30‏/09‏/2021

فولتير وأسلوب النقد

 

فولتير وأسلوب النقد

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     وُلِد الأديب والفيلسوف الفرنسي فولتير ( 1694_ 1778) في باريس . اسمه الحقيقي فرانسوا ماري آروويه . وكان الأخ الأصغر لخمسة مِن الأطفال ، والطفل الوحيد الذي عاش منهم. كان والده يعمل مُوَظَّفًا رسميًّا صغيرًا في وزارة المالية. وكانت والدته تنحدر من أصول نبيلة.

     تلقى فولتير تعليمه في إحدى مدارس اليسوعيين ( 1704_ 1711) ، حيث تعلم اللغة اللاتينية ، كما أصبح في فترة لاحقة من حياته بارعًا في اللغتين الإسبانية والإنجليزية .

     عندما أنهى فولتير دراسته، كان قد عقد العزم على أن يصبح كاتبًا بالرغم مِن أن والده كان يريد أن يصبح ابنه محاميًا.ولكن فولتير_الذي تظاهر بأنه يعمل في باريس في مهنة مُساعد مُحامٍ_ كان يقضي معظم وقته في كتابة الشِّعر الهجائي . وعندما اكتشف والده الأمر أرسله لدراسة القانون ، ولكن هذه المرة في المقاطعات الفرنسية البعيدة عن العاصمة .

     استطاع والد فولتير أن يحصل لابنه على وظيفة سكرتير السفير الفرنسي في هولندا ، حيث وقع فولتير في هوى لاجئة فرنسية ، ونجح والده في إحباط محاولتهما للفرار معًا ، والتي ألحقت الخزي به ، وتم إجبار فولتير على العودة إلى فرنسا مرةً أخرى .

     دارت معظم السنوات الأولى من حياة فولتير في فلك واحد وهو باريس. ومنذ تلك السنوات المبكرة _ وما تلاها من سنوات عمره _ دخل فولتير في مشكلات مع السُّلطات بسبب هجومه المتحمِّس على الحكومة وعلى الكنيسة الكاثوليكية . وقد أدَّت به هذه الأنشطة إلى تعرُّضه للسجن والنفي لمرات عديدة .

     قام فولتير بكتابة أول أعماله المسرحية"أوديب" في سِجن الباستيل، وكان نجاح هذه المسرحية هو أول ركائز شهرته الأدبية . ويعتبر الكثيرون أن اتخاذه لاسم "فولتير" الذي جاء بعد الفترة التي تَمَّ فيها سجنه في الباستيل ، علامة على انفصاله الرسمي عن عائلته وماضيه .

     تعلم فولتير الدرس مِن مُناوشاته السابقة مع السُّلطات ، وابتعدَ عن كل ما يُسبِّب له الأذى الشخصي،وتَخَلَّصَ مِن أيَّة مسؤولية قد تُعرِّضه للخطر. وواصلَ كتاباته، ونشر بعضًا من مسرحياته بالإضافة إلى بعض القصص القصيرة . 

     كتب فولتير مقالاً يعرض السيرة الذاتية للملك تشارلز الثاني عشر ، وهو المقال الذي يُعتبَر بداية لكتابات فولتير التي انتقد فيها التَّعصب . وقد جعله ذلك المقال مُؤرِّخًا للبلاط الملكي .

     في عام 1751 ، انتقل إلى مدينة بوتسدام ليعيش إلى جوار فريدريك الأكبر ( ملك بروسيا) الذي كان صديقًا مُقَرَّبًا منه ومُعْجَبًا بأدبه . وقد قام الملك بدعوته بشكل متكرر إلى قصره ، ثم منحه مُرَتَّبًا سنويًّا يبلغ عشرين ألف فرنك .

     وفي عام 1764 ، نشر فولتير أكثر أعماله الفلسفية أهمية التي ينتقد فيه الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وغيرها من المؤسسات ، وهو " المعجم الفلسفي " .

     في سنوات عمره المبكرة ، ظهرت موهبة فولتير الشِّعرية ، وكتب عِدَّة قصائد . ثُمَّ توجَّه إلى القصص النثرية ، وكانت قصته المعروفة باسم " الساذج " ( 1759) تهاجم التفاؤلَ الديني والفلسفي . بينما كان عمله " الرجل ذو الأربعين دينارًا " يهاجم بعض الأساليب الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة في ذلك العصر . أمَّا روايته " صادق " ( 1747) وغيرها من أعماله ، فقد هاجم فيها الأفكار التي يتم تناقلها عبر الأجيال والخاصة بالقيم والمبادئ التي تقوم عليها العقيدة الأرثوذكسية، وكان هدفه من هذه الكتابات هو السُّخرية مِن " الكتاب المقدَّس " .

     وفي هذه الأعمال ، يتَّضح أسلوب فولتير الساخر البعيد عن المبالغة ، ويتَّضح بوجه خاص التحفظ والبساطة في المعالجة اللفظية لهذه الأعمال.ويمكن اعتبار روايته القصيرة" الساذج" بوجه خاص ، هي أفضل النماذج على أسلوبه الأدبي .

     تشترك كتابات فولتير الأدبية مع أعماله الأخرى ، في استخدامها بوجه عام لأسلوب النقد، بالإضافة إلى التنوع في الموضوعات التي يتناولها. فقد كان يسبق كل أعماله الأساسية ، سواء التي كتبها في قالب شعري أم نثري،تمهيدٌ يمكن اعتباره نموذجًا لنبرة السخرية اللاذعة التي تُميِّز أعماله، والتي لَم تمنعه من استخدام تلك اللغة العادية المستخدمة في أحاديث الناس . وقد كان فولتير كاتبًا غزير الإنتاج. قام بكتابة أعمال في كل الأشكال الأدبية تقريبًا ، فقد كتب المسرحيات والشِّعر والروايات والمقالات والأعمال التاريخية والعلمية ، وأكثر من عشرين ألف رسالة .

     وبسبب انتقاده المعروف للكنيسة الذي رفض أن يتراجع عنه قبل وفاته، لَم يتم السماح بدفن فولتير وَفْقًا للشعائر الكاثوليكية . وعلى الرغم من ذلك، فقد تمكن أصدقاؤه مِن دفن جثمانه سِرًّا في إحدى الكنائس الكبيرة في مقاطعة شامباين ، قبل أن يتم الإعلان رسميًّا عن قرار منع الدفن .

     وقد تم تحنيط قلبه ومُخه بشكل منفصل. وفي يوليو 1791 ، اعتبرته الجمعية الوطنية الفرنسية واحدًا مِمَّن بشَّروا باندلاع الثورة الفرنسية ، وَتَمَّت استعادة رُفاته للاحتفاظ به في مقبرة عُظماء الأُمَّة ، تكريمًا له .