20‏/12‏/2021

ميشيل فوكو وعدوى الإيدز

 

ميشيل فوكو وعدوى الإيدز

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...................

     وُلد الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو ( 1926 _ 1984 ) في مدينة بواتييه بفرنسا ، لأسرة تنتمي إلى طبقة النبلاء في المجتمع الفرنسي . كان والده طبيبًا جرَّاحًا ، وكان يأمل أن يكبر ابنه ليشاركه مهنته ويرثها بعده . يُعتبَر فوكو أحد أهم المفكرين الغربيين في النصف الثاني من القرن العشرين ، كما يُوصَف بالفيلسوف الأكثر تأثيرًا في فلاسفة ما بعد الحداثة .

     تأثرَ بالبنيويين ، ودَرَسَ وحلَّل تاريخ الجنون ، وعالج مواضيع مثل الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون . وابتكر مصطلح " أركيولوجية المعرفة " أي : حفريات المعرفة. وأرَّخَ للجنس أيضًا مِن " حُب الغِلمان عند اليونان" وصولاً إلى معالجاته الجدلية المعاصرة. حصل على شهادة التبريز في الفلسفة عام 1951 ، وعلى الدكتوراة في الفلسفة عام 1961. انتمى إلى الحزب الشيوعي الفرنسي(1950_1953) عن طريق لوي ألتوسير ، لكن ما لبث أن تركه بعد أن أثارت قلقه تصرفات ستالين في الاتحاد السوفييتي .

     تولى في الفترة ( 1950_ 1960) مناصب عِدَّة في الخارج ، فكان مديرًا لدار فرنسا في أوبسالا بالسويد ، فملحقًا ثقافيًّا بفرسوفيا، ثم أمضى عامين بهامبورغ .

     عُيِّن أستاذًا للفلسفة في جامعة كليمون فيرون بعد عودته إلى فرنسا ، ومناقشته رسالته للدكتوراة حول موضوع " تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي " .

     شغل منصب أستاذ بجامعة تونس ( 1965 _ 1968 ) ، ثُمَّ أصبح أستاذًا في الكوليج دو فرانس ( 1970 ) مُخْتَصًّا في تاريخ الأنساق الفكرية .

     بدأت شُهرته عام 1969 بعد إصداره كتاب " حفريات المعرفة " . واتَّسم مساره الفكري بإظهاره الالتزام باعتباره " مثقفًا من أهل التخصص " ، وليس باعتباره " مثقفًا شموليًّا " على طريقة سلفه جون بول سارتر.وبهذه الصفة ناضل فوكو إلى جانب اليسار الراديكالي"القضية البروليتارية"، وأسَّس " فريق الإخبار بحال السجون " الذي استقصى سريًّا أحوال المعتقَلين ، لأجل إدانة الوضع الذي كانوا يوجدون عليه . سافرَ كثيرًا خلال سبعينيات القرن العشرين ، وحاضر في الولايات المتحدة الأميركية واليابان، وتحمَّس بالخصوص للثورة الإيرانية . يكمن جانب تجديده الفكري في أنه مُنذ الفيلسوف فرانسيس بيكون  _ الذي يُوصَف بأنه أول من اعتبر المعرفة سُلطة _ لَم يُعالج أحد من مفكري الغرب مسألة " المعرفة والسُّلطة " بنفس العُمق الذي عالجها به فوكو .

     تمحورت اجتهاداته حول خمسة أسئلة أساسية : ماذا يمكن للإنسان أن يقوله حول ذاته حين يُفكِّر فيها لا مِن منظور العقل وإنما من منظور اللاعقل ؟ ( كتاب تاريخ الجنون، 1961)، وكيف ينظر إلى ذاته حينما يدركها انطلاقًا من ظاهرة المرض ؟ (كتاب ميلاد العيادة ، 1963 ) . وكيف يبني ذاته من جهة كَوْنه كائنًا حيًّا ناطقًا شَغَّالاً ؟ (كتاب الكلمات والأشياء، 1966) ، وكيف تبدو للإنسان محاكمته لذاته من حيث خضوعه للمراقبة وللعقاب ؟ (كتاب المراقبة والعقاب ، 1975) ، وأخيرًا : كيف ينظر الإنسان إلى رغباته ويهتم بذاته ؟ (ثلاثية تاريخ الحياة الجنسية، 1976_ 1984 ) .

     إن فوكو لَم ينظر إلى الإنسان الغربي من جهة تعقله وعافيته وحريته ، وإنما نظر إليه من جانب ما يُضاد ذاتيته ويقلق راحتها ، أي : الجنون والمرض والعقاب .

     لقد دعا فوكو الحضارة الغربية إلى التفكير في ذاتها انطلاقًا مِمَّا تُهمِّشه ، فكان أن وجد في ظاهرة الجنون _ التي هي جُزء لا يتجزأ من تاريخ هذه الحضارة حتى وإن هي أنكرته أو قمعته _ موضعًا مشتركًا لأشكال الإقصاء ، كما تحرَّى في ذلك تفكيك التقليد الكلاسيكي الذي دأب على جعل العقل لا يُحاور إلا نفْسه حول الجنون .

     تعقَّبَ فوكو العقل الغربي بَدْءًا من نشأته ( عصر النهضة ) إلى القرن التاسع عشر ( عصر الحداثة) مرورًا بالعصر الكلاسيكي، باحثًا عن أُسس المعرفة ، وعن النظام المعرفي الخفي الذي تشكلت بحسَبه العلوم وأشكال القول العقلي . فأكَّد أن عصر النهضة طغى عليه التفكير بحسَب مبدأ التماثل ، وأن العصر الكلاسيكي استبدَّ به منهج التحليل ، أمَّا العصر الحديث فقد هَيْمَنَ عليه البُعد التاريخي .

     في كاليفورنيا ،في منطقة بحيرة سان فرانسيسكو الشهيرة، قضى فوكو ليالٍ عديدة في نشاطات جِنسية مِثلية ، وفي بيوت خاصة بالرغبات السادية والمازوخية ، وكان يُمجِّد ويَمتدح مثل هذه النشاطات ، ووصفها بِـ" الخلق الحقيقي لإمكانية الرغبة،والتي لَم يكن يحيط الناس بها في الماضي". يُعتقَد أن فوكو في تلك المرحلة التقط عَدوى الإيدز . وذلك قبل أن يتم التعرف على المرض ووصفه ، حيث كانت أول حالة إيدز في العالَم عام 1980 . وقد تُوُفِّيَ فوكو يوم 25 يونيو / حُزَيران 1984 في مستشفى بباريس ، مُصابًا بمرض نقص المناعة المكتسبة ( الإيدز ) .

     مِن أبرز مؤلفاته : تاريخ الجنون ( 1961 ) . ميلاد العيادة ( 1963 ). حفريات المعرفة ( 1969 ) . المراقبة والعقاب ( 1975 ) . تاريخ الحياة الجنسية ( 1976 _ 1984 ) .