26‏/01‏/2022

هنريك بونتوبيدان ومقاومة الطبقية

 

هنريك بونتوبيدان ومقاومة الطبقية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

....................

     وُلد الأديب الدنماركي هنريك بونتوبيدان ( 1857_ 1943) في مدينة فردريكية في وسط الدنمارك. كان والده كاهنًا، وراعيًا لكنيسة المدينة، وينحدر من أسرة كبيرة من الكهنة والكُتَّاب .

     بدأ حياته التعليمية في دراسة الهندسة في كوبنهاجن ، لكنه تركها لأنه لَم يجد نفْسه في عالَم الأرقام والحسابات . عمل مُعَلِّمًا في مدرسة ابتدائية ، ثم ترك سِلْك التعليم ، والتحقَ بالصحافة . وعندما بلغ العشرين من عُمره ، قرَّر التفرغ التام للكتابة ، ورسمَ حياته ككاتب مُحترِف . وقد شكَّل زواجه الفاشل أول صدمة في حياته ، فقد اقترنَ بفتاة في عام 1881 تختلف عنه روحيًّا وماديًّا . وكان الفشلُ هو النتيجة المتوقَّعة لهذا الزواج غير الْمُتكافِئ .

     امتاز بونتوبيدان بأسلوبه الساخر ، ولغته المليئة بالرموز والحِكَم . وكان ناقدًا للأوضاع السائدة في الدنمارك في تلك المرحلة ، فقد كانت دولةً مُتخلِّفة تعتمد على الزراعة البدائية ، ومحكومة مِن قِبَل الإقطاعيين ورجال الدين .

     صوَّر الشكَّ والتشاؤمَ في أعماله الأدبية ، وتعرَّض للموضوعات الوجودية بحثًا عن حقيقة الإنسان ، وهويةِ المجتمع والتقدم الاجتماعي . وهذا جعله واحدًا من أبرز كُتَّاب عصره .

     عاشَ مع الفقراء والفلاحين والمنبوذين بروحه وقلمه، وصوَّر عالَمهم البائس، وحياتهم الصعبة، وفضح الاستبداد والاستغلال باسم الدِّين والطبقة الاجتماعية . ثم انتقل لاستعراض مشكلات الطبيعة دون التخلي عن ارتباطه الاجتماعي وقناعاته الأيديولوجية. كان الأدب بالنسبة إليه شرعية حياته ، ومركز وجوده في هذا العالَم .

     وفي أعماله الأدبية ، استطاع تصوير ذهنية المجتمع وانتقال الحرية إلى المجتمع واللغة ، كما أنه قدَّم في كتاباته " الصراع بين طبيعة الذكر الانطوائية وحيوية المرأة " . ومعَ أن لغته تبدو للوهلة الأولى سهلة وبسيطة، إلا أنها مُحمَّلة بالرموز العميقة ، والتلميحات المستترة، والسُّخرية اللاذعة ، والأفكار الكامنة بين السطور .

     امتازَ أسلوبه بالدقة الفائقة في تصوير الشخصيات، والتعاطف مع الفقراء والمنبوذين في المجتمع، وتشريح المجتمع الدنماركي الذي كان مجتمعًا زراعيًّا يسيطر عليها الإقطاع ورجال الدين . وكانت نقطة التحول في حياته وأسلوب كتابته ، عندما تزوَّج للمرة الثانية في عام 1892من ابنة موظف كبير في العاصمة، فقد انتقل في موضوعاته الأدبية من الريف إلى المدينة .

     كتبَ بونتوبيدان خلال الفترة ( 1898 _ 1904 ) أشهرَ أعماله على الإطلاق " بِير المحظوظُ "، وصار هذا التعبير مُصطلحًا شائعًا في اللغات الإسكندنافية. وقد وَصَفَ في هذا العمل الصراع بين المثالية والواقعية ، وكَشَفَ أسرار الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية في العاصمة .

     وخلال الفترة ( 1912 _ 1916 ) ، كتب روايته الخماسية " مملكة الموتى " . وتقترب لغته في هذه الرواية من الأسلوب الشِّعري العاطفي ، كما أنه وَصَفَ الحياة في الدنمارك في بدايات القرن العشرين ، ناقدًا السُّلطة وسُوء استخدامها .

     وفي آخر أيامه اعتزلَ الناس، وكرَّس وقته بالكامل لكتابة مذكراته ، التي جُمعت في أربعة مجلدات ، بعنوان " الطريق إلى ذاتي " ، ونُشرت في سنة وفاته ( 1943) .

     وعلى الرغم من موهبته الأدبية الفذة ، وتصنيفه كواحد من أكثر الكُتَّاب الدنماركيين حَداثةً وإبداعًا ، إلا أنه كان رَجلاً متناقضًا في مواقفه ، ورُبَّما يعود هذا إلى شخصيته القَلِقة.فقد كان مُتحرِّرًا ووطنيًّا صارمًا في آنٍ معًا ، وتعاونَ معَ الاشتراكيين لكنه لَم ينضم إليهم ، وبقي مُستقلاًّ .

     كما أن كتاباته في كثير من الأحيان عبارة عن خليط من التَّحيُّز والموضوعية . وهذا حيَّر القُرَّاء والنُّقاد على حَدٍّ سَواء .

     يُعتبَر هنريك بونتوبيدان ثاني دنماركي يَفوز بجائزة نوبل للآداب، حيث حصل عليها في عام 1917 مُناصفةً مع مواطنه كارل غيلوروب .

     من أبرز أعماله: أجنحة (1881) . بطاقات بريدية من القرية (1883 ) . ابنة المرابي ( 1886) . غيوم ( 1890 ). الحارس ( 1893). من الأكواخ ( 1901) . ضَيف الملِك ( 1908 ) .