25‏/08‏/2021

غرهارت هاوبتمان وقلق المصير

 

غرهارت هاوبتمان وقلق المصير

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...................

     وُلد الأديب الألماني غِرهارت هاوبتمان ( 1862_ 1946) في بلدة أُوبر، وهي منتجع صحي معروف في منطقة شليزيا ، وتُوُفِّيَ في المنطقة نفْسها ( في بولونيا حاليًّا ) . يُعتبَر مِن أهم أدباء الحركة الطبيعية في ألمانيا . وقد حصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1912 .

     كان والده يمتلك فندقًا ومطعمًا يُديرهما مع زوجته. وقد صار أخوه الأكبر كارل أديبًا معروفًا. وكان هاوبتمان منذ طفولته شخصية قلقة للغاية ، وشديدة الاضطراب ، لا يعرف الاستقرار ، ولا يُدرك الهدف من حياته ، ولا يعرف الغاية من وجوده . وهذه الفوضى الشاملة قادته إلى ترك المدرسة قبل امتحانات الشهادة الثانوية ، وتحوَّل في عام 1878 إلى المعهد الزراعي .

     وفي الفترة ( 1880 _ 1885 ) درس النحت والتاريخ والرسم والتمثيل بشكل متقطع ، دون أن يتم أي فرع من هذه العلوم والفنون . ولَم يحصل على أية شهادة تُؤهِّله للعمل في أي مجال. وفي ظل هذا الضياع، قام برحلة عبر بلدان شمالي البحر الأبيض المتوسط ، من أجل كسر الروتين في حياته، وتحطيم الفوضى التي تحيط به من كل الجوانب. واستقر بضعة أشهر في روما .

     وفي عام 1885، تعرَّف في برلين على الشابة الثرية والجميلة ماري تينمان ، فتزوَّجا واستقرَّا في مَنْزل على بحيرة إركنر خارج برلين . وقد كان هذا الزواج هو المنعطف المصيري الذي غيَّر حياة هاوبتمان إلى الأبد . فهذا الشَّاب الضائع في متاهة الحياة بلا بوصلة ، والغارق في القلق والفوضى بلا هدف ، استطاع أن يجد حُبَّ حياته ، واكتشاف جدوى وجوده في شخصية زوجته التي أحبَّها ، واعتمد على ثروتها ، من أجل التفرغ للكتابة الأدبية . وقد كانت أموال زوجته هي حجر الزاوية في مشروعه الإبداعي . ولولا أموالها لَبَقِيَ تائهًا ومُتَسَكِّعًا في الدروب ، ومنسيًّا في هذا العالَم .

     وصل هاوبتمان إلى حالة الهدوء والصفاء الذهني والمصالحة مع الذات ، فلم يعد يُفكِّر في تحصيل قُوت يَومه.وهذا جعله يَتفرَّغ للكتابة، ويُركِّز على مشروعه الإبداعي الشخصي بعيدًا عن ضغوطات الحياة المادية . فاتَّصل في عام 1888 بمجموعة أدبية من أتباع المذهب الطبيعي ، وهو مذهب في الفن والأدب ، نشأ في فرنسا عام 1880 ، وتميَّز بالنُّزوع إلى تطبيق مبادئ العلوم الطبيعية وأساليبها على الأدب والفن ، وبخاصة النظرة الداروينية إلى الطبيعة . وقد صار هاوبتمان أبرز مُمثِّلي المذهب الطبيعي في المسرح والرواية .

     وبعد هذا الشَّوط الطويل الذي قطعه هاوبتمان ، رجع إلى قلقه وحَيرته واضطرابه ، وسيطرت عليه حالة انعدام الاستقرار ، إذ إنه بدَّل مَنْزله خمس مرات ، وتنقَّل بين برلين وشليزيا وشاطئ بحر الشمال ، وسافر إلى عدد من الدول الأوروبية عدة مرات ، كما زار الولايات المتحدة في عام 1923 في جولة محاضرات واسعة عن الثقافة الألمانية بمناسبة مرور قرن على وفاة غوته .

     لم يهتم هاوبتمان بالفكر السياسي ، لكنه كان مُعارِضًا للنظام الملكي الفِلهِلميني ( نِسبة إلى سلالة الملك فِلهِلم المستبد ) ، ومُؤيِّدًا للفكر الجمهوري . أمَّا في الفترة النازية ، فقد انسحب من الحياة العامة ، واعتزل الناس ، ولزم بَيته ، وفضَّل عدم التصادم مع النازيين ، وقد أخذ عليه الديمقراطيون واليساريون هذا الموقف السلبي الْمُهادِن .

     كان هاوبتمان مهتمًّا بقضايا عصره ، مثل قضية المنبوذين اجتماعيًّا واقتصاديًّا ، والمضطهَدين في الظروف الصعبة ، والذين يحاولون جاهدين تحرير أنفسهم من القيود الذاتية ، والقيود التي فرضها عليهم المجتمع ، ويُدافعون عن كرامتهم وحقوقهم الإنسانية المسلوبة .

     وفي مجال المسرح ، حقَّق هاوبتمان نجاحًا عالميًّا وتأثيرًا هائلاً . وقد اعتمد على الصدق في تصوير مشكلات الواقع وصراعاته ، والتركيز على جوهر هذه المشكلات ، مِن دون ترهُّل في البُنية الفنية ، أو ثرثرة لغوية لا فائدة منها .

     كان في مسرحياته الطبيعية ملتزمًا بالقضايا الاجتماعية ، ومُؤمنًا بالفكر الثوري دون الارتباط بحزب سياسي أو أيديولوجية فكرية ضيِّقة . أمَّا في مسرحياته التي تنتمي إلى الرومانسية الجديدة ، فهي ذات طابع حكائي خُرافي، تغيب فيها الصراعات الاجتماعية ، ويختفي مبدأ إدراك القوى المحرِّكة لها . لذلك فقد الكاتب تأثيره، وعجز عن بناء مسرحيات متماسكة فَنِّيًّا.

     مِن أبرز مسرحياته: قبل شروق الشمس(1889). المصالحة (1890).النَّسَّاجون ( 1892). مِعطَف القُندس ( 1893) .

     أمَّا أبرز رواياته : جزيرة الأم العظيمة ( 1928 ) ، الناس والروح ( 1932) ، مغامرة شبابي  ( 1937) .