29‏/07‏/2021

سولي برودوم ومحاربة الرومانسية

 

سولي برودوم ومحاربة الرومانسية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..................

وُلد الشاعر الفرنسي رينه سولي برودوم ( 1839_ 1907) في باريس . يُعتبَر أحد المجدِّدين الكبار في الشِّعر في القرن التاسع عشر . وقد دخل التاريخ من أوسع أبوابه باعتباره أوَّل مَن فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1901 .

بدأ حياته بدراسة العلوم الطبيعية من أجل تحقيق حُلمه الشخصي بأن يُصبح مُهندسًا. وبالفعل، حصل على دبلوم الهندسة . لقد اختار مجالاً دراسيًّا بعيدًا عن الأدب ، رُبَّما لاعتقاده أن الهندسة مهنة مضمونة تدرُّ دَخلاً ثابتًا ، بعكس الأدب الذي يُعتبَر مُجازَفة ، ومهنة غير ثابتة قد تَعجز عن توفير المتطلبات المادية لحياة كريمة. لذلك نظر إلى الهندسة كمهنة مستقبلية ، ومركز اجتماعي، ومصدر دَخل. أمَّا الأدب ( والشِّعر خصوصًا ) فهو هواية شخصية. ولاحقًا، سَيَتَّجه إلى الفلسفة، ثُمَّ إلى الشِّعر. وهكذا، يكون قد جمع بين الحاجات المادية والحاجات الروحية .

وعلى الرغم من اهتماماته العلمية ، والتزامات مهنته ، إلا أنه ظل وفيًّا للأدب وعاشقًا له ، ومُتابِعًا للأحداث الجارية في الوسط الأدبي ، ومُطَّلِعًا على الأسماء الجديدة ، ومُرَاقِبًا للصراعات الأدبية التي تُعتبر مؤشرًا على حياة الوسط الأدبي ، وحيويته ، ودَوره المركزي الفعَّال في المجتمع.

وفي ذلك الوقت كان الصراع على أشده بين البَرناسية الوليدة وأنصار الرومانسية. والبَرناسية هي مذهب أدبي فلسفي لا ديني يرفض المذهبَ الرومانسي في الأدب . أمَّا الرومانسية فهي مذهب وجداني في الكتابة الأدبية، كان له حضور قوي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في أوروبا.

عارضَ برودوم الرومانسيةَ بشكل واضح ، وساندَ البرناسيين ، ورأى أنهم على حق ، وأن مذهبهم هو التجسيد الحقيقي للمعنى والوعي ، والضمانة الأكيدة لمستقبل الأدب . وفي الحقيقة، كان هذا الأمر مُتَوَقَّعًا بسبب الخلفية الفلسفية لهذا الشاعر ، فالفلسفةُ هي الوعي الشمولي الحارس لإنجازات العقل البشري، والتطبيقُ الفكري على أرض الواقع .

أمَّا المذهب الرومانسي في الأدب ، فهو _ حَسَبَ نظرة برودوم_ تجسيد للعواطف الساذجة، والمشاعر السطحية ، وتلاعب بالكلمات الرقيقة . ووَفْق هذه الرؤية ، تَمَّ تصنيف الرومانسية كمذهب أدبي سطحي وهُلامي ، قائم على القُشور ، وعاجز عن الوصول إلى رُوح المعنى ، وغير قادر على إصابة كبد الحقيقة . وهذه الرؤية يَعتنقها كثير من الفلاسفة والمشتغلين بالفلسفة . وهذه التفاصيل المعرفية تبرز بشكل واضح في مشروع برودوم الشِّعري ، وتتلخص في تقديمه لنفْسه ، حيث إِنَّه قد أعلنَ أن هدفه هو خَلْق شِعر عِلمي للأزمنة المعاصرة. ومعَ أنه كان ينتهج الأسلوبَ العاطفي في كُتبه الأولى ، إلا أنَّه انتقل بشكل تدريجي إلى الأسلوب الشَّكلاني عن طريق الاهتمام بالمواضيع الفلسفية والعِلمية . وقد تميَّز شِعْرُه بالصِّدق والصفاء والحنين والروح الفلسفية العميقة.

ومعَ أنه صار عضوًا فاعلاً في جماعة البَرناسيين، والشاعر الرسمي لها، إلا أنه ابتعدَ عن التأطير الحزبي الضَّيق ، وراحَ يَصنع عَالَمًا شِعريًّا خاصًّا به ، له خصائص شخصية ومُتفرِّدة . وقد لَقِيَ تَشجيعًا كبيرًا من الكاتب الفرنسي الشهير فكتور هوغو . وهذا أعطاه دَفعة معنوية إلى الأمام .

تَمَّ انتخاب برودوم في عام 1881 عضوًا في الأكاديمية الفرنسية ، التي تُعتبَر واحدة من أعرق المؤسسات الفكرية في العالَم ، وتضم نخبة العلماء والمفكرين والأدباء ، الذين تركوا بصمات واضحة في تاريخ الفكر الإنساني .

كان تكريمه في وطنه تمهيدًا لتكريمه عالميًّا ، حيث مُنح جائزة نوبل للآداب عام 1901 ، ليكون أول شخص في التاريخ يحصل على هذه الجائزة . وقد رصد القيمة المالية للجائزة لإنشاء جائزة للشِّعر . لقد كرَّس حياته للشِّعر ، ولَم يَخذله الشِّعر . فقد مَنحه المجدَ الأدبي ، والشُّهرة العالمية ، وخُلود الذِّكر إلى الأبد .

وقالت أكاديمية نوبل التي مَنحته الجائزة : (( إِنَّ أعماله تنمُّ عن تكوينه الشِّعري الخاص الذي يُعطي دليلاً على المثالية النبيلة والكمال الفني،الذي يُعَدُّ مزيجًا نادرًا من صفات القلب والعقل )).

في نهاية حياته ، ساءت حالته الصحية ، وأُصيب بحالة من الشلل ، وهذا أجبره على الابتعاد عن الناس ، واعتزال الحياة الأدبية والاجتماعية ، والعيش في عزلة تامة بعيدًا عن الأنظار . وقد تُوُفِّيَ في عام 1907 ، ودُفن في باريس .

مِن أبرز مؤلفاته : أبيات وقصائد ( 1865) . مصائر ( 1872) . ثورة الزهور ( 1874) . الحنان دون جدوى ( 1875) . العدالة ( 1878) .

ونُشرت له مؤلفات بعد وفاته، من أبرزها : حُطام السفن ( 1908 ) .