07‏/01‏/2022

هارولد بنتر وكوميديا التهديد

 

هارولد بنتر وكوميديا التهديد

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..................


     وُلد الكاتب المسرحي البريطاني هارولد بنتر ( 1930_ 2008) في لندن ، لأبوين يهوديين من الطبقة العاملة . بدأ حياته المهنية كَمُمثِّل . ومسرحيته الأولى " الغرفة " قُدِّمت في جامعة بريستول عام 1957. ومسرحيته الثانية ، والتي تُعَدُّ الآن مِن أفضل أعماله "حفلة عيد الميلاد"، قُدِّمت في عام 1958، وواجهت فشلاً تجاريًّا رغم ترحيب النُّقاد بها . لكنه قُدِّمت مرة أخرى بعد نجاح مسرحيته " الناظر " ( 1960) ، والتي جعلته مسرحيًّا مُهِمًّا ، وهذه المرة اسْتُقْبِلَت بشكل جَيِّد . في عام 1948 ، حصل بنتر على منحة لدراسة التمثيل في الأكاديمية الملكية للفن المسرحي ، لكنه لَم يُكمِل دراسته بها . وفي يناير عام 1951، قام لأول مرة كَمُمثِّل مُحترِف ، بتمثيل دور شيكسبيري ، إذ اشترك في تمثيل مسرحية هنري الثامن، وبعدها استأنف بنتر تدريبه على التمثيل في المدرسة المركزية للإلقاء والدراما .

     مسرحياته الثلاث الأُولى ، وعمل آخر له ، وهو "العودة إلى البيت" في عام 1964، جَعلت عمله يُصنَّف على أنه مِن كُوميديا التهديد ، حيث تبدأ المواقف بشكل بريء جِدًّا ثم تتطور بطريقة عبثية ، لأن الشخصيات في المسرحية تتصرَّف بطريقة غير مفهومة ، لا للجمهور ولا حتى لبقية الشخصيات . واعتبرَ النُّقاد أن هذا الأمر مِن تأثير صمويل بيكيت على بنتر ، وقد صار الرَّجلان صديقَيْن مِن يومها . يتَّسم مسرح بنتر بالغموض ، لأنه تأثر بِكُتَّاب العبث ، وخاصة بيكيت ، كما أنه تأثرَ بتشيخوف ودوستويفسكي وهمنغواي. ويستخدم بنتر الكلمات لأغراض غير الأغراض المألوفة ، فهو يخلق من إيقاع الكلمات إحساسًا بالخوف والتهديد ، فَوُصِفَت أعماله بأنها عنيفة ، وَسُمِّيت مسرحياته " كوميديا التهديد " .

     كما اعتمد بنتر على تكرار الكلمات والألفاظ ، وعلى تجريدها مِن معناها المصطلَح عليه ، بحيث تكتسب كيانًا مُستقلاً عن المعنى المحدَّد لها .

     أُطْلِقَ على بنتر لقب " شاعر الصمت " لأنه يُكثِر من استخدام فترات الصمت في الحوار، وهو يهدف مِن وراء ذلك إلى جعل المتفرِّج يَتصوَّر الاضطرابات النفسية والمخاوف والأحاسيس المختلفة التي تضطرم في نفسيات الشخصيات . يهتم بنتر بالقضايا الفلسفية التي تبحث فيها الوجودية ، مِثل : مشكلة البحث عن الذات ،  ومشكلة استحالة التثبُّت من الحقيقة ، ومشكلة انعدام الاتصال بين البشر ، حيث أصبح كل إنسان حبيس مخاوفه وأسير عالَمه الخاص .

     كذلك يهتم بنتر بالبحث في الدوافع المختلفة الكامنة وراء تصرفات الإنسان وأفعاله. ويتعرَّض لعلاقة الإنسان والقوى الخارجية ، والتي قد تَتجسَّد في النظام القائم أو التقاليد والعادات الاجتماعية ، أو القَدَر المحتوم على الإنسان، أو العلاقة بين الإنسان وخالقه . ويُصوِّر محاولة الإنسان للتحرُّر مِن القيود التي تفرضها عليه هذه القوى الخارجية _ حسب تفكيره_.

     في عَقْد السبعينيات تفرَّغ بنتر للإخراج أكثر ، وعمل كمساعد مخرج في المسرح الوطني عام 1973،وأصبحت مسرحياته أكثر قِصَرًا ، ومُحمَّلة بِصُور الاضطهاد والقمع. وفي عام 2005، أعلنَ اعتزالَه الكتابة وتفرُّغه للحملات السياسية .

     لبنتر نشاط سياسي مُميَّز ، دِفاعًا عن الحقوق والحريات ، بغض النظر عن المواقف الرسمية لبلاده . وفي عام 1985، كان مع الكاتب المسرحي الأمريكي آرثر ميلر في زيارة إلى تركيا ، وهناك تعرَّف على أنواع التعذيب والقمع التي يتعرض لها المعارضون . وفي حفل رسمي في السفارة الأمريكية أُقيم على شرف ميلر ، تقدم بنتر لِيُلْقِيَ كلمة عن أنواع التعذيب والإذلال الجسدي التي يَتعرَّض لها المعارضون للنظام الذي كانت الحكومة الأمريكية تدعمه . أدَّى هذا الأمر إلى طرده من الحفل ، وخرج ميلر مُتضامِنًا معه مِن الحفل الذي أُقيم على شرفه . وظهر أثر زيارته لتركيا في مسرحية " لغة الجبل " ( 1988) .

     عارضَ بنتر مشاركة بلاده لغزو أفغانستان كما عارض حرب العراق ، ونعتَ الرئيسَ الأمريكي جورج بوش بـِ المجرم الجماعي ، وقارنَ بينه وبين هتلر ، ووصفَ رئيسَ الوزراء البريطاني توني بلير بـِ الأبله .

     في عام 2005، أعلنت الأكاديمية السويدية فوز هارولد بنتر بجائزة نوبل للأداب ، مُعَلِّلة ذلك " بأن أعماله تكشف الهاوية الموجودة خلف قوى الاضطهاد في غرف التعذيب المغلقة " .