16‏/08‏/2021

صمويل كولردج والبحار العجوز

 

صمويل كولردج والبحار العجوز

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..................

وُلِد الشاعر الإنجليزي صمويل تيلر كولردج ( 1772_ 1834) في بلدة أوتري في مُقاطعة ديفونشِر .

كان مُنذ طفولته قارئًا نهمًا . التحقَ بجامعة كامبردج ، إلا أنه لَم يُتم دراسته فيها بسبب حياته العاصفة وفكره المتوقِّد الثائر المتعاطف مع مبادئ الثورة الفرنسية .

تعرَّفَ على الشاعر وردزورث وأخته دوروثي عام 1795، وكان ذلك مُحَرِّضًا لعبقرية الشاعرَيْن الكبيرين ، وزارا معًا ألمانيا ، حيث بقي كولردج للدراسة في جامعة غوتنغن ، واطَّلعَ على مؤلفات كبار الفلاسفة الألمان ، وعلى فكر التعالي ، والإبداعية الألمانية . وهذا أثَّرَ بوضوح في فِكره وشِعره .

زار العديد من بلدان أوروبا ، وعمل في مجالات مختلفة ، إلا أنه استقرَّ أخيرًا في إنجلترا ، وصارعَ المرض والإدمان على الأفيون . وتُوُفِّيَ في هايغيت ، بالقرب من لندن .

عمل كولردج على تأسيس صحف دورية عديدة ، إلا أن أيًّا منها لَم يدم أكثر من بضعة شهور. وكان أول إنجاز أدبي له ديوان"قصائد حول موضوعات مختلفة"( 1796 ) ، ثُمَّ " قصائد" ( 1797) ، إلا أن إنجازه الأبقى هو الذي تَمَخَّض عن تعاونه مع وردزورث عامَي1797و1798في ديوان " قصائد غنائية " (1798)، الذي ضَمَّ قصيدة " البَحَّار العجوز". وتروي القصيدةُ حكاية عودة بحَّار من رحلة طويلة حافلة بالصعوبات ، بسبب قتله طائر بغير وجه حق ، فتحل اللعنة على سفينته ويموت جميع زملائه، ويظل البحَّار وحيدًا إلى أن يتوصل إلى التوبة ، ويكتشف قيمة كل شيء حَي فيحصل على المغفرة والخلاص . وتُمثِّل هذه القصيدة خُلاصة الفكر الإبداعي . ويَعتبر النُّقاد هذه القصيدة أفضل وأكمل نص خيالي إبداعي في الشِّعر الإنجليزي .

تتميَّز قصائد كولردج بالروح الشفافة ، والرؤية الإبداعية النافذة ، والأسلوب المتألق المبهِر. وينقل الشاعرُ القارئَ إلى عالَم خيالي مسحور ، يقع ما بين الحلم واليقظة في شِعر غنيٍّ بالقوافي الاستهلالية والداخلية ، وبالجِناس والطِّباق .

أمَّا في مجال النقد ، فقد كتب " السيرة الأدبية " ( 1817) ، التي ضمَّنها خُلاصة فِكره حول الشِّعر ، والخيال والمخيِّلة ، وأثرهما في العمل الإبداعي . كما تحدَّثَ عن ضرورة إيقاظ العقل من  " سُبات الاعتياد "، ورؤية الكون بمنظار مُتحرِّر من هذا الاعتياد القاتل للإبداع .

كان كولردج مأخوذًا بالمسرح، فكتب في عام 1797مسرحية " أوسوريو " ، إلا أنه تَمَّ رفضها ، فأعاد كتابتها، وقُدِّمت على مسرح دروري لين ، تحت عنوان " تأنيب الضمير " عام 1813 ، فَحَقَّقت نجاحًا لابأس به .

وكان أيضًا أبرز نُقاد شكسبير ، على الرغم من بعض المآخذ عليه في ذلك . ويُعتبَر كولردج من المؤسسين للنقد الشكسبيري في القرن التاسع عشر ، خاصةً فيما يتعلق بتحليله الشخصيات الرئيسية .

يحتل كولردج مكانة رفيعة في تاريخ الأدب والنقد الإنجليزي ، من حيث رؤيته الإبداع " كُلاًّ عُضْوِيًّا " ، ورؤيته الخاصة في الأجناس الأدبية القائمة على خلق التوازن بين العام والخاص ، وعلى التوفيق بين الأضداد ، وعلى دور الخيال الرئيسي في كل ذلك .