04‏/10‏/2021

فيسوافا شيمبورسكا ولعنة الشيوعية

 

فيسوافا شيمبورسكا ولعنة الشيوعية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

....................

     وُلِدَت الشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا( 1923_ 2012) في مدينة " كورنيك " الواقعة في وسط بولندا . ومُنذ عام 1931 ، وهي تسكن بالمدينة البولندية الأثرية " كراكرف"    ( عاصمة بولندا القديمة ) . حصلت على جائزة نوبل للآداب عام 1996، لأن " أشعارها استطاعت بدقة متناهية أن تُجسِّد الحقائق الذاتية والتاريخية في صورة تشرذمات بشرية " .

     تناولت أعمال شيمبورسكا موضوعين أساسيين هُما : الحرب والإرهاب . ونافست مبيعات أعمالها في بولندا أهم الأدباء .

     تستخدم شيمبورسكا دائمًا أساليب أدبية مثل الطِّباق والسُّخرية والتناقضات والتصريح المقتضَب ، لإلقاء الضوء على الوساوس والمواضيع الفلسفية .وقصائدها القصيرة غالبًا ما تستحضر إشكاليات وجودية كبيرة تلمس من خلالها مواضيع ذات قيمة أخلاقية، وتعكس حالة الإنسان كفرد وكعضو في المجتمع . ويتميَّز أسلوبها بالاقتضاب والتأمُّل في بواطن الأشياء ورُوحه الفُكاهية .

     حقَّقت شُهرتها اعتمادًا على عدد قليل من القصائد . وهي معروفة بالخجل ، ويُقدِّرها الجميع في الأوساط الأدبية البولندية . وقد تَحَوَّل بعض إنتاجها إلى أعمال موسيقية ، وتُرْجِمَت كتاباتها إلى لغات أوروبية ، بالإضافة إلى اللغات العربية والعِبرية واليابانية والصينية .

     استمرَّت في دراستها عن طريق الدروس الخصوصية ، وقت اندلاع الحرب العالمية الثانية ، وعملت في السِّكك الحديدية ، وقاومت بشدة فكرة انتقالها إلى ألمانيا ، لتعمل بنظام للمهاجرين يُشبه السُّخرة . وفي تلك الفترة ، بدأت عملها كفنانة ، فكانت ترسم الصور الموضِّحة للكُتب التعليمية باللغة الإنجليزية .

     في عام 1945، درست شيمبورسكا اللغة والأدب البولندي ، ثُمَّ غَيَّرت مجال دراستها إلى عِلم الاجتماع . وفي الجامعة بدأت تظهر موهبتها ككاتبة في الأوساط المحلية . وفي نفس العام ، نشرت أولى قصائدها " أبحث عن العالَم " في إحدى الجرائد اليومية، واستمرت في نشر قصائدها في مختلف الجرائد والمجلات . وفي عام 1948، اضْطُرَّت إلى ترك دراستها دون الحصول على شهادتها ، بسبب ظروف مادية صعبة .  كان من المفترَض لأول كُتبها أن يُنشَر في عام 1949، ولكن الرقابة لَم تُصرِّح بِه زاعمةً أنه لا يتماشى مع المناخ الاشتراكي . وبالرغم من ذلك ، استمرَّت شيمبورسكا في مديح لينين وستالين والشيوعية في كتاباتها ، مِثل قصيدتها التي سَمَّتْهَا " لينين " في أول مجموعة شِعرية لها . وكانت تُدْعَى " وهذا الذي نحيا مِن أجله " . وقد انضمَّت الشاعرة لحزب العمال البولنديين المتَّحدين ، ولكنها ككثير من المفكرين البولنديين تَخَلَّت عن أفكارها الشيوعية ، ولكنها لَم تترك الحزب حتى عام 1966.

     في عام 1953، انضمَّت لفريق مجلة مُتخصِّصة في النقد الأدبي، تُسمَّى " الحياة الأدبية " . وعملت فيها حتى عام 1983. وخلال عام أصبح لها عمود خاص للنقد الأدبي اسمه " قراءة غَير مُلْزِمة " ، والكثير من أبحاثها في تلك الفترة نُشِرَ في صُورة كُتب . كما شاركت في العديد من المجلات الأخرى ، وكانت تُركِّز جُهودها على مُعارَضة النظام الحاكم .

     تُوصَف شيمبورسكا بأنها شاعرة التفاصيل والتناقضات بامتياز فضلاً عن كَوْنها شاعرة الجزالة الشِّعرية ، والسهل الممتنِع . وقد حَفرت على مدى خمسين عامًا صَوْتَها الخاص في الشِّعر البولندي المعاصر . والكتابة لدى شيمبورسكا عمل شاق دؤوب دقيق ومعاناة حقيقية، يُقابلها متعة الكتابة التي سَمَّتْهَا الشاعرة في واحدة مِن أجمل قصائدها بـِ " بهجة الكتابة " . ومقابل المخاض ثَمَّة وليد ينتظر .

     ورغم قلة قصائدها ، إلا أنها شَكَّلت ظاهرةً في الشِّعر البولندي الحديث . حيث اعتمدت على البساطة والعُمق الفكري ، وتوليد صُور شِعرية غير عادية ، وتكوين صياغات لغوية مُتفرِّدة ومُدْهِشة . وفي شِعرها تكون الكلمة وسيلة لا غاية .

     قصيدة شيمبورسكا تُدافع عن نفسها فَنِّيًّا وفكريًّا . اللفظ في خدمة المعنى ، والمعنى يتجلى في اللفظ . إنهما طرفان في خدمة قضية واحدة اسمها القصيدة . وهكذا ، يصبح الفصلُ بينهما غير مرئي تمامًا ، بل يمكن أن نقول إنه غير وارد . والشيء ذاته يحدث لدى الشاعرة على صعيد آخر ، فلا يمكن بناء قصيدة بمعزل عن الفكر والفكرة على السواء . وأيضًا لا يمكن فصل بنية القصيدة عن سِياقها الشِّعري والجمالي ورشاقتها الشعرية . حتى السخرية الشائعة في شعرها تُعتبَر عُنصرًا ضِمن مشروع فني، الهدف منه خدمة القضية الشعرية والقضية الفكرية ، وقد تَتدخَّل السُّخرية أحيانًا في تشكيل الإطار العام لمعمارية القصيدة .

     مِن أبرز مجموعاتها الشِّعرية : لماذا نحيا ؟ ( 1952 ) . أسئلة نسألها ( 1954 ) . الملح ( 1962). كُل حال ( 1972) . العدد الكبير ( 1976) . ناس على الجسر ( 1986) .