24‏/06‏/2021

روبرت ساوذي وانطفاء الشهرة

 

روبرت ساوذي وانطفاء الشهرة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

................


     وُلِد الشاعر الإنجليزي روبرت ساوذي ( 1774 _ 1843 ) في بريستول . وكان ابنًا لتاجر أثواب وأقمشة . ومِن بين هذه البيئة التجارية ، كانت خالته غالبًا ما تدفعه إلى التهذب بسلوكيات المجتمع الأرستقراطي . وتَمَّ إرساله في الرابعة عشرة مِن عُمره إلى مدرسة وستمنستر الراقية في لندن ، وفيها قرأ سرًّا أعمال فولتير وروسو وجيبون وغوته . كما كتب بعض الشعر الملحمي وقطعًا نثرية ثَورية . وأثارت مهاجمته للعقاب البدني في مجلة مدرسية بعنوان " الضارب بالسياط " مديرَ المدرسة ، ففصله من المدرسة وهو على وشك التخرج ، لكن ساوذي استطاع بطريقة أو أخرى أن يتقدم إلى كلية باليول في أكسفورد في ديسمبر سنة 1792 . وهناكَ واصلَ أعماله السِّرية ، فكتب ملحمةً شِعرية امتدحَ فيها الثورة الفرنسية ، واشتغل بالدراما الشعرية .

     سافرَ ساوذي إلى إسبانيا والبرتغال ، ثم عاد إلى إنجلترا عام 1796 ، فدرس القانون ، ووجد عملاً كصحفي ، وكان لديه الوقت الكافي لكتابة ملاحم لَم يُكتَب لها الخلود ، بالإضافة إلى بعض القصائد القصصية البسيطة مثل " معركة بلنهايم " ( 1803 ) . وأقامَ في جريتا هول في كزويك، مُستعينًا بإعانة مالية قوامها 160 جنيهًا إسترلينيًّا .

     وفي هذه الأثناء _ في كُل مِن جريتا هول ولندن _ كان ساوذي يعول زوجته إديث وبناته الخمس وابنه ، الذي أحبه حُبًّا يفوق الوصف ، والذي وافته المنِيَّة وهو في العاشرة مِن عُمره . كان ساوذي يُنفِق على كُل هؤلاء من حِصاد كتاباته المتقَنة . وبعد انتقال كولردج إلى مالطة تولى ساوذي رعاية أولاد كولردج وزوجته . وحتى وردزورث كان أحيانًا يعتمد عليه .

     إن حِرص ساوذي على إرضاء ذوي المال والسُّلطة جعل بايرون يشنُّ عليه حربًا علنية في عام 1818، وتَمَّت القطيعة الكاملة مع الجميع عندما استطاعت مجموعة مِن الأشخاص الحصول على مخطوطة مسرحية " وات تيلور " ، وهي دراما راديكالية كان ساوذي قد كتبها في عام 1794 ، وتركها مخطوطةً لَم يطبعها ، وقاموا بنشرها _ سُعداء بما فعلوا _ في عام 1817 .

     عاد ساوذي إلى جريتا هول ومكتبته وزوجته التي كانت قد اقتربت من الجنون أكثر من مرة، وفي عام 1834 ، فقدت عقلها تمامًا وماتت في عام 1837 . أمَّا ساوذي نفْسه فقد تخلى عن معركته مع المناوئين له في عام 1834 ، ومِن ثَمَّ جَعل وردزورث أميرًا للشعراء رغم معارضته هو نفسه ( أي وردزورث ) ، وقد حَظِيَ هذا التعيين بموافقة عالمية .

     كا ساوذي واحدًا مِن" شعراء البحيرة "، وأمير الشعراء لثلاثين عامًا ( 1813_ 1843 ). ورغم أن شهرته قد خبت منذ زمن بعيد بسبب شهرة مُعاصريه وأصدقائه وردزورث وكولردج ، إلا أن أشعار ساوذي ما زالت تحظى بِقَدْر من الشعبية .

     وساوذي هو أيضًا كاتب رسائل جَزِل ، وباحث في الأدب ، وكاتب مقالة ، ومُؤرِّخ ، وكاتب سِيَر ذاتية . والتراجم التي كتبها تتضمَّن حياة وعمل كل من جون بونيان ، وجون ويزلي ، ووليام كاوبر ، وأوليفر كرومويل ، وهوريشيو نيلسون ( وهو نائب أدميرال إنجليزي . اشْتُهِر بمشاركته بمعركة النيل ومعركة طرف الغار . ويُعَد أحد أبرز القادة العسكريين في تاريخ المعارك ، وفقد إحدى عينيه في معركة النيل ) . وقد لاقت ترجمة هوريشيو نيلسون نجاحًا كبيرًا ، فنادرًا ما تَمَّ إيقاف طباعتها مُنذ نشرها في عام 1813 ، وتَمَّ اقتباسها لعمل الفيلم البريطاني " نيلسون " عام 1926 .

     لقد كانَ ساوذي باحثًا معروفًا في الأدب البرتغالي ، والأدب الإسباني، والتاريخ، وقد ترجم العديد من الأعمال من اللغتين البرتغالية والإسبانية إلى الإنجليزية . وألَّفَ كتابًا بعنوان " تاريخ البرازيل " ، وآخر بعنوان " حرب شِبه الجزيرة الأيبيرية " .

     وأكثر أعماله الأدبية شُهرةً وانتشارًا هي قصة " الدببة الثلاثة " للأطفال . والتي نُشِرت بدايةً في مجموعته القصصية " الطبيب " .