملحمي البطولي والكتابة المأساوية والنشيد الحماسي . وخلال فترة الحرب الأهلية ، كان ألبرتي عضوًا في تحالف المثقفين لمناهضة الفاشية . وبالنسبة إليه ،أصبح الشعر السلاح اللازم لهز الضمائر ووسيلة لتغيير العالَم . اشتركَ ألبرتي مع الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية، وهرب إلى فرنسا بعد الحرب. ساعده صديقه الشاعر بابلو نيرودا على الذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، فالأرجنتين حيث استقرَّ .

     كتب مجموعته الشعرية " بين القرنفل والسيف "( 1941 ) ، وظلَّت ذكرى وطنه تلازمه . عاش ألبرتي من لوحاته،في حين كان الشِّعر هوايته المحبَّبة إلى نفْسه كما تشهد مجموعته " أناشيد وأغانٍ على الشاطئ " ( 1954 ) ، وبقي شِعره حتى عام 1930 تعبيرًا عن الذات ، إذ إن موضوع إسبانيا في ظل حُكم بريمو دي ريبيرا لَم يَسْتَهْوِه . وكان الأدباء في ذاك العصر يجابهون المشكلات السياسية والاجتماعية بحدَّة ، إضافة إلى خضوعهم لرقابة صارمة .

     وقف ألبرتي أعماله خلال الفترة ( 1930_ 1931 ) على خدمة قضية الطبقة الكادحة ، فانضمَّ إلى الحزب الشيوعي ، ومثَّلت كتاباته المسرحية صراعه مع قوى الشر ، ومع مجتمع الآلة العدائي الطبقي . وقد عرَّف ألبرتي أعماله بأنها تمثيلية دينية لا تحوي أسرارًا، فيها تصرخ الشخصية المسرحية حاقدة على حياتها ، مُنكِرة حرية الإرادة والاختيار لدى الإنسان .

     وعالج الشاعر موضوع ثورة الإنسان على القوى العمياء ، التي تفرضها القيم السياسية والاجتماعية والأخلاقية والدينية مُعرقِلة تكامل شخصيته ، وخَلُصَ إلى أن البشرية تعيش مأزقًا ، وأن الماركسية هي المخرج.

     نالَ ألبرتي جائزة لينين الدولية عام 1965 ، والميدالية الذهبية للسلام من الاتحاد السوفييتي السابق عام 1983 ، وجائزة ثيربانتس عام 1983 . بعد وفاة الجنرال فرانكو عام 1975 ، وإصدار الملك خوان كارلوس عفوًا عامًّا عن السياسيين عام 1977 ، عاد ألبرتي إلى بلده، ثم انزوى في بلدته بويرتو دي سانتا ماريا الساحلية،  حيث تُوُفِّيَ فيها عام 1999 .