22‏/11‏/2021

مارسيل بروست والزمن المفقود

 

مارسيل بروست والزمن المفقود

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

....................

     وُلِد الروائي الفرنسي مارسيل بروست ( 1871_ 1922) في باريس لعائلة غنية . وكان والده طبيبًا ناجحًا مِن أسرة كاثوليكية محافظة . كانت طفولته سعيدة ومصدرًا من مصادر أعماله الأدبية لاحقًا . أُصِيب بأول نوبة رَبْو قاسية، وهو في التاسعة من عمره ، وسيطرَ عليه المرض طيلة عُمره . وكان لأمه المثقفة فضلٌ كبيرٌ عليه ، فأحبَّ المطالعة ، وكان أبوه يأمل أن ينتظم ابنه في السلك الدبلوماسي بعد دراسة الفلسفة .

     نشر بروست في بداية شبابه كتاب " الملذات والأيام " ، مع مقدمة بقلم أناتول فرانس ، ثم ترجم لشاعره المفضَّل راسكن عن الإنجليزية . وقام بتأليف رواية _ نُشِرت عام 1952_ بعنوان  " جان سانتوى " ، وفيها تتَّضح ميول الكاتب وانطباعاته وأفكاره الشخصية .

     كانت وفاة أبيه عام 1903 ، ووفاة أُمِّه عام 1905 ضربةً قاسيةً له ، واشتدَّ عليه الربو ، وحاصرته الهموم والوساوس ، فابتعدَ عن الناس ، واعتزلَ المجتمع ، وجلس في غرفته ، عاكفًا على روايته"البحث عن الزمن المفقود"، إلا أنه لَم يجد ناشرًا للجزء الأول منها " جانب منزل سوان " ، واضْطُر إلى نشره على نفقته الشخصية ، إلا أن الكتاب لَم يتم تقديره ، وكانت الحرب العالمية الأولى قد اندلعت ، وحالت دون نشر تتمة الرواية ، فاستغل الفرصة لإعادة كتابتها والنظر فيها، وقبلت أخيرًا " دار غاليمار " أن تنشر الرواية كاملةً . وفاز الكتاب بجائزة " غونكور " الأدبية ، وكانت بداية المجد الذهبي . كان هذا في عام 1919 ، أي إنه لَم يبقَ مِن عُمر بروست سوى ثلاث سنوات، أنهى فيها الفصول المتبقيةَ من الرواية المتعددة الأجزاء، وكانت هذه السنوات سباقًا مع الموت . استخدم بروست كامل قُدراته وكُل عبقريته لإنهاء الرواية ، وكان أعجب وأروع ما قام به أنه أرجأ مشهدًا منها، يُصوِّر فيه احتضارَ ( بيرغوت ) _ أحد أبطال روايته _ إلى وقتٍ
يشتدُّ فيه مرضه، على نحوٍ مُماثلٍ لِمَا يُعانيه المحتضر فِعلاً، لينقلَ هذا الوصفَ إلى مكانه من الرواية. استطاعَ بروست في رواية " البحث عن الزمن المفقود" أن يُمْسِك بالزمن الضائع المتمرِّد ، ويحبسه لفترة محدودة ، ويتغلب عليه . وكانت هذه الرواية نقدًا جارحًا وصريحًا للمجتمع الأرستقراطي والبرجوازي في عصره .

     يَعتبر بروست أن عَظَمَة الفن والإبداع تتجلَّى في البحث عن الحقيقة العَصِيَّة الممتنِعة، التي تواكب الحياة، طَيِّعَةً ميسورةً . وهذا يحتاج إلى بحث دائب .

     استخدم بروست في روايته " البحث عن الزمن المفقود " أسلوبًا خاصًّا مُتميِّزًا ، ينسجم مع تسلسل خواطره وأفكاره وصُورَه وتداعيها . فالْجُمَل متشعبة ، مشحونة بالفواصل والأقواس ، وطويلة ، ومُتنامية ، ومليئة بالتشبيهات .

     وقد استفادَ عِلمُ النفس من بروست فائدةً جليلة ، فقد استحدثَ أسلوبًا جديدًا في التحدث عن الشعور واللاشعور . وكثيرٌ من النقاد يَرَوْنَ أن بروست قد تأثر بالفيلسوف هنري برغسون تأثرًا بالغًا_ وكان بروست مُعْجَبًا به أشد الإعجاب _ ، وأنه يُطبِّق في روايته أفكارَه الفلسفية تطبيقًا مُبْدِعًاً فَنِّيًّا، فالتداعيات اللاإرادية التي تسوق الماضي الدفين في أعماق الذاكرة ، ودروبُ الحدس المتشعبة في اللاشعور ، وتنامي الشخصية وتطوُّرها ضمن الزمن ، وقصور الذكاء وعجزه عن معرفة الحياة وسبر أغوارها . كل هذه الموضوعات تظل متلائمةً ومُتناغمةً بين فلسفة برغسون ورواية بروست .

     بدأ بروست كتابة روايته " البحث عن الزمن المفقود " عام 1909، ضمَّت سبعة أجزاء ( مجلدات ) ، وتتوزع على 4300 صفحة ، وتحتوي على مليون ونصف المليون كلمة ، وعدد شخصيات الرواية 2000 شخصية .

     وبسبب هذه الرواية ، وَصف غراهام غرين بروست بأنه " أعظم مؤلف في القرن العشرين " . أمَّا سومرست موم فقد وصف الرواية بأنها " أعظم عمل خيالي "، رغم أن بروست مات دُون أن يتمكن من إنجاز النسخة النهائية من الرواية، وتركها على شكل مسودات . وقد راجعها أخوه روبرت ، ونشرها بعد وفاته .

      تتألف الرواية من سبعة أجزاء : الجزء الأول _ جانب منزل سوان . الجزء الثاني _ في ظلال ربيع الفتيات. الجزء الثالث _ جانب منزل غرامنت . الجزء الرابع _ سَدُوم وعَمُورة . الجزء الخامس _ السجينة . الجزء السادس _ الشاردة أو ألبرتين في أرض الشتات . الجزء السابع _ الزمن المستعاد .