29‏/09‏/2021

فواديسواف ريمونت وحياة الريف

 

فواديسواف ريمونت وحياة الريف

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     وُلِدَ الأديب البولندي فواديسواف ريمونت ( 1867_ 1925) في قرية كوبيل فيلكي بوسط بولندا ، وكانت في ذلك الوقت واقعة تحت السيطرة الروسية . تعلَّم القراءة والكتابة على يد قِس محلي في القرية. ثم تلقى تعليمًا نظاميًّا في المدارس. أرسله والده إلى وارسو (عاصمة بولندا) في عام 1885، من أجل تعلُّم إحدى المهن ، وذلك في رعاية شقيقته الكبرى وزوجها . وقد تَعَلَّمَ مهنة الخِيَاطة، لكنه رفض العمل كخيَّاط ، وهذا أزعج عائلته بشدة ، لأنها شعرت أن مستقبله في خطر. أحبَّ العملَ في المسارح ، والسفرَ مع الفِرَق المسرحية، فعمل ممثلاً متجوِّلاً ، لكنه لَم ينجح في هذا المجال ، ولَم يستطع جمع الأموال . ورجع إلى أهله مُفْلِسًا . وبفضل والده ، استطاع الحصول على وظيفة عامل في السِّكَك الحديدية . وقد هرب مَرَّتين من هذه الوظيفة . المرة الأولى في عام 1888 ، حيث سافر إلى باريس ولندن . والمرة الثانية ، هرب من أجل الانضمام إلى إحدى الفِرَق المسرحية . لكنه فشل في إثبات نفْسه كَمُمثِّل بسبب انعدام الموهبة ، فعادَ إلى الوطن مرة أخرى . استقرَّ في وارسو ، وقرَّر أن يتفرَّغ للكتابة ، فعمل كَمُراسِل لإحدى الصُّحف ، وزار عِدَّة عواصم أوروبية ، مِن بينها برلين وبروكسل ولندن ، وسافر إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى . بدأ ريمونت في كتابة القصص القصيرة ، وزار مكاتب التحرير في مختلف الصحف والمجلات ، وقد اهتمَّ بعض المسؤولين بكتاباته ، واقتنعوا بإمكانياته الأدبية . في عام 1894 ، ذهب في رحلة إلى الحج إلى شيستوشوا ( ثالث أكبر موقع حج كاثوليكي في العالَم ) ، وقد كتب تفاصيل هذه الرحلة الروحية في كتابه " الحج إلى جبل النُّور " الذي نُشر في عام 1895 ، ويُعتبَر هذا الكتاب تجسيدًا لأدب الرحلات في صورته الكلاسيكية .

     لَم يستطع الأدبُ أن يُوفِّر له مصدر دخل ثابتًا ، فعاشَ حياةً فقيرة ، ولَم يتمكن من ممارسة هوايته في السَّفر بسبب غياب الموارد المالية . لكنه في عام 1900 ، حصل على أربعين ألف روبل ( العملة الروسية ) ، كتعويض من مؤسسة السكك الحديدية ، وذلك بعد تعرُّضه لحادث خطير وإصابته بجروح بالغة . وأثناء رحلة العلاج ، تعرَّف على إحدى النساء ، وتزوَّجها في عام 1902 بعد أن قام بدفع قيمة فسخ زواجها السابق . وقد استغل التعويض المالي الذي حصل عليه لتحقيق طُموحه بأن يُصبح أحد مُلاك الأراضي ، فاشترى عقارات في عام 1912 ، لكنه فشل في إدارتها. 

     كتب ريمونت العديد من الروايات ، أشهرها على الإطلاق رواية " الفلاحون " التي نشرها عام 1904 ، وكتبها أثناء فترة إقامته في منطقة النورماندي الواقعة في شمال فرنسا ، وهي الرواية التي نال عنها جائزة نوبل للآداب عام 1924. وهذه الرواية الضخمة التي تقع في أربعة مجلدات ، تُجسِّد فلسفة الكاتب في حياته ، فقد عارضَ آراء المفكِّرين الذين آمَنوا بالتصنيع ، وانتقلَ من حياة المدينة إلى حياة الريف ، وصار الريف هو الركيزة الأساسية في أعماله القصصية . وهذا يُشير إلى قناعة الكاتب بأهمية العودة إلى الطبيعة ، وأن الأرض هي مستقبل الإنسان ، وليس الآلة الصناعية ، وعلى الإنسان العودة إلى التراب بإرادته قبل أن يعود إليه رغم أنفه ( بالموت ) .

     لقد رفض ريمونت الثورة الصناعية ، واعتبرها خطرًا حقيقيًّا على وجود الإنسان وأحلامه وذكرياته . فهذه الثورة حوَّلت الإنسان إلى آلة بلا مشاعر ، تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة في مجتمع استهلاكي متوحش ، ليس لديه وقت للمشاعر الإنسانية ، والأحاسيس الحياتية .

     وقد مَزَجَ هذه الأفكار بالسُّخرية ، وخلطها بشريعة الغاب ، حيث تغيب الأفكار النبيلة ، وتنهار الأخلاق ، وتتساقط المشاعر ، وينقلب الإنسان على نفْسه ، ويُقاتل أخاه الإنسان من أجل التصنيع الوحشي والتَّحضر الزائف ، ويتم قتل الإنسان والطبيعة معًا .

     اهتمَّ ريمونت في كتاباته بالواقع المادي والعادات والسلوك والثقافة الروحية للشعب . وكان يستخدم لهجة الفلاحين البولنديين في الحوار والسرد ، وكان حريصًا على إظهار إيقاع الحياة اليومية مع البساطة الصارمة والأحلام الضائعة . وكانت كتاباته مرجعًا للتجربة الإنسانية والحياة الروحية العميقة ، ولَم يكن لديه أفكار عقائدية أو تعليمية ، فلم يهتم بالمذاهب الفكرية ، وإنما اهتمَّ بطبيعة الحياة ، وأفكار الناس ، والإحساس بالواقع الْمُعاش .

     كان آخر مؤلفات ريمونت بعنوان " نَطحة " ، ونُشر عام 1924 ، ويصف فيه تمرُّد الحيوانات في المزرعة من أجل المساواة ونَيل حقوقها ، كما يصف ما يحدث في المزرعة من اعتداء وإرهاب دموي . والقصة كناية عن الثورة البُلشفية ( 1917 ) . وقد مُنع الكتاب في بُولندا الشيوعية في الفترة ما بين ( 1945_ 1989 )، جنبًا إلى جنب مع رواية جورج أورويل الشهيرة " مزرعة الحيوان " التي نُشرت في بريطانيا عام 1945. ومن غير المعروف ما إذا كان أورويل قد تأثَّر بأجواء رواية ريمونت الممنوعة .

     من أبرز أعماله : المُخادِع ( 1896) . أرض الميعاد ( 1898 ) . الفلاحون ( 1904_ 1909) . الحالم ( 1910) . مصَّاص الدماء ( 1911) . نَطحة " الثورة " ( 1924) .