21‏/12‏/2021

ميغيل أنخل أستورياس والاستبداد السياسي

 

ميغيل أنخل أستورياس والاستبداد السياسي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     وُلد الأديب الغواتيمالي ميغل أنخل أستورياس ( 1899_ 1974) في مدينة غواتيمالا. وكان من أوائل الروائيين في أمريكا اللاتينية الذين تناولوا موضوع الاستبداد السياسي، وتَبِعَه في ذلك كثير من الروائيين . وأدَّت الشُّهرة التي عُرف بها أستورياس في مُعارضته للحُكم الدكتاتوري إلى قضاء معظم حياته في المنفى . وبعد عُقود من النَّفْي والتهميش ، حصل على شهرة واسعة النطاق في عقد الستينيات من القرن العشرين .

     عاشَ أستورياس طفولةً قاسية في ظِل دكتاتورية " أسترادا كابريرا " . شاركَ في نضال الطلاب عندما كان طالبًا في جامعة غواتيمالا الوطنية ، وقد حصل منها على إجازة في الحقوق .

     وفي عام 1923، ذهب إلى باريس ليدرس القانون الدولي ، لكنَّه فضَّل دراسة عِلم السُّلالات في جامعة السوربون ، حيث اطَّلع على النصوص التقليدية ( الكلاسيكية ) لأدب الهنود الحمر . وقام بترجمة " الكتاب المقدَّس " لشعوب المايا ، ثُمَّ دَوَّنَ كُلَّ الأساطير الهندية التي كانت ترويها له أُمُّه التي تنحدر من أصل هندي ، في كتاب " أساطير من غواتيمالا " ( 1930) .

     عاد أستورياس إلى بلاده ليبدأ مرحلة مهمة من النشاط الشِّعري والدبلوماسي الكثيف . استمرَّت حتى عام 1946، عندما ظهر كتابه الثاني " السَّيد الرئيس " ، وهو رواية ترسم صورة الدكتاتورية في أمريكا اللاتينية ، مِمَّا عرَّض الكاتب للمُلاحَقة ثُمَّ الاعتقال في الأرجنتين . ولَم تُنشَر الرواية إلا عام 1952 . تُعتبَر رواية " السَّيد الرئيس " ( 1946) أهم روايات أستورياس على الإطلاق ، وهي رواية ساخرة يصف فيها حياة الشعب في ظِل حُكم دكتاتور لا يَرْحَم . وبفضلها حصل على جائزة نوبل للآداب ( 1967) . وتُعَدُّ علامةً بارزة في أدب أمريكا اللاتينية ، ومع ذلك بقيت محجوبة عن الوطن العربي حتى عام 1985، بسبب تشابه ظروف الرواية مع أحوال معظم الدول العربية . بعد هذه الرواية ، عاد أستورياس من جديد إلى عالَم الأساطير ، فَنَشَرَ رواية" رَجل مِن الذُّرَة" التي تُعَدُّ من أفضل أعماله المستمدة من تراث المايا . وتكمن أهمية هذه الرواية في كَوْنها عَملاً سمفونيًّا، تختلط فيه الأساطير بالواقع ، والحلم بالحقيقة. ويَرتدي فيه الالتزام ثَوْبَ الشِّعرية المتدفِّقة.

     تابعَ أستورياس الكتابة في المنحى نَفْسِه، وكرَّس التزامَه الأدبي ، وأوصله إلى أبعد مدى ممكن، حين تحدَّث عن استغلال جُهد العُمَّال في مزارع الموز في الأراضي المنخفضة في غواتيمالا ، وذلك في ثلاثيته عن شركة الموز : الجزء الأول " العاصفة " ( 1950) . الجزء الثاني " البابا الأخضر "   ( 1954) . الجزء الثالث " عيون المدفونين " ( 1960) .

     في عام1956،نشر أستورياس مجموعة قصص تحت عنوان"عطلة نهاية الأسبوع في غواتيمالا". وهي وقائع عن اجتياح مُشاة البحرية الأمريكيين لغواتيمالا في عام 1954 ، وهو الاجتياح الأول الذي أدَّى إلى سُقوط حكومة خاكوبو أربينيز الوطنية التي ساندها أستورياس في مسيرة التزامه السياسي ، مِمَّا أدَّى إلى نَفْيه إلى بوينس آيرس .

     كتب أستورياس دواوين شِعر. مِنها :" رسائل هندية "، و " سهرة الربيع المضيئة " . وهكذا ، جمع أستورياس بين كتابة الرواية وكتابة الشِّعر، ليصنع واقعًا سِحريًّا ممزوجًا بالوعي العميق والذكي لمشكلات بلاده الاقتصادية والسياسية.والغزارةُ في الكتابة عند أستورياس ليست سهولةً وسطحية. بل هي تيَّار معرفي متماسك ، ومتدفق على الورق . وقد غلب الطابعُ السريالي على مؤلفاته_ حتى الواقعية _ . وسرياليةُ أستورياس هي تدفُّق الأساطير التي تُغلِّف الغابات والأنهار في موطنه ، حيث تختلط فَوضى الناس بتحولات الإنسان والطبيعة ، في عالَم مجنون بعيد عن العقلانية .

     والجديرُ بالذِّكر أن أستورياس لَم يكن شاعرًا وروائيًّا فَحَسْب ، بل كان أيضًا مُناضلاً سياسيًّا نشيطًا. وقام خلال سنوات المنفى في بوينس آيرس بجولات كثيرة في أمريكا اللاتينية والهند والصين والاتحاد السوفييتي . كان فيها مُحَاضِرًا لا يَتعَب ، وشاهدًا واعيًا يُسجِّل وقائع العصر .

     أدَّى وقوفه إلى جانب كاسترو إلى طرده من الأرجنتين عام 1962، فعادَ إلى فرنسا ، التي استقبلته بحفاوة كبيرة . وزارَ موسكو التي منحته جائزة لينين للسلام عام 1966 ، قبل أن يَحصل على جائزة نوبل للآداب عام 1967 . ولَمَّا عُيِّن سفيرًا في باريس مِن قِبَل حكومة مندس مونتينغرو ، نَظَّمَ معرضًا في القصر الكبير عن تراث المايا ، بمبادرة من أندريه مالرو وزير الثقافة الفرنسي آنذاك . وتلقَّى تقديرًا من جامعة السوربون عام 1968 .

     شاركَ أستورياس في آخر حياته في مؤتمر السلام في هلسنكي ، وفي مُحادَثات جامعة داكار، عن الزنوج وأمريكا اللاتينية . وكان يُصِرُّ على ضرورة خَلْق تفاهم دولي حول شرعية الثقافات الخِلاسية ( الهجينة ) .

     تُوُفِّيَ أستورياس في مدريد ، وهو في قمة نشاطه وعطائه ، بعد أن وَهب مخطوطاته للمكتبة الوطنية في باريس ، التي أقامت له حفل تأبين مَهيبًا .